ولدي لا يكفي أن أحبك

26/09/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

أسئلة طالما راودتنا، وشغلت بالنا كمربين وآباء وأمهات، ودفعتنا إلى البحث في نظريات علم النفس التربوي للأطفال، وفي تجارب المربين الّذين يمثلون الثقافة التربويّة في مختلف الأصقاع والأزمنة، علنا نجد ما يساعدنا في بناء المنحى التربويّ السليم في العلاقة مع أبنائنا.

وخلاصة ما توصلنا إليه أن كلمة الحب لأبنائنا مع ما يرافقها من توفير لاحتياجاتهم المادية لا تكفي لتحقيق ما نصبو إليه، ولكن علينا أن نصل إلى عقولهم وقلوبهم ونقترب من مشاعرهم فهماً ومشاركة.

فالإستخفاف بمشاعر أطفالنا وتجاهلها من أصعب الأمور التي تواجههم، وتشعرهم بالإحباط والثورة، وتدفعهم إلى عدم التجاوب معنا، فهم يريدون منّا أن نفهم شعورهم عندما يكونون في حال الحزن والغيرة أو الغضب والخوف، فنشاركهم في حالهم النفسيّة.

فعلينا كمربين أن نجعل أبناءنا يعبرون عن مشاعرهم، ولا نقابلهم بالكلام والتأنيب والعقاب. وذلك لكي نمتص غضبهم ونهدئ من توترهم.

وامتصاص الغضب يقوم على ثلاثة أسس رئيسة:

أ. الإصغاء إلى ما يقولون بإهتمام.

ب. محاولة تشكيل ما يريدون أن يعبروا عنه في أذهاننا.

ج. إعادة مشاعرهم أمامهم بتعبيرنا الخاص.

عندئذ سيدركون أننا فهمنا مشاعرهم لأنّهم سيسمعونها مرة أخرى صاردة منّا، وسيساعدهم ذلك على إستعادة هدوئهم النفسي ونظرتهم الموضوعيّة لما أثار ضيقهم. فإن اشتكى طفل من أطفالنا من تصرف أزعجه لا نبدأ بلومه أو تأنيبه ونستفيض بإعطاء النصائح والتوجيهات، بل علينا أن نشعره أننا نفهمه ونقدّر ما يشعر به، ليتخلص من شحنة الغضب التي يحملها ويعود إلى وضعه الطبيعي، وتأتي مرحلة النصح والإرشاد في ما بعد بطريقة غير مباشرة.

كيف نحاور أبناءنا؟

كما نحس بالغضب ونتضايق عندما نشعر أنّ أبناءنا يقاومون أي فرصة للحوار معهم، لأنّهم يعتقدون أننا نتكلّم كثيراً ونتمسك بأمور لا تتناسب مع عصرهم وتطلعاتهم، لذلك نجدهم يلجأون إلى الإجابات السلبيّة القصيرة حتى لا نجد أي ثغرة ندخل من خلالها للومهم أو نصحهم. ولو تعمّقنا في علاقتنا التقليديّة مع أبنائنا، سنجد أننا وأبناءنا نسير في إتجاهين مختلفين، فنحن نريد الإصرار على الإنتقاد وإصدار الأوامر والأبناء يصرون على الإنكار.

هناك طرق حديثة عدّة يقوم عليها الحوار مع الأبناء منها:

أ. احترام الطفل لوالديه.

ب. فهم الآباء للأبناءِ واحترام شخصياتهم، والإبتعاد قدر الإمكان عن اللوم والإنتقاد وإصدار الأوامر.

ج. التعاطف مع الأبناء وفهم مشاعرهم.

لنجعل إنتقاداتنا وسيلة لتطوير شخصيات أطفالنا.

لقد أصبح الإنتقاد رفيقنا وشريك دربنا في علاقتنا مع أبنائنا، ولا نستطيع التخلص من ذلك بسهولة.

إلا مَ نهدف عندما ننقد سلوك أطفالنا؟

طبعاً سيكون الجواب بكل بساطة إلى مساعدتهم على تطوّر شخصياتهم وتنمية قدراتهم الذاتيّة لمواجهة المواقف التي يتعرضون لها في كل يوم. ولكن هل أسلوب الإنتقاد المعتمد هو السليم والصحيح؟ طبعاً لا.

لأنّ ما نعرفه هو الإنتقاد السلبي الذي يركز على الأخطاء وكيفيّة التخلص منها من دون ذكر الجوانب الإيجابيّة في شخصيّة الطفل ما يشعره بالفشل والإحباط ويفقده الثقة بنفسه وقدراته، كما يدعم السلوك السلبي لديه، فنحن نعلم أن الأطفال يأخذون إنتقاد آبائهم لهم بطريقة شخصيّة، فهم يشعرون بأنهم مهاجمون من قبل أشخاص يريدون إعجابهم لا هجومهم.

طبعاً ستسألون، كيف يمكن أن يكون الإنتقاد بناءً وإيجابياً؟

أنتم تعلمون أن الإنتقاد معناه أن نحكم ونقوّم ونلوم ونأمر بالنهي عن تكرار سلوك سيئ.

ولكن هل نستطيع أن نبني بالإنتقاد السلبي الذي نمارسه أحياناً روح المسؤوليّة والمثابرة لدى أبنائنا؟ كلا.. لا نستطيع ذلك.

ولكن بالإنتقاد الإيجابي البناء الذي يساعد على تطوير الشخصيّة،.. فنعم.

فنحن عندما نعلق على ما يبذله ولدنا من مجهود وهو يدرس أو يحضر لنشاط معين، بأن نقول له إن ما تقوم به أمر سهل. فإننا نحبط عزيمته ونقلل ثقته بنفسه، لذلك علينا خلال الإنتقاد الإيجابي أن نقول العكس لكي نحرك فيه روح المثابرة والثقة بالنفس.

كأن نقول له: إنّ ما تقوم به ليس سهلاً، أليس كذلك؟

لكننا نراهن على أنك قادر على القيام به، هنا قد شاركناه الشعور وغرزنا في نفسه الثقة على أنّه قادر على إكمال العمل الذي يقوم به، وحركنا بذلك الدافع الذاتي لديه لكي يثابر ويطور عمله بنفسه. فالإنتقاد يكون إيجابياً عندما نوجه لطفلنا الذي أخطأ حديثاً إلى ما يجب القيام لكي يتفادى الخطأ الذي ارتكبه.

ويكون سلبياً عندما ينصب إنتقادنا على شخصيته فنقوم بتحقيرها ووصفها بصفات قبيحة، تجعله مقهوراً وراغباً في الإنتقام لما سببناه له من ألم في نفسه فيتدهور سلوكه.

فلنحاول قدر الإمكان ضبط أعصابنا، ولنحاول التركيز على كيفيّة إستخدام الإنتقاد الإيجابي في التعامل مع أبنائنا، لكي نتمكن من بناء علاقتنا بهم على أساس التفاهم والإحترام، فنحقق هدفنا وهو تطوير سلوكهم وبناء شخصياتهم.

ولا بُدّ من الإشارة إلى أن الإنتقاد البناء يساعد على تغيير السلوك واكتساب العادات الجديدة التي تكون صعبة في البداية على الكبار والصغار، ولكي تصبح سهلة إذا تواجدت الرغبة لدى الأبناء ومعها الصبر والتفهّم والتعاون من قبل الأهل. ويرفق ذلك طبعاً بالعبارات التشجيعيّة الملائمة وجلسات التواصل والحوار البناء المدعّمة بالقصص التربويّة الهادفة والمواقف التي ترشد وتوجه.

كل ذلك يساهم في مدّ الجسور بيننا وبين أبنائنا، ويساعدنا على فهم شخصياتهم واكتشاف مميزاتهم لمساعدتهم على تطويرها بأنفسهم.

وأخيراً: إنّ أبناءنا يمتصون إنتقادنا كما تمتصّ الإسفنجة الماء، لأنّهم يرون أنفسهم من خلال عيوننا.

بقلم المربية الحاجة نمرة حيدر أحمد(1)

كيف نصل إلى عقول أطفالنا وقلوبهم، لنحصل على تجاوبهم ونرصد تطور شخصياتهم؟

كيف ندع أطفالنا يتولون تنمية قدراتهم، مع الحيطة المحكمة ضد هدر الطاقات أو الإبتعاد عن جادة الصواب؟

كيف نكبح جماح غضبنا ونتعامل تربوياً مع أطفالنا عند الشطط؟

الهوامش:

هي إبنة بلدة كفرسالا ـ عمشيت، أكملت دراستها الثانوية في ثانوية جبيل الرسميّة، ونالت إجازة الآداب من الجامعة اللبنانيّة، دخلت عالم التربيّة والتعليم منذ عشرين سنة، في مدارس المبرّات الخيريّة، تُعرف بالحاجة «أم مصطفى» نمرة حسين حيدر أحمد، شاركت في تأليف كتب التربيّة التكامليّة، لها عدّة مشاركات في التأليف الحر. وهي قرينة المُرَّبي الكبير الأستاذ الحاج زهير الحيدري.