طرائق التدريس - ماهية طريقة حل المشكلات ومميزاتها

26/09/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

إعداد الأستاذ منيف موسى الشوّاني

إشراف الدكتور نمر فريحة

الجامعة اللبنانية كلية التربية ـ قسم التاريخ شعبة أ

أولاً ـ المقدمة:

لا توجد طريقة واحدة يمكن وصفها بأنها أحسن طريقة في التدريس، فالطريقة تختلف باختلاف المادة واختلاف المرحلة والعمر والنمو العقلي والبدني واستعداد التلاميذ وميولهم، وعدد تلاميذ الفصل الواحد، وكل طرق التدريس ضروريّة ومفيدة، وقد لا يقتصر الدرس على طريقة واحدة بل قد يحتاج الدرس الواحد إلى إستخدام عدّة طرق.

لا يتعارض استخدام طريقتين أو أكثر في درس واحد، ويبدأ الدرس بطريقة وينتهي بطريقة أخرى، وكل ذلك متروك لفطنة المعلم وحكمته ومعرفته بفن التدريس(1).

وهناك طرائق تربويّة متعددة تقليديّة وحديثة من أهمها: طريقة الالقاء، الطريقة الإستقرائيّة، طريقة التعيينات، طريقة المشروع وطريقة حل المشكلات وهي التي سنستعرضها في هذا البحث.

ثانياً ـ طريقة حل المشكلات:

تعتمد هذه الطريقة على التفكير العلمي ومن خلالها بتدرب التلاميذ على ممارسة هذا النوع من التفكير السليم. والمشكلة كما يعرّفها «ديوي»: «حالة حيرة وشك وتردد تتطلب بحثاً أو عملاً يجري لاستشكاف الحقائق التي تساعد على الوصول إلى الحل».

«ديوي» هو أحد رواد الحركة البراغماتيّة التي تؤكد على قيمة العمل والنشاط في كسب المعرفة وتؤكد أيضاً بأن لا قيمة للمعرفة إذا لم تساعد الفرد على حلِّ مشاكله وعلى النهوض بمجتمعه(2). إلى أن يقول: ولا يبدأ الإنسان بالتفكير إلاّ حين يصطدم بصعوبات ماديّة يكون واجباً عليه التغلب عليها وبالتالي فإنّ الأفكار ليس لها إلاّ قيمة «إدائيّة»(3) ومن أبرز أفكاره المتصلة بطبيعة الكون هو إيمانه بأن العالم ليس ثابتاً جامداً ولا نظاماً مقفولاً، ولكنه عملية ديناميكيّة في التغير والتطور المستمر. والحياة هي عملية مستمرة في التكيف التجريبي للظروف المتغيرة المتجددة(4).

أمّا افكاره المتصلة بالإنسان فإنها تتفق مع المبادئ الديمقراطيّة. فهو يحترم الإنسان إلى أبعد حد ويعتبره غاية في حد ذاته، ويحترم حريته واختلافه عن غيره، وهو لا ينظر إلى الفرد على أنّه عنصر منفصل عن المجتمع(5).

ويعتبر أن مشكلة ثقافتنا المعاصرة أن يحلَّ التكامل محلَّ الإنقسام بين الأمور الإنسانيّة ومجال الأمور الطبيعيّة. وكما يؤمن «ديوي» بوحدة الطبيعة الإنسانيّة فإنّه يؤمن ايضاً «بالإتصال الكامل والتوقف أو الإعتماد المتبادل بين الفرد والمجتمع وبين الإنسان والطبيعة، لذلك لا يرى فاصلاً» بين العلوم الإنسانيّة والعلوم الطبيعيّة كالعلاقة بين علم التاريخ وعلم الجغرافيا(6).

ومبدأ الإستمرار ووظيفته المعرفة المكتسبة للفرد هي أن تساعده على توجيه خبراته اللاحقة بحرية، وتزوده بالأسس المختلفة التي تساعده على التغلب على مشاكل المستقبل. فلا قيمة لأية معرفة لا يمكن استعمالها وتطبيقها في الحياة الحاضرة والمستقبليّة. والتفكير المنطقي يسير في نظر «ديوي» في خطوات خمس:

الأولى: أن يشعر الفرد بصعوبة أو بمشكلة أو بحاجة.

الثانيّة: أن يأخذ العقل في دراسة الموقف.

الثالثة: أن يستعرض الحلول الممكنة.

الرابعة: اختبار الحلول. الخامسة: قبول أو رفض الحلول المقترحة(7).

والتعليم يجب أن يكون مؤاتياً من حيث الرّضى من طرف المتعلم ومن حيث المطابقة مع مسيرة النمو البيولوجي والنماء السيكولوجي والإجتماعيّ فإن الفوز حاصل، فيندرج التعلم في مساق التربيّة، احسن اندراج، وهكذا يكون التعلم عاملاً «مميزاً» في التربيّة وإلاّ كان نقصاً لها أو إعاقة أو خرقاً عن المسار(8). وإننا لا نتعلم كل شيء نمارسه، فنحن نتعلم فقط الشيء الذي ننجح في أدائه(9). لذلك تعتبر طريقة حل المشكلات إحدى الطرائق الخبريّة في التعلم.

ثالثاً ـ مراحل حل المشكلات:

وهي تتبع المراحل التي يتبعها العقل لحل المشكلة.

1ـ الشعور بالمشكلة:

لا يمكن أن يبدأ العقل في خطوات حل المشكلة إلاّ إذا وجدت المشكلة وأحسَّ بها المتعلم(10). ويجب التمييز بين المشاكل الصحيحة والمشاكل المزيفة، فيجب أن تخصَّ المشكلة الطالب نفسه لا أن تكون مشكلة كتاب أو معلم تحولت إلى مشكلة للطالب لأنّه لا يستطيع أن ينال الدرجات المطلوبة، أو ينتقل من فرقة إلى فرقة أم يكسب رضا المعلم ما لم يقم بحلها(11).

ووجود مشكلة أو مشكلات تتبع من ميول التلاميذ ويحسون بها مباشرة أو بعد إثارتها وإشعارهم بها(12). كماهية حوض النهر الذي يمرُّ بالقرب من قريتهم أو مشكلة التلوث الناتج عن معمل كهرباء حرارية أو مصنع، وما ضرورة إنتاج السلع الصناعيّة، أو مشاكل الزراعة والمزارعين في مناطقهم.

والإنطلاق من سؤال لتفريع الأسئلة بما يتوافق مع مضمون منهج معين بشكل لا تبتعد منه الخطة الموضوعة عن برامجهم الدراسيّة وإن لم تتوافق معها كلياً.

والتربيّة التقليديّة وقعت في خطأ الظن بأن مواجهة التلميذ لمشكلات تنطوي على صعوبة بالغة مما يشحذ التفكير ويستثيره، فالنمو النفسي يتحقق عند الكائن البشري من خلال الصراعات والأزمات التي تعترض مجرى حياته. وفي كل مرة يخرج الشخص من الأزمة منتصراً، فإنّه يحقق النمو والقوة في ذاته، أمّا إذا تعرضت دفاعاته النفسيّة للفشل المستمر، فإنّه يغامر في أن يخسر نفسه وهويته الواضحة(13). ولكن لا يعني ذلك أن يقتصر الطالب على ما لديه في خبرته الحاضرة أو الماضيّة في وقائع وحقائق لحلِّ ما يواجهه من مشكلات، فليس هناك ما يمنع من أن ينتفع بخبرات غيره شرط إلاّ يتعود التلميذ الإعتماد على غيره وعلى الكتب فيما يستمده من وقائع وحقائق ويضعف قدرته على التفكير والإستدلال(14).

فالبحث العلمي يتخطى المكان ليبحث الوقائع القريبة والبعيدة ويتخطى أيضاً الزمان الحاضر لنتنبأ بما يحتمل من نتائج.

2ـ تحديد المشكلة:

عن طريق حصرها لأن المشكلة قد تكون متعددة الجوانب، فإذا تناولها المتعلم من جميع الجوانب دفعة واحدة فإنّ ذلك قد يؤدي إلى اللبس والتشعب. ومن هنا كانت المشكلة وحصرها حتى تبرز وتتضح معالمها أمراً ضرورياً وهاماً(15). فوجود غرض واضح محدد في أذهان التلاميذ، يدفعهم برغبة شديدة إلى حل تلك المشكلات(16).

ويجب حصر الخبرات التي قد تكون من التفكك فيما بينها بدرجة تجعلها غير متكاملة، مما يؤدي إلى تبذير طاقة الفرد وتشتيت فكره. وكثير من الطلاب اكتشفوا الهوة الكبيرة التي تفصل بين ما تعلموه داخل المدرسة ومواقف الحياة التي يخبرونها(17).

فهدف التربيّة هو الإعداد للحياة بجميع وجوهها فلا معنى لها إذا لم تستمد مدارها الرئيسي في الطبيعة ومن المجتمع وما ينبثق عنهما من مشاكل وحاجات مدركة أو غير مدركة فتعالجها وتجد لها الحلول الملائمة التي تعود على المجتمع بالفائدة والنفع. فالمهم إعادة النظر في المشكلات الدراسيّة في ضوء المفاهيم التربويّة الحديثة لتتأقلم مع الطلاب وليس محاولة تكييف الطلاب مع البرامج الدراسيّة(18).

وساطع الحصري، الذي اضاف علم النفس وعلم التربيّة إلى المناهج وانشأ مدرسة نموذجيّة ضمن مؤسسة دار المعلمين في اسطنبول عندما كان مديراً عليها(19)، أطلق صرخة التجديد في كتاب التاريخ والإجتماع:«إنّ سير الحضارة العالميّة، اصبح سيراً سريعاً للغاية وإننا نعيش الآن في عصر أصبح فيه التدفق لا يؤدي إلى التأخر فحسب بل يعرّض الواقفين إلى الإضمحلال أيضاً،

فيجب علينا التجديد في كل شيء...، والتجديد في كل مكان، في البيت، المدرسة وفي القرية والمدينة(20).

وتحديد المشكلة يتطلب من المتعلم دراسة الموقف وعناصره، وإدراك العلاقة بين مظاهره، ويتطلب التفكير السليم، الملاحظة والتذكر لمعلومات سابقة والقراءة والإطلاع وتبادل الأفكار.

والتربيّة في نهاية الأمر مسعى للتأثير في الناشئة وتغيير سلوكها نحو غايات مستحبة، لذلك من الضروري أن يأتي تعيين الأهداف سابقاً للنشاط التعليمي وللتحقيق في صحة الفرضيات والأهداف يجب أن تكون في درجة وسطى بين التعميم الفضفاض والتخصيص الضيق فلا تكون خاصة بحيث يكثر تعدادها فيصعب التصرف بها، وعامة بحيث تبقى غامضة ولا ترشد إلى خطة علميّة ملموسة. فيتسم التقويم في طريق حل المشكلات بالصدق والثبات والموضوعيّة فهو جزء لا يتجزأ من الموقف التعليمي(21).

وللمعلم دوره في تحديد المشكلة وتوضيحها عن طريق مساعدة تلاميذه

في هذا التحديد لكن المهم أن يجمع الطالب العناصر بنفسه، وأن يكون لديه إلمام لبحث الموضوع، وسلسلة الموضوعات المرتبطة به.

3ـ افتراض الحلول المحتملة:

ويتم في هذه المرحلة استعراض الحلول المختلفة الفرضيات التي قد تؤدي إلى الحل، وذلك في ضوء ما يتجمع من معلومات وعناصر هي بمثابة استدلالات مبدئيّة تختبر صحتها بعد ذلك للتأكد من ملاءمتها، وقدرتها على

الحل الكامل للمشكلة، وهي التي تساعد التلميذ على إيقاظ قواه واستعداداته العقليّة وتعوّده على الإستقلال والإعتماد على النفس والتفكير المنطقي وحب التعاون. وتشجعه على الأصالة والخلق والإبداع وتدفعه إلى الحركة والنشاط الهادف(22). بيد أنّ هذا لا ينبغي أن يفهم على أن التفكير لا يبنى إلاّ على الدوافع الشخصيّة فقط وإلاّ خرجنا عن الروح العلمي السليم، بل إن ما نبغيه من ترقٍ لشخصياتنا لا يكون إلاّ بقدر ما نبذله من جهد لجعل تفكيرنا يشمل ما يجاوز مصالحنا، فترتقي بذلك عواطفنا الإجتماعيّة، وهنا يبرز الدور الخطير الذي ينبغي على التربيّة أن تقوم به وهو تنمية هذه العواطف حتى تساعد الفرد على تنمية قدرته على التحرر ـ إلى حد كبير ـ من عواطفه الشخصيّة كلما واجه موقفاً يستدعي منه التفكير(23).

ودور المعلم هنا هو الإرشاد والتوجيه، فالمعلم الناجح يمكِّن تلاميذه من تحقيق التقدم وبلوغ الأهداف من خلال المساعدة في اختبار المشكلات والبحث عن حلول لها واقتراح الحلول البديلة ومشاركتهم في التفكير فيها

واختيار أنسبها للتفسير وبلوغ الحل(24). فيغدو التلميذ على بينة أفضل من المشكلة، فيحدد الإحتمالات المختلفة التي قد توّصل إلى حلها (فرض الفروض) ثم يحاول وزن كل احتمال بالتجربة أو سؤال الخبراء أو الرجوع إلى المصادر ليجمع الأدلة والأسانيد، ويخرج من هذا كله بقبول احتمال ورفض آخر على اعتبار أن ذلك يوصل إلى حل المشكلة(25).

4ـ تحقيق الفروض:

ويعني بذلك اختبار صحة هذه
الفروض التي تمّ التوصل إليها لأنّ الفروض لا تتحول إلى حقائق إلاّ في ضوء التجريب حيث يتم اختبار صحتها كحلول ممكنة وقد نقبل أكثر من فرض، لذلك يجب أن نجرب هذه الفروض فرضاً حتى نصل إلى الحل الصحيح. وقد يكون هذا التجريب بالمناقشة(26).

إنّ الأفكار تظل ناقصة ما دامت أفكاراً ومن هنا فهي مؤقتة ومن قبيل الإقتراحات، والتطبيق وحده هو محل اختبارها، وهو الذي يلبسها لباس الحقيقة ويكسبها كمال المعنى. ومن ثُمّ كان من الضروري أن تعني الحياة المدرسيّة بكثير مما يمكن أن يكون فرصاً لتجريب الأفكار والمعلومات واختبار صحتها. فتخلق العقليّة المتحررة من التعصب والإنحياز ولا توصد عقول التلاميذ دون ما يستجد من مشكلات وآراء. والعقليّة المتحررة هي التي تكون لديها الرغبة الحقيقيّة في الإستماع إلى وجهات النظر والإلتفاف إلى جمع الحقائق مهما كان مصدرها، وحساب جميع الإحتمالات والإعتراف بجواز الوقوع في الخطأ وكل ذلك دونما تحيّز إلى جانب أو حقيقة أو احتمال على حساب آخر.

إنّ ذلك يمنح تفكيرنا حياة وحركة وقدرة على القيام بأي مجهود عقلي يتطلبه ما قد يبرز أمامنا من مشكلات، ومثل هذا الأمر ليس سهلاً هيناً فكثيرون منا قد تدفعهم المخاوف اللاشعوريّة إلى أن يتخذوا موقفاً دفاعياً من كل جديد(27).

5ـ تقويم صحة هذه الفروض:

يراعى في التقويم أن يترك أثراً في نفس التلميذ، وروحاً معنوية عالية عنده،

فلا يخلق الضيق في نفسه. ولا يكون سبباً في يأسه نتيجة تأخره عن رفاقه في جمع المعلومات.