من كلمات أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع)في نهج البلاغة

20/4/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

شرح العلاّمة السيّد محمد صادق السيّد محمد رضا الخرسان(2)

قال(ع): يا كميّل مُرْ أهلّكَ أنْ يَروحوا في كسبِ المكارم، ويُدلِجوا في حاجةِ مَنْ هو نائمٌ، فو الذي وَسِعَ سمعُهُ الأصواتَ ما من أحدٍ أودعَ قلباً سروراً إلا وخَلَقَ اللهُ له من ذلك السرورِ لطفاً، فإذا نزلتْ به نائبةٌ جرى إليها كالماءِ في انحدارهِ حتى يطرُدَها عنه كما تُطْرَدُ غريبةُ الإبل(3).

الدعوة إلى الإهتمام بنيل المكارم، وقضاء الحوائج في جميع الأوقات، لما لهما من الأثر الحميد في كسب الفضائل وتحصيلها، بما ينعكس ايجاباً على شخصيّة الفرد، ليكتسب المجتمع سمعة وثناءً، مما يملأ فراغاً كبيراً؛ حيث يتحلى الفرد بمحاسن الصفات، ويتمرن على تحمّل المسؤوليّة الإجتماعيّة؛ كونه أحد الّذين يتوقع منهم المشاركة في المعاونة على الشدائد، وهو ما يستلزم بذل الجاه والمال والوقت وسواها تذليلاً للمصاعب وتلييناً للمواقف، مع استيعاب ردود الأفعال، وهذا ما يحتاج إلى الحث والتشجيع والدعم المعنوي، ليكثر المساعدون ويقدموا على اكتساب المكارم وقضاء الحوائج، حتى يترسخ ذلك فيهم كحالة متأصلة فيمارسونها، ثُمّ يخلفونها لأولادهم، ويكثر أعوان الحق.

وهذا ما يؤسس للتعاون الإجتماعيّ، والتواسي بين المؤمنين؛ لئلا يشعر البعض بغربته ووحدته، عندما لا تُقضى حاجته، ولا سيما وقد أصبح تقليداً سائداً الإتكال على العلاقات، كما اعتاد البعض التواكل وعدم المبادرة، بل الخمول والتقاعس عن ذلك؛ لعدم معرفته بعظيم الأجر والثواب على ذلك السعي والإهتمام، فذكر(ع)، أنّ الله تعالى يخلق للساعي في قضاء الحوائج خلقاً يعينه في نوائبه وشدائده، وبسرعة فائقة؛ جزاء لما قام به من إدخال السرور، وهذا مما يثير العزيمة في النفوس أو يقويها على التجاوب والتفاعل المستمر، مع ما فيه من تعب وإخفاق ولوم وغير ذلك، كما يؤصل مفهوم أنْ يكون المؤمن في مجتمعه عضواً صالحاً نافعاً، مما يعني وجود مسؤوليّة إجتماعيّة على الأفراد في ما بينهم، ولا بُدّ من النهوض بها، وأداء حقوق الاخوان في الله تعالى.

وإننا نقرأ في الحكمة تأصيلاً إجتماعياً وحثاً على التفاعل النوعي بين أفراد المجتمع الواحد، تحقيقاً للألفة، وترسيخاً لقيم الإنسانيّة، مع مراعاة الضوابط والقوانين كافة، ومن دون تجاوز على أحدٍ فضلاً عن النفس، بل بقدر الممكن يلزم المعاونة على إشاعة أجواء الخير في المواقع كافة ومن خلال المستويات كافة.

الهوامش:

نهج البلاغة، شرح الشيخ محمد عبده، ج4، ص 552 ـ 553، الكلمة رقم 259.

أخلاق الإمام عليّ (ع)، للعلاّمة السيّد محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان، ج2، ص 256 ـ 257. منشورات العتبة العلويّة المُقدسة، الطبعة السادسة، النّجف الأشرف ـ العراق.

يروحوا: يسيروا من الظهيرة إلى الليل.

يدلجوا: يسيروا من أول الليل.

نائبه: المصيبة.

غريبة الإبل: الواحدة من خارج المجموعة، والكلام في سياق الحث على الإهتمام باكتساب المحاسن وقضاء الحوائج في جميع الأوقات؛ حيث يتهيأ للفاعل يوم