زوجة واحدة لا تكفي!

11/10/2012
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

كتبت الدكتورة نوف علي المطيري في صحيفة «ميدل ايست أونلاين» تحت العنوان الآنف الذكر  قائلة: لو حيدنا مشاعرنا كنساء وأخذنا مصلحة المجتمع بعقلانيّة لقلنا أن تعدد الزوجات قد يكون رحمة لنا وللرجال وللمجتمع.

 

تنظر كثير من الزوجات لموضوع ارتباط زوجها بزوجة أخرى على أنّه إساءة لها وإهانة لأنوثتها وكرامتها. وترفض تماماً فكرة الزوجة الثانيّة من باب الغيرة وأيضاً من باب ألا تكون وليمة دسمة ومادة للسخريّة على موائد النساء وفي مجالسهنّ.

تلك المشاعر التي تمرُّ بها الزوجة طبيعيّة، فالغيرة لدى النساء أمر شائع ومعروف وتجري في العروق كمجرى الدم. ونحن النساء خُلقنا وَخُلِقَ فينا الشعور بالغيرة، فالزوجة قد تغار على زوجها من أي إمرأة يكثر الزوج من ذكرها أو مديحها، فما بالك بالإرتباط بها. وكلما ازداد حَبُّ المرأة لزوجها زادت غيرتها، وقد قال ابن حجر العسقلانيّ «الغيراء لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه» أي قصد أنّها في حالة عمى.

ورغم تفهمي لمشاعر الغيرة لدى النساء إلاّ أنني أرى أنّ القضيّة أَعمقُ من الغيرة وكراهية الأخرى. ورغم معارضتي الشخصيّة لتعدد الزوجات إلاّ أنني اكتشفت بحكم كوني باحثة إجتماعيّة أن إتاحة المجال للرجل ليتزوج أخرى أمر ضروري لحل كثير من المشكلات.

ولكوني أيضاً باحثة فإنني سوف أُحِّيدُ عاطفتي جانباً، وأقول أن الدين الإسلاميّ يُشرِّعُ لمسائل الزواج من منظور أبعد، فهو ينطلق مما يحققّ مصلحة المجتمع وينظم شؤونه، دون التقيد برغباتنا نحن النساء بما فيها من أنانية. ثمّ إنّ التشريع الإلهي لا يسير وفق هوى النفس البشريّة، وإنّما يُشرِّعُ من بُعد شمولي للمجتمع بجميع أفراده.

وقد أباح الدين الإسلاميّ التعدد للرجل لوجود عدد من المبررات. أولاً: ليعالج مسائل الزيادة في نسبة النساء للرجال في المجتمع لدينا ولدى غيرنا. فهل من العدل أن تبقى الكثير من الآنسات والمطلقات والأرامل بلا زوج وعرضة للإنحراف والوقوع في الخطأ لأنّ الزوجة الأولى تشعر بالغيرة؟

التعدد يتيح لهنّ بناء أسر والحصول على أزواج يقاسموهنّ الحياة، كما أنّ المرأة غير المتزوجة لديها غريزة جنسيّة تحتاج لإشباع بطريقة شرعيّة.

كما توجد ثانياً مُبررات خاصة بالرجل، تتعلق بالمشاكل المترتبة على البقاء مع زوجة سلوكها سيىء أو زوجة يعاني زوجها من إهمالها له وإنشغالها عنه. وسبب آخر ـ ولا حياء في العلم ـ الغالبيّة من الرجال أقوى في الرغبة الجنسيّة من النساء. لذا فقد لا تشبع واحدة رغبات الرجل الجنسيّة والعاطفيّة. وعندما يبقى الرجل من هذا النوع مع زوجة واحدة قد يكون عُرضةً لإقامة علاقات غير شرعيّة مع خليلة أو بائعة هوى، وفي هذا دمار للمجتمع وقيمه.

ثُمّ إن الكثير من الرجال يتزوجون سراً بأخرى وربما بأكثر من زوجة في العالم العربي وفي أميركا وكل أصقاع المعمورة، لأنَّ الكثير من الرجال بحكم فطرتهم لا تكفيهم امرأة واحدة.

ثُمّ إنّ تعدد الزوجات ظاهرة عرفتها البشريّة قبل الإسلام ومنذ أقدم العصور، ففي بعض الديانات كاليهوديّة لم يكن زواج الرجل مُحدداً بعدد معين، بل كان من حقه أن يتزوج بالعشرات وربما المئات، فالنبيّ سليمانQ، كان له ثلاثمائة زوجة وسبعمائة جاريّة، وقد أخذت الديانة المسيحيّة في بادئ الأمر من التشريع اليهوديّ اباحة التعدد حتى مُنِعَ بأمر من الكنيسة الكاثوليكيّة والتي نادت بمبدأ «رجل واحد وامرأة واحدة»، ثُمّ إنضمت لها فيما بعد بعض الكنائس. وبقيت بعض الطوائف المسيحيّة كالمورمون وغيرهم يمارسون التعدد داخل اميركا ولا يكتفون بعدد محدد من الزوجات، كما طالعتنا به حادثة ويكو في ولاية تكساس. ومعظم رؤساء أميركا مثل جون كيندي وبيل كلينتون وغيرهما كانت لهم علاقات خارج إطار المؤسسة الزوجيّة.

وحينما شرّع الإسلام تعدد الزوجات حدده بأربع، وكان موفقاً لأنّه أخذ في الحسبان ُفطرة الرجل الذي يميل لاتخاذ أكثر من زوجة أو خليلة، فالأصل في الطبيعة الذكوريّة التعدد والإستثناء هو إتخاذ زوجة واحدة، كما تشهد بذلك جميع مراحل التاريخ.

ومع تطور المجتمعات وظهور ما يُسمى بدعاة تحرير المرأة ظهر من ينادي بمنع الزواج بأخرى وتقييده حتى في بعض البلدان الإسلاميّة. ووصف التعدد بأنّه من أفعال الجاهليّة الأولى وتشريع يحطُّ من شأن النساء. وظهرت بعد ذلك القوانين المدنيّة ومنها قوانين الأحوال الشخصيّة التي تمنع التعدد وتجرّم مرتكبه وقد تصل العقوبات في بعض الدول للسجن، وهذا ما يدفعني للتساؤل: هل يترك الزوج الزواج بأخرى لكن الزوجة الأولى تعتبره إهانة كبيرة لها أو انتقاص لحقها كإنسان أو أنوثتها فقط وتهدر مصلحة المجتمع؟

ثُمّ إنّ القوانين التي تدّعي الدفاع عن حقوق المرأة وكرامتها من خلال منع تعدد الزوجات، لماذا لا تُجرّم العلاقات غير الشرعيّة وتمنع إتخاذ الخليلات؟ ولماذا تجبر الرجل على إعالة أطفال أنجبهم خارج إطار الزواج الشرعيّ؟ وقد أدت القوانين الصارمة والتهديد بالعقوبات لمن يمارس التعدد إلى زيادة في الإنحرافات في الدول الغربيّة والعربيّة على حد سواء.

كما أنّ ما يحدث لكثير من الفتيات في مجتمعاتنا اليوم بسبب وسائل التواصل الإجتماعيّ وإنتشار المُغريات والفتن يجعل التعدد رحمة لهنّ ولأهاليهن وللمجتمع. كما أنّ الزيادة في نسبة اللقطاء وزيادة ما يسمى بالأمهات العازبات في بعض الدول العربيّة أمر يدعو لإباحة التعدد! وكلمة أخيرة أقولها أننا لو حيدنا مشاعرنا كنساء وأخذنا مصلحة المجتمع بعقلانيّة لقلنا أن التعدد قد يكون رَحمةً لنا وللرجال وللمجتمع.