علاقة الامام موسى الصدر وشمال لبنان

18/1/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم الحاج حمد حسين(1)

بداية أودُّ أن أُلفت لماذا استعملت مصطلح علاقة سماحته والشمال وليس علاقته بالشمال. في الحقيقة لأن لعلاقة سماحة الامام المُغيَّب مع الشمال كان لها طعم ونكهة خاصة جداً حيث اعتبره أي الشمال بوابة الانفتاح على كافة الطوائف اللبنانية المتعايشة فيه وحيث أنّه اعتبر أنَّ كلمة سواء والقواسم المشتركة تعبر كُلَّ الوطن من بوابة الشمال حيث الميزة التي يتحلى بها.

بالعودة الى تفصيل حركة الامام المُغيَّب موسى الصدر في الشمال من حيث اهتماماته فلم تنحصر بطائفة معينة أو مذهب أو منطقة أو بيئة وان كانت انطلاقته الدائمة ومحطته في طرابلس هو منزل المغفور له الشيخ خليل حسين ولكنه كان يحمل هُمومَ منطقة الشمال بأَسرها بحدودها من أقصاها الى أقصاها كما كان يحملُ هَمَّ الوطن فلم يختلف إهتمامه بأقاصي عكار عن إهتمامه بقلب طرابلس او بمنطقة بشرّْي عن منطقة الكورة.

علاقة سماحة الامام المغيب السيد موسى الصدر بالطوائف الشمالية

أ – علاقته بالمسيحيين

ان أهمَّ روابطه مع الأُخوة المسيحيين وبالشخصيات المسيحية في الشمال كانت مع فخامة الرئيس سليمان فرنجية ولكنه كما سبق وقلنا لم يفرق بين منطقة وأخرى فقد كان له الكثير من اللقاءات والمحاضرات في كنائس المنطقة من كنيسة مار مارون في طرابلس الى كنيسة القبيات وعندقت وبشرّي وكان مضمون كلماته كلها يَصبُّ في بناء المواطنية وكسر الحواجز بين كافة الطوائف والحرص على العيش المشترك ومن اللافت أيضا في سماحته حرصه على تناول الطعام على موائدهم مع حرصه على الضوابط الشرعية دون إحراج.

ب- علاقته بالمسلمين السُنَّة

اما علاقة سماحة الامام بالاشقاء السُنَّة فقد كانت ذات مروحة واسعة جداً في طرابلس كان أوطدها علاقته بالمغفور له دولة الرئيس الشهيد رشيد كرامي ومع العديد من عائلات طرابلس على سبيل المثال لا الحصر آل المُقدم و آل علم الدين وآل الجبيلي وكان يحرص سماحته في العديد من المناسبات أن ينام في بيوتهم ليرفع الحواجز وَيُبيِّنُ مدى حرصه على التآخي في الله والوحدة الاسلامية ولتتجلى هذه المعاني في التطبيق العملي والحركة وليس كلامياً فقط.

ومن بعض مواقفه التي كان سماحته يعمد من خلالها الى تبيان حقيقةٍ ما، او سلوكية ايجابية أسرد هذه الحادثة: ففي إحدى المناسبات كان سماحته يتناول طعام الغداء في دارة المرحوم دولة الرئيس كرامي في بقاع صفرين وبعد الغداء وتقديم الفواكه كان دولة الرئيس كرامي يختار لسماحته حَبّ الكرز المميز ويضعه في صحن سماحته فما كان من الامام الا ان ترك ذلك الكرز وتناول الحب العادي الموجود على الطاولة ولما سُئل باستغراب عن ذلك؟ أجاب: ولمن نترك هذا الحب من الكرز ومن سيأكله.

اما بالنسبة لعكار فقد كان سماحته يهتمُّ بشؤونها بشكل خاص لشدة حرمانها وأهلها ومن بعض ما روى لنا الاخ المرحوم ابو يحيى ( زكريا حمزة ) أن سماحته كان يتصل بهم في ساعات مُتأخرة أحياناً ليكلّفهم بزيارة القرى في عكار واستطلاع وضعها لمراجعة ما يمكن لخدمتهم.

ج- علاقة سماحته بالمسلمين العلويين

لقد استشعر سماحته الغُبنَ اللاحق بهذه الطائفة والتعتيم على واقعهم لذلك أَولاهم عناية خاصة وكان يعتبرهم من الطائفة الشيعية لذلك في بداية علاقته معهم ساهم في بناء مسجد في منطقتهم ( جامع الامام عليّ عليه السلام) في التبانه وأسس داراً للافتاء الجعفري تسلمه بعد تعيينه مُفتياً فضيلة الشيخ علي منصور (رحمه الله) وأسس محكمة شرعيّة جعفرية بالتعاون والتنسيق مع رئيس المحكمة الشرعيّة الجعفريّة العليا العلاّمة الشيخ حسين الخطيب وقاضي طرابلس العلاّمة الشيخ عبد الله نعمة والشيخ خليل حسين(رحمهم الله تعالى)، كما اهتمّ بمجموعات منهم استوطنت الكورة واعانهم في تكوين قرية بكافة مستلزماتها(ضهور الهوا).

د- علاقته بالمسلمين الشيعة

لا شك ان علاقته بالشيعة في طرابلس كانت علاقة الاب بأبنائه وبعناية خاصة حيث أنَّهم الأقلية من حيث العدد في منطقة تواجدهم ومن حيث الحرمان اللاحق بهم وتلك العناية الخاصة تجلّت باعتبار ان سماحته كان يعتبرهم السفراء للعلاقة المتنوعة مع سائر الطوائف وهم الصورة الحيّة لهذه العلاقات وهذا التعايش الوطنيّ الكريم.

من هنا كان اهتمام سماحته بأوضاعهم كافة فساهم في بناء المساجد في القرى الشيعية المُتناثرة في الكورة وعكار والحسينيات والمراكز الصحية والاجتماعية حيث كان داعماً لمسيرة الشيخ خليل حسين في هذه المشاريع وراعياً لها. كما كان يخصُّ هذه القرى بزيارات دائمة والتفاتة خاصة.

لا شك انه في هذه العجالة ما كتبناه هو ملّخص يسير عن علاقة سماحته بالشمال. مع أن الشمال كان يبادل سماحته المحبة والتقدير والاحترام.

الهوامش:

  1. رئيس قلم محكمة طرابلس الشرعيّة الجعفريّة.