أبي الحبيب

11/10/2012
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

في الذكرى الثالثة والعشرين لرحيلك، أحببت أن أكتب اليك، لأطلعك على أحوال الدنيا،

بل لأقول: أنا مُشتاق.

في ذكراك... تساءلت كيف يمكن للقلم أن يُعبِّرَ عَن عطاءاتك وتضحياتك لي ولأخوتي،

لأنّه مهما كتبت عن ذلك، فلا أجد الكلمات المناسبة التي توفيك حقك...

 ليس من السهل إختصارُ ربع قرن عشته في كنفك ببضع كلمات عن مآثرك...

الا أنَّ الوفاء يبقى في النهاية، واجبا مُقدّساً...

في ذكراك يا أبي... أقول أنَّ رحيلك ما زال صعباً وصعباً جداً، الا أنَّه القدر المحتوم...

في ذكراك يا أبي... أردد كلامك: الوفاء لا يباع في الدكاكين، والاصالة لا تشترى من الحوانيت، والشهامة لا تمنحها المناصب...

في ذكراك يا أبي... أتذّكر قولك: من لا تحميه مبادئه، لا يمكن لكل جحافل الارض أن تحميه. فلنمت بشرف، أفضل بكثير من أن نعيش بلا مبادىء، أو نعيش أذلاء في عصر ذليل، وفي زمن ذليل...

في ذكراك يا أبي... أتذّكر حديثك الدائم عن قريتنا المعيصرة... وعن تعلقك بأرضها وترابها وأهلها... كنت تتكلم عنها، وكأنها قطعةٌ من روحك وجسدك وعقلك... وكنت فخوراً برجالاتها وتاريخها...

في ذكراك يا أبي... اتذكر إخلاصك لمؤسسة قوى الامن الداخلي... وعن التزامك وانضباطك... وعن محبتك لرفاق الوطن دون تفريق أو تمييز...

أبي... أنت لم تغب عنَّا يوماً... أنت موجود دائماً قي قلوبنا وعقولنا...

أبي... أنت لم تكن يوماً مُجرد أب... كنت الأخ والصديق... كنت الشجاع الشهم المتواضع...

أبي... كنت ذاك النسر الذي كان يعمل ليلاً ونهاراً ليعطي للحياة معناها الاسمى...

أبي... كنت الكلمة الطيبة... والعقل الراجح... والقلب الحنون...

 

أبي... كنت تمنح الحبَّ لكلَّ من يحتاجه، كما السماء تمنح الشجر ما يشاء من مطر...

أبي... كنت تحتضن الجميع بمحبة بالغة... وكانت آخر كلماتك لي: احبوا بعضكم،

كونوا يداً واحدة، وقلباً واحداً، فيد الله مع الجماعة... ولا تتنازعوا فتفشلوا...

أبي... كنت الرجل الذي يبثُّ نوره في كل اتجاه ليملأ المكان حُبَّاً وحناناً...

 

أبي... كنت الداعم لنا في كل خطوة من خطواتنا، وكنت الحريص على تقديم النصح والمشورة.

أبي... كنت تحبُّ أن نتعلم...  وكنت مصيباً فثروة المرء عقله وعلمه وليس ماله!.

أبي... كنت الرجل بلا اعداء، وكأن ورودك كانت دون اشواك. وكنت حامل شعار الحبَّ لجميع خلق الله..

أبي... كنت تقول أنَّ الحياة لا تستحقُّ أن نجافيها، او أن نستغرق في سخافاتها وتفاهاتها... فالحياة ممر وليست مقر...

أبي... كنت الرجل الذي يتمتع بمزايا نادرة، كنت تعزف على وتر الحبِّ دائماً، وكأنك من نسيج الملائكة الذين لا يعرفون غير الطهر والمحبة والعطاء...

أبي... كنت مثالا للوفاء والاخلاص... في زمن كثر فيه المتاجرون بهذه القيم والصفات النبيلة...

أبي... لكل هذا واكثر افتقدك...

أبي... افتقدك اليوم في عالم عَزَّ فيه الجمال وطاب القبح... وانهزم الضوء أمام جحافل الظلام... وانكفأ الحبُّ امام سيادة الحقد والكراهية...

أبي... افتقدك وكأن هذا العالم يفتقد بريقه الدافىء، لينغمس في خَضمِّ برودةُ مُعتمة...

أبي... افتقدك كثيرا... وكل يوم ولحظة افتقد  جلساتنا الصاخبة والهادئة...

أبي... أمي، واخوتي، وأقاربي، وأصدقاءك ، ومحبيك ، يفتقدونك...

أبي... أنا لا ابكيك اليوم... أنا فخور مُعتزٌّ بك، بتربيتك، وها نحن نمشي على دربك وخطاك... وقولك سيبقى لنا كالعلم المرفوع عاليا: ما دام أخاك بخير فأنت بخير، وما دام أخاك عليل فأنت عليل حتى يشفى...

اليوم وككلِّ يوم أقول لك يا أبي، نم قرير العين، مُطمئن النفس، مُرتاح الفؤاد، فأنت لم تمت بل جسدك رحل، أنت تعيش في عقولنا وقلوبنا...

أبي... رحمك الله... وأسكنك فسيح جنانه... ولا حول ولا قوة الا بالله...  

إبنك: محمد علي رضى عمرو

 

 نبذة عن المرحوم الحاج علي رضى بن محمد سعد الدين عمرو. والدته: سكينة مشرف الحاج يحيى عمرو، مواليد المعيصرة عام 1934م، أشقاؤه: المرحوم الحاج توفيق (أبو عادل) المرحوم الحاج مصطفى(أبو سمير)، شقيقاته: الحاجة حاجة (أم حبيب) أرملة مختار المعيصرة المرحوم الحاج غازي نجيب عمرو، المرحومة الحاجة آمنة، المرحومة الحاجة فاطمة (أم علي) أرملة المرحوم الحاج محمد بشير عمرو. شقيقاه من والدته: المرحوم الحاج محمد جعفر عمرو (أبو يوسف)، المرحوم حسن جعفر عمرو (أبو خليل). شقيقتاه من والده: المرحومة لطفية زوجة الحاج عبد الكريم عمرو، والمرحومة الحاجة فخرية (أم إبراهيم) أرملة المرحوم الحاج محمد علي ضاهر عمرو. تطوّع في الجيش اللبناني عام 1959م. ثُمَّ إنتقل إلى سلك قوى الأمن الداخلي (فوج سيار الدرك)، نال عدّة أوسمة وشهادات تنويه من قيادة الدرك، وكان مثالاً في الإنضباط والإلتزام. تزوج من إبنة المرحوم خاله الحاجة جميلة نسيب مشرف الحاج يحيى عمرو ورزقه الله تعالى منها بالسيدة عواطف (أم علي) أرملة المرحوم إسماعيل أسعد عمرو وبعد طلاقها منه  تزوج من إبنة شقيقة الإمام العلاّمة السيّد عبد الحسين شرف الدين (قده)، الحاجة سامية محمد الزين. رزقه الله منها: خمسة ذكور وأربع إناث وهم: محمد يعمل في مجال الإعلام، وصاحب شركة لتوزيع الصحف والمطبوعات،(الناشرون). أحمد يعمل في مجال تجارة السيارات في سويسرا، محمود يعمل في مجال التعليم، حالياً مدير أكاديميّة رفيق يونس للتزيين والتجميل، حسين صاحب محل ميني ماركت، حسن مهندس يعمل في مجال برمجة الكمبيوتر في فرنسا، حوراء مديرة دار حضانة مروة متأهلة من الدكتور المهندس معين فواز، زينة تتابع إدارة مؤسسات زوجها الراحل المزين العالمي الشهيد رفيق يونس. وفاء تعمل في مجال الرسم الهندسي متأهلة من المهندس أيمن ماضي. توفي المرحوم الحاج علي رضى في الكويت في 10/8/1989م. أثر إصابته في حادث أثناء خدمته العسكريّة في لبنان.