مبادئ القياس والتقويم في التربية

18/1/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

إعداد الأستاذ منيف موسى الشوّاني

إشراف الدكتور نمر فريحة

الجامعة اللبنانيّة كلية التربية ـ قسم التاريخ شعبة: أ.

مبادئ القياس والتقويم

أ ـ القياس والتقويم ودورهما في العمليّة التربويّة

1ـ المقدمة:

عانت التربية طويلاً من النظريّة التقليديّة التي تزعم وجود عيوب ذاتيّة في الإدراك والملاحظة كوسيلتين للمعرفة لأنهما يفضيان إلى الظن ومجرد الإعتقاد. والمعرفة السامية يقدمها الفكر الخالص بعيداً عن الحواس. أمّا في العلم الحديث فلا توجد في الحواس إلاّ نواقص تدفع إلى اختراع آلات جديدة تكمل وتصحح. ويرى «ديوي» أن المعرفة ليست أولية ولا سابقة على التجربة بل إنها نابعة من التجربة نفسها، أي من الخبرة وهي ثمرة لها(1).

ومع تطور العملية التربويّة تحسنت المبادئ العامّة للقياس والتقويم. وتحديد الأهداف التربويّة والترتيبات الخاصة بتقويم تحصيل التلاميذ أي مقدار تقدمهم نحو تحقيق أهداف التعلم وباتت تشكل جزءاً متكاملاً من أي موقف تعليمي(2).

2ـ مفهوم القياس والتقويم

من أوليات التربيّة الحديثة تحديد الأهداف والسياسة التربويّة بدقة لتسهل ترجمتها إلى أهداف فرعيّة ومن ثم إلى إجراءات سلوكيّة (معرفيّة أو حركيّة) وإلى توزيعها بالتسلسل على سنوات التدريس. وللتأكد من مدى تحقيق النتائج أو الأهداف التعليميّة يقوم المعلم بإجراءات مختلفة يقيس بها التَغَيُّر الذي يحصل في سلوك المتعلم نتيجة عملية التعلّم، تعرف هذه الإجراءات بعمليتي القياس والتقويم.

والقياس هو العملية التي بواسطتها نحصل على صورة كمية لمقدار ما يوجد في الظاهرة عند الفرد من سمة معينة والتقويم هو تحديد التقدم الذي يحرزه التلاميذ نحو تحقيق أهداف التدريس المخطط لها(3).

3ـ العلاقة بين القياس والتقويم

القياس يسبق التقويم ويشكل أَداته. فعلامات الإختبار لطلاب صف معين تقيس مقدار تحصيلهم. ولإجراء عملية التقويم نقارن العلامات التي يحصل عليها الطالب بمتوسطات علامات صفه أو بعلاماته السابقة.

4ـ طبيعة القياس النفسي والتربوي

يختلف القياس النفسي والتربوي عن عملية القياس في العلوم الطبيعيّة فهو أقل دقة، والصفر فيها إعتباطي. لكن علم النفس التربوي انتقل من مرحلة التقديرات الشخصيّة العامّة المعرضة للخطأ الناتج من الحكم الذاتي وعدم الدقة إلى مرحلة القياس الموضوعي المستند إلى الطرق الإحصائيّة، وقد اتسمت ميادين علم النفس الخاضعة للقياس.

والمدرسة الحديثة تقوّم التلميذ ليس على أساس إمتحان آخر السنة أو بالنسبة إلى مقدار المعلومات التي حفظها، إنما يشتمل تقويمها على أنواع النشاطات المختلفة التي يزاولها التلميذ بالإضافة إلى تقويم مدى تجاوبه وسلوكه في العمل وقياس قدراته وميوله.

5ـ أنواع المقاييس

أ ـ المقاييس الإسميّة: تعتمد على الأرقام أو الرموز في تحديد الأشياء وتصنيفها.

ب ـ مقاييس الرتب: تدل على إمتلاك الشخص لسمة معينة أكثر أو أقل دون تحديد لكمية الفروقات، فهناك أنواع كثيرة من نواحي التحصيل لا يمكن تقويمها تقويماً دقيقاً عن طريق الإختبارات، خاصة القدرات التي تتصل بالغناء، والتمثيل، والرقص، والرسم، والتربية الرياضيّة واستخدام الأدوات والألعاب... إلخ، كلها مجالات لا يمكن تقويمها إلا بملاحظة التلاميذ أثناء القيام بها (مقياس التقويم الوصفي).

ج ـ مقاييس المسافة: تصلح في الأمور التربويّة والنفسيّة وتمتاز بأنّها تدل على ما في السمة بصورة كمية، وحداتها متساوية إلاّ أنّه لا يوجد لها صفراً مطلقاً يدل على عدم توفر الخاصيّة المقاسة لدى الفرد.

د ـ المقاييس النسبيّة: تمتاز بأن لها صفر مطلق، ووحداتها متساوية ويمكن إجراء العمليات الحسابيّة عليها، ويندر استخدامها في ميدان التربية وعلم النفس، إلاّ عندما نقيس أزمان التعّلم.

6 ـ أغراض القياس والتقويم

أ ـ في التخطيط التربوي: التعرف على الحاجات الفعليّة للمجتمع، وتحديد مواصفات القوى العاملة وتوزيعها، وتحديد الحاجة من المباني واللوازم المدرسيّة في ضوء إعداد الطلبة وتحديد مستويات القدرة والكفاية عند الأفراد.

ب ـ في قبول الطلبة وتصنيفهم في أنواع التعليم: عن طريق التعرف إلى استعداداتها ورسم سياسة الترفيع والترسيب.

ج ـ في الإرشاد والتوجيه: لمساعدة الطالب في إختيار تخصص دراسي وفق ميوله ورغباته، وتهيئة البيئة الإجتماعيّة التي تساعد الطالب على التكيف تربوياً ومهنياً واجتماعياً.

د ـ في تطوير عملية التدريس: تأكيد أهداف التدريس والتعرف على مدى التقدم في العملية التعليميّة وتشخيص صعوبات التعلم وتوفير الدافعيّة للتعلم. وتطوير المهارات والقدرات. وعلى أساس التقويم المستمر تتخذ قرارات تتعلق بمختلف جوانب العملية التربويّة (بالنسبة للمنهاج والأسلوب والكتاب المدرسي والمعلم والعلاقات الإداريّة... إلخ).

7 ـ وسائل القياس والتقويم

أولاً: الإختبارات: مهما تعددت أنواعها يجب أن تتصف بالصدق والثبات وقابليّة الإستعمال.

ثانياً: الملاحظة: وتتطلب الإستمرار والتسجيل لاستكمال صورة التلميذ للتمكن من مساعدته بمساعدة ولي الأمر.

ثالثاً: قوائم التدقيق: إعتماد بطاقة يجري عليها ذكر المهارة التي أتقنها التلميذ.

رابعاً: مقاييس التقدير: لتحديد درجة إتقان مهارة ما.

خامساً: دراسة الحالة: دراسة شاملة لحالة التلميذ المتخلف لمساعدته بالإتفاق مع الوالدين.

8 ـ أهم مبادئ القياس والتقويم

ـ تناسق الإختبارات مع الأهداف المراد تحقيقها.

ـ ملاءمة المقياس مع طبيعة الأشخاص الذين يطبق عليهم وأن يشمل جميع جوانب الموضوع (المعرفيّة، والإجتماعيّة، والإنفعاليّة والجسميّة) وكذلك أن تكون فقراته ممثلة لأهداف المادة الدراسيّة. وأيضاً يجب أن يشمل جميع النواحي المتعلقة بالعملية التربويّة، وأن يكون التقويم جزءاً من الموقف التعليمي، وأن يشترك فيه جميع من لهم علاقة بالعملية التعليميّة، ومراعاة أن يترك التقويم اثراً حسناً في نفس التلميذ.

ـ إستمراريّة التقويم لكشف نواحي الضعف ورسم الخطط المناسبة لتلافيها عند الطلبة، ومدى مناسبة أسلوب التدريس للمعلم وقصور المناهج...إلخ.

ـ تنوع أساليب وأدوات التقويم لأنّه في السلوك الإنسانيّ يصعب الإعتماد على وسيلة واحدة للتمكن من كشف الفروق الفرديّة بين الطلبة من حيث التحصيل والأداء.

ـ سهولة التطبيق والتصحيح واستخلاص النتائج والحيلولة دون إجهاد المعلم والطالب وإرهاقهما.

ـ أن يقيس الإختبار ما وضع بالفعل لقياسه وصدق الإختيار منوط بصدق بنوده فقرة فقرة.

ـ وأن يعطي نفس النتائج في حالة تكراره على نفس العينة من الطلبة وتحت نفس الظروف.

ـ أن يتحلى بالموضوعيّة واستقلال النتائج عن الحكم الذاتي للمقوّم فيفهم الطالب أهداف الإختبار ولا تتأثر العلامة بمن يُصحّح.

9 ـ الصعوبات التي تواجه عمليتي القياس والتقويم

ـ صعوبة تحديد الأهداف بدقة وقابليّة النتائج للقياس ونقص المعلومات الواجب توافرها كأساس للقيام بعملية التقويم.

ـ صعوبة عمل تصميم تجريبي ومنضبط في معظم الدراسات التربويّة بسبب تَعقّد الظاهرة التربويّة وتعدد المتغيرات فيها. وأيضاً تَأثر النتيجة بشخصيّة الذي يُصدر الحكم بالإضافة إلى العائق المتمثل بالنقص في مصادر التمويل.

10 ـ أخطاء القياس

تنتج أخطاء القياس من أننا لا نقيس الخاصيّة المعنية مباشرة. والخطأ هنا يساوي الفرق بين القيمة المقاسة والقيمة الحقيقيّة وقد يكون ثابتاً أو عشوائياً. وترجع أسباب الأخطاء في القياس إلى عدم وضوح بنود الإختبار أو نتيجة لتقلب شخصيّة الفرد الذي نقيسه أو عن خطأ في دقة الملاحظة.

11 ـ مجالات القياس والتقويم

وتشتمل على جوانب متعددة:

أ ـ تقويم الأهداف التربويّة من حيث توثيقها الواضح وشموليتها واتساقها المرتّب والمترابط والقابل للتحقيق.

ب ـ تقويم المنهاج والكتاب والبناء المدرسي والناتج والإشراف التربوي وأيضاً التشريعات التربويّة، والعلاقة بين المدرسة والمجتمع.

وتقويم الطالب والمعلم وأيضاً تقويم عملية التقويم نفسها. بالإضافة إلى تقويم العملية التربويّة من الناحيّة الإقتصاديّة لأنّ رجال الإقتصاد اليوم ينظرون اليوم إلى التربيّة كعمليّة إستثمار(4).

الخاتمة

يُعدُّ القياس ضرورياً لكنه مجرد أَداة ووسيلة تستخدم في عملية التقويم. فيتناول القياس الكم أمّا التقويم فيتناول الكليات والحكم العام، والنوعيّة، وبذلك يكون التقويم أَعمُّ من القياس وأكثر شمولاً منه. فالقياس يعطينا المعلومات اللازمة. أمّا التقويم فهدفه التشخيص والعلاج(5).

وعلاج مشكلات الطفل بطريقة ناجحة لا يقتصر على علاج الطفل بل قد يتطلب علاجاً وتعديلاً في سلوك البالغين لأنفسهم(6). لكي نستطيع إعطاء التلميذ الدافعيّة للتعلم لأن أهميتها أمر لا خلاف عليه(7). والعملية التربويّة بمجملها تهدف إلى تطوير وتعديل البرامج والأهداف بما يتلاءم مع الطلاب على عكس مواءمة الطلاب مع البرامج الدراسيّة(8).

وأخيراً يجب التركيز على الأهداف التدريسيّة لأنّه يعتقد بأن أحد الأسباب الرئيسة للتقصير في تقويم العمل الصغير، هو الإفتقار إلى فكرة صحيحة ودقيقة عن التغيرات التي يجب أن تطرأ على الطلاب بعد الإنتهاء من تعلم وحدة دراسيّة.