ذكريات العلاّمة المجتهد الشيخ إبراهيم سليمان عن علمات وبلاد جبيل

11/10/2012
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

العلاّمة المجتهد الشيخ إبراهيم علي سليمان{ والمتوفى عام 2004م. من كبار علماء جبل عامل المشار إليه بالبنان، المعروف بالزهد والورع. وصاحب المؤلفات الكثيرة والمفيدة. أقام في عام 1946م. قرابة عام في بلدة علمات كإمام لهذه البلدة ولبلاد جبيل وفتوح كسروان بسعي من المحسن الكريم المرحوم الحاج ابراهيم عوّاد. وقد جاء في مذكراته المدوّنة بقلمه في كتاب «حياة آية الله العظمى الشيخ إبراهيم سليمان{، بقلمه» إعداد وتنسيق أحمد حسين سليمان تحت عنوان: إلى «علمات في قضاء كسروان»:[ولما كانت بلدة «علمات» والقرى الشيعيّة الموجودة في قضاء كسروان واقعة في محيط غير إسلاميِّ وبعيدة عن المناطق ذات الكثافة الشيعيّة، فهي تحتاج لعلماء واعظين مرشدين، سعى بعض وجهاء علمات وعلى رأسهم الحاج ابراهيم عوّاد لدى السيّد محسن الحكيم{، في أن يختار لهم مُرشداً يقيم فيما بينهم. ويُعلِّمهم أُمور دينهم. فوقع اختياره على هذا العبد الفقير وأمرهم أن ينقلوني إلى علمات. فوصلتها للمرة الأولى يوم الإثنين 22 شوّال 1366هـ. مع وفد من البلدة كان حضر لاصطحابيّ. ومن أعضائه السيّد مصطفى بن السيّد أحمد الحسينيّ الزعيم الجليل والوزير المُسدد وكانوا هيأوا لي بيتاً واسعاً للسكن فيه.

و «علمات» هذه تقع في «جرود كسروان» وتمتد ستة كيلو مترات شمال غرب «طورزيا» إلى كوع المشنقة من الشرق الجنوبي. يشقها طريق قرطبا ومزرعة السيّاد الذي يوصل إلى بعلبك. وتقع هي على حافتي هذا الطريق في أرض وعرة جداً. وترابها أحمر، وصخورها كثيرة جداً فيها سنديان وملول. ويزرع أهلها التفاح. وبلادهم بلاد أمان فوق ما تتصوره العقول. فليس عندهم سرقة أبداً ولا كذب. وأكثرهم يصومون قبل سن البلوغ. وهم شجعان، أهل عزّة. إرتحل أكثرهم لبيروت فتحسنت أحوالهم بعد أن كانوا في منتهى الفقر. وهم من عشائر بعلبك ففيهم يومئذ آل عوّاد وآل شقير وآل حيدر وآل حيدر أحمد وهم من آل شهاب وغيرهم(2).

والقرى الشيعيّة مختلطة بالقرى المسيحيّة بتعايش لا مثيل له. وعلمات أم القرى الشيعيّة وأكبرها في محيط مسيحي فيه قرى كبيرة كجبيل وقرطبا وغيرها(3)».

علاقة الشيخ بالوزير السيّد أحمد الحسينيّ

تحت عنوان:»رفض القضاء في لبنان» كتب في مذكراته قائلاً:»كنت من أشدِّ النّاس عداوة لمركز القضاء في لبنان، لأنّ القاضي هنا مقيد بمواد تبلغ الإثنتي عشرة مادة يخالف فيها الحكم الشرعيّ. ولا سيما الإرث، ومهر الأرض وغير ذلك ولقد عُرِض عليَّ القضاء ثلاث مرات في لبنان فرفضته رفضاً قاطعاً.

المرة الأولى: بواسطة الحُجّة المُقدس الشيخ يوسف الفقيه الذي جعلني أوّل المرشحين حيث طلب منه وزير العدل السيّد أحمد الحسينيّ (الكسروانيّ) الشهير بإستقامته وصلابته في سبيل الحق، أن يُسمي له جماعة، فسمى له أربعة أو ستة. وجعل إسمي في رأس القائمة وأبلغني بالأمر. فاعتذرت للأسباب التي ذكرتها فاتصل بالسيّد أحمد الحسينيّ قائلاً له: أمح اسم الشيخ ابراهيم فهو لم يرضَ بالقضاء!. فطلب إليه أن يعرّفه عليّ فإنّ النّاس تعمل جهدها وتقوم بوساطات للحصول على هذا المنصب فكيف يرفضه هذا الرجل؟.

فاصطحبت الشيخ المُقدس لزيارة السيّد أحمد في بيروت فأنسنا به كثيراً. فزرته مرة في بلدته «مزرعة السيّاد» فكان إنشراحه عظيماً. وأبقاني في ضيافته تلك الليلة وكانت سهرة جميلة(4)».

لماذا عاد الشيخ إلى جبل عامل؟

لم يُبيّن العلاّمة الشيخ سليمان{، في مذكراته سبب عودته السريعة إلى جبل عامل حيث لم يبق في علمات وجوارها سوى مدّة قصيرة دامت أحد عشر شهراً. ومن خلال أبياتِه الشعريّة التي أرسلها إلى صديقه في النّجف الأشرف آية الله الشيخ حسين معتوق{، أثناء إقامته في علمات تبيّن لنا حنينه الشديد إلى النّجف الأشرف ومجالسها العلميّة والأدبيّة. والعيش في رحاب أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب(ع)، وشوقه للدرس والتدريس والتحقيق والتصنيف وضجره من مجتمع علمات الخالي من العلم والعلماء والكتب والمكتبات، والمعاهد والحوزات، والتحقيق والتصنيف والبحوث العلميّة حيث قال تحت عنوان:»

حنين

أحنُّ إلى أيامكم والحشا يهفو

وليس الذي اعتاد الوفا كالذي يجفو

أحنُّ إلى التحقيق عذباً مُنمّقاً

بسلسلة الأستاذ كالماء إذ يصفو

ونحن ظماء والمطالب أكؤس

تهيم بهنّ الأذن والقلب والطّرف

أَحنُّ على ما كنت ألقى من الأسى

كأن الأسى يجتاح عاطفتي عطف

نعم كنت رحب الصّدر بالعلم دانياً

إلى مهجتي أروى متى استعذب الرّشف

وقد كنت مصروفاً الى الدين والتُّقى

يغادرني لطف ويعتادني لطف

وها أنا مسجون بسجن من الشّفا

تُحيِطُ بي الأهواء واللّهو والقصف

نعم قادة الأهواء من كل جانب

حلالهم من حول مركزي اللف

وشتان من كان الإمام مُجيرهُ

ومن جَارُه بين الورى الجَاهِلُ الجلف

فقدت من الآلاف كُلَّ مُهذب

كريم الثنا عن وصفه يقصر الوصف

وهمت بوادٍ لم أجد في شعابه

صفيّا ولم يطرق مخيلتي الإلف

لك الله من خل فقدت وفاءه

المصفى، وخير النّاس من حبه صرف

وإنّك مهما طال عهدك بالجفا

صديقي. أرى منك الوفا إن بدا الخلف

سلام على تلك الربوع ومن بها

سلام شجٍ جمِّ الأسى للقا يهفو

سلام على أيامكم كلما هفا

لطيب اللقا قلب وماسَ له عطف

فأجابه الشيخ معتوق بكتاب جاء به هذه الأبيات:

منى النفس أن تحظى بلقياك ساعة

لتشفي عليلاً من لقائكم النَفسُ

لئن عِزّ أن يحظى بمرآك ناظري

بمرآة فكري. وَالمِثَالُ لَهُ عكس(5).

على أنَّ عكساً من مثالك ثابتٌ

بمرآة فكري، وَالمِثالُ له عَكسُ

 

العلاّمة المجتهد الشيخ إبراهيم علي سليمان من مواليد قرية البيّاض قضاء صور عام 1910م. والمتوفى بها عام 2004م. من العلماء اللبنانيين المشار إليهم بالوثاقة والإجتهاد من طلبة الإمام السيّد محسن الطبطبائيّ الحكيم{، في النّجف الأشرف. له مؤلفات كثيرة في الفقه والأصول وعلميّ الفلك والأدب، ومن مؤسسي جمعية علماء الدين العامليّة في جبل عامل عام 1952م. علم وخبر رقم 155. وأوّل قاضي شرع جعفري في دولة الكويت بإختيار من أستاذه الإمام الحكيم{ عام 1960م.

ترك في قريته البيّاض صدقات جاريّة من أهمها:

أ ـ حوزة الإمام الحجّة المهديّ|، التي افتتحها في عام 1991م.

ب ـ ومتوسطة رسميّة مؤجرة لوزارة التربيّة والتعليم العالي يعود ريعها للحوزة الآنفة الذكر.

ج ـ وبناية أخرى بها اثنتي عشرة شقة سكنيّة مُخصصة لسكن أساتذة الحوزة وطلابها المتزوجين.

د ـ ومكتبته التي تعتبر من المكتبات التراثيّة الكبرى في جبل عامل. وغيرها من أعمال خيريّة.

والصواب هو: أنّ معظم العائلات والعشائر في بعلبك والهرمل والبقاع الشمالي هي من منطقة كسروان وبلاد جبيل وليس كما قالM راجع كسروان وبلاد جبيل بين قرنين للدكتور أحمد محمود سويدان. وغيرها من مصادر تاريخيّة أشارت إلى ذلك.

حياة آية الله العظمى الشيخ إبراهيم سليمان{، بقلمه، إعداد وتنسيق أحمد حسين سليمان، دار الأضواء ـ بيروت، الطبعة الأولى 2006م.

المصدر نفسه، ص 56 ـ 57.

المصدر نفسه، ص 91.