التسـكع على أعتاب صعلوك

20/4/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم: علي خميس

الفرسان والصعاليك

ظهر في العصر الجاهلي فئة ممن نسميهم حالياًً بالخارجين على القانون. ولقد كان فريق من هؤلاء من الشعراء المشهورين كتأبط شراً وعروة بن الورد وغيرهما.

ولقد عرف هؤلاء بالفروسية والشجاعة والبأس. ولقد تمَّ التعارف على تسمية قسم من الشعراء من بين هؤلاء بالفرسان، بينما تمت تسمية القسم الآخر بالصعاليك.

إن من المفارقات التي حملت ظلماً في تاريخ النقد العربي أن من مارس الخروج على القانون، من قطع للطرق والإغارة على القوافل التجارية والدينية المتجهة لبيت الله الحرام، دون تمييز، وذلك بهدف تحقيق الثروة لقاطع الطريق ذاته، قد تمت تسميتهم بالفرسان، في حين من مارسوا التمييز في الإغارة، بحيث أنهم لم يمارسوها ضد من عرف بالكرم والمروءة وإنما مارسوها ضد من عُرِفَ بالبخل، ومارسوها ليس من أجل تكوين ثروة شخصية وإنما لإطعام الجياع من الأهل والفقراء فقد تمَّ التعارف عليهم بالصعاليك! ومن بين هؤلاء عروة بن الورد العبسي.

تصنيف الصعاليك والصعلكة عند د. شوقي ضيف

في كتابه تاريخ الأدب العربي ـ العصر الجاهلي الصادر عن دار المعارف بمصر، الطبعة السادسة – 1974. أفرد د. شوقي ضيف 13 صفحة (ص 375 – 387) عن الحديث عن الصعاليك، نقتبس منها ما يلي: الصعاليك تدل على من يتجردون للغارات وقطع الطرق، ويمكن أن نميز منهم ثلاث مجموعات: أـ مجموعة الخلعاء الشذاذ: الذين خلعتهم قبائلهم لكثرة جرائرهم. ب ـ مجموعة من أبناء الحبشيات السود ممن نبذهم آباؤهم ولم يلحقوهم بهم لعار ولادتهم. ج ـ لم يكونوا من (أ) ولا من (ب) ولكنها احترفت الصعلكة احترافاً، وحينئذٍ قد تكون أفراداً مثل عروة بن الورد العبسي، وقد تكون قبيلة برمتها.

وتتردد في اشعارهم جميعاً صيحات الفقر والجوع، كما تموج أنفسهم بثورة عارمة على الأغنياء والأشحاء. ويمتازون بالشجاعة والصبر عند البأس وشدة المراس والمضاء وسرعة العدو وحسن ركوب الخيل والإغارة عليها. وكانوا يغيرون أحياناً فرادى، وأحياناً جماعات.

وكانت أكثر المناطق التي يغيرون عليها مناطق الخصب. وكانوا يرصدون طرق القوافل التجارية وقوافل الحجاج القاصدة إلى مكة.

وهم في أشعارهم يتغنون بمغامراتهم. ونراهم في ذلك يتمدحون بالكرم، كما نرى فيهم كثيراً من البرِّ بالأقارب والأهل. وأيضاً فإننا نحسُّ عندهم غير قليل من الترفع والشعور بالكرامة في الحياة. والآن وبعد قراءة رأي د. شوقي ضيف، أليس من الإنصاف أن تعكس التسمية ليسمى الصعاليك بالفرسان والعكس صحيح؟ لكن مع الأسف ففي التاريخ العربي تسمى الأشياء بشكل معكوس! وإذا كان هذا هو ديدننا فكيف لنا بإدراك النصر وشعوبنا مُضللة؟

عروة بن الورد من وجهة نظر د. شوقي ضيف

عروة بن الورد ثالث صعاليك الجاهلية المشهورين. وكان أبوه من شجعان قبيلته وأشرفهم، ومن ثم كان له دور بارز في حرب داحس والغبراء. أما أمه فكانت من نهد قضاعة، وهي عشيرة وضيعة، لم تعرف بشرف ولا خطر، فآذى ذلك في نفسه، إذ أحسَّ في أعماقه من قبلها بعار لا يُمحى، مما دفعه دفعاً إلى الثورة على الأغنياء، وهي ثورة مُهذبة، إذ لم يتحول إلى سافك دماء، ولا إلى متشرد يجوب مجاهل الصحراء، مُتخذاً من صعلكته باباً من أبواب المروءة والتعاون الاجتماعي بينه وبين فقراء قبيلته وضعفائها. ومن أجل ذلك لقب بعروة الصعاليك لجمعه إياهم وقيامه بأمرهم، إذا أخفقوا في غزواتهم وضاقت بهم الدنيا.

إن عروة بن الورد يعبر عن مثالية خُلقية رفيعة لا تقلُّ جمالاً عن مثالية عنتر.

عروة بن الورد من وجهة نظر المستشرق الألماني كارل بروكلمان (1868-1956):

في كتابه تاريخ الآداب العربية الذي ألفه بالألمانية عام 1898، وترجمه للعربية د. عبد الحليم النجار، تحت اسم تاريخ الأدب العربي، إصدار دار الكتاب الإسلامي (2005)، في ستة مجلدات. وقد جاءت ترجمة عروة في المجلد الأول (ص 109) كما يلي:

عروة بن الورد بن حابس العبسي، كاد يدرك الإسلام، وهو شاعر بدوي قح. رويت له أشعار أكثر مما روي لتأبط شراًً والشنفري، وإن كان دونهما في تصوير حياة الجاهلية. وكان لأبيه مقام بارز محمود في حرب داحس، ومن أجل ذلك مدحه عنترة. وكانت أمه من بني نهد، وهم ليسوا من أشراف القبائل، فغضَّ ذلك من منزلته. وكان بنو عبس يقدرون عنترة حق قدره بطلاً أكثر منه شاعراً، على حين كانوا يرون عروة أشعر الشعراء. اكتفي بهذا من ترجمة كارل بروكلمان لعروة، حيث أن باقي الترجمة تورد أسماء المراجع والروايات العربية والألمانية والفرنسية.

ولو قمنا بمقارنة ما أورده بروكلمان وما أورده د. شوقي ضيف نجد أن بروكلمان لم يشر ولا مرة واحدة إلى أن عروة صعلوك. ولقد أعطاه حقه كشاعر وفضلّه على عنترة على لسان تقويم بني عبس له.

عروة بن الورد وروبين هود:

هناك أوجه شبه بين عروة بن الورد وروبين هود فكلاهما فارس خارج على القانون. وكلاهما كان يقوم بالإغارة وقطع الطُرق ويقسم الغنائم على الجياع والفقراء. ولقد دارت المعارك في غابات شيروود بمقاطعة نوتنجهام شاير.

ظهر اسم روبين هود وعصابته ميري مين المكونة من 140 فارساً من البومين أبناء الطبقة الوسطى،ً لأول مرة في المحاكم البريطانية كخارج على القانون عام 1228. ونظراً لإعجاب الشعب البريطاني بالرجل، وخاصة قدرته الفائقة في رشق السهام، ولقد ألهبت فروسية روبين هود وعصابته، الخيال الفلكلوري البريطاني نظراً لنبل الأهداف التي جعلتهم يخرجون على القانون. فقد كتبت عنه أكثر من 400 رواية أكثرها من نسج الخيال، والكثير من المسرحيات ومن ضمنها مسرحية سيدي فيرونا التي كتبها الأديب الانجليزي وليم شكسبير عام 1439. وكذلك فقد تمَّ إخراج فيلمين هما روبن هود (2010) وروبن هود: السهم الناري.

والشبه كبير بين كل من روبين هود وعروة بن الورد. فكلاهما فارس خرج على القانون، بهدف إنقاذ الجياع من المسغبة، وكلاهما كونَّ له عصابة مُسلحة تسنده. والفرق بينهما أن عروة سبق روبين هود بحوالى 600 عام، فقد جاء عروة في أواخر القرن الخامس بينما أتى روبين هود في القرن الثالث عشر. والفرق الثاني أن عروة كان شاعراً ولم يكن روبين هود كذلك بل إنَّ من يقرأ ديوان عروة يرى أنه رائد المدرسة الواقعية الاجتماعية في الأدب بلا منازع ، بل إنه سبق بروز علم الاجتماع. والفرق الثالث أن عروة لم يلق من العرب غير المهانة فهو في نظرهم مجرد صعلوك لم يكتب عنه إلا القليل المهين، بينما لقي روبين هود كل احترام وتقدير ودخل في عالم الفولكلور وكتبت عنه الروايات والمسرحيات وأخرجت الأفلام. وفي اعتقادي أن الكنيسة كانت ستنعم عليه بلقب سانت أي قديس لو أنه لم يتخذ موقفاً معادياً للكنيسة التي كانت آنذاك في تحالف مع العرش ومع الإقطاع اللذين كانا مسؤولين عن تجويع الشعب. وهذا التكريم الذي لقيه روبين هود هو شأن الشعوب الواعية المتقدمة والمثقفة.

أنا وعروة ابن الورد

لفرط إعجابي بهذا الرجل رأيت أن أخلدهُ وأردَّ له الاعتبار وأهديته هذه القصيدة:

افـْـتَـقَـدْنـاكَ في لـيْــلـةِ الـبارِحـةْ

فـَوَيْـلات خـَوْلـَـة لـَـمَـا تـَزَلْ جـائـَحـَـة

رَأَيـْـتُ الـصـعـاليكَ وأطْـفـالـهـم

وآلـهــةُ الـجـوعِ مـا خِـلْـتـَـها مـازِحـة

فـأقـصـى مـَـا يَـرومونََ خـُبْـزاً

وعـِزرائـيل يـَـتـْـلو سـورةَ الـفـاتِـحـة

لـُـصـوصُ الـخـَـوَرْنـَـقِ مـا غـادَروا

لـِـهــذي الـجـِـيـاعِ سِـوى الـرائِـحـة

وبـاحَـت لـِـيّ سَـلْـمـى بـِأَحْـلامـِهـا

ودَمْـعُ عُُـيونِِ الـهَـوى فـاضِـحـة

بـِـأنـَكَ مُـصْـطـَـحِـبـاً روبـِنُ هـُـودٍ

وَقـَـدْ رُمـْـتـُـما الـْـفـُـرصـَةَ الـسـانـِحـَـة

لِـتـَـقـْـتـَـــنِـصـــــــــان لـُـصـوصَ الـــرغـيـــــــــفِ

وتـَسْـتـَـُـثـْنِـيانِ مِـنَ الـلائِـحـَة