هي وقفة العزّ
للأديب الشاعر الدكتور عاطف جميل عوّاد
أتَرَكْتِ بَعْدَكِ للْفِداءِ سَبِيلا |
يا كَرْبلاءُ، ألا قَصَصْتِ فُصُولا؟ |
أَعْلَنْتُ حُبَّكِ مَذْهَبِي وَقَضِيَّتِي |
فَأَصَبْتُ مِنْ نِعَمِ الفَخَارِ جَـزيلا |
تاريخُكِ المَوْجُوعُ يَنْبِضُ في دَمي |
سَفَراً حُسَيْنِيَّاً يَدُومُ طَوِيلا |
وَحَديثُكِ المَفْجُوعُ يَهْدُرُ في فَمي |
غَضَبَاً ضَمِيرِيَّا يَحِلُّ ثَقِيلا |
فَعَلى كَوَاكِبِكِ التي رَوَتِ العُلى |
بِدَمِ الشَّهادَةِ، لا تَوَدُّ أُفُولا |
أَزْكَى السَّلامِ ، وَرَحْمَةُ البارِي التي |
سَرَّتْ بِنَقْلِ نَجِيِّهَاً جِبْـريلا |
هِيَ وقْفَةُ العِزِّ التي شَهِدَتْ لَها |
أُمَمٌ وَقدَّمَتِ الفِداءَ دَليلا |
في أُفْقِها صُوَرُ البُطُولةِ تَرْتَقي |
بِدَمِ الحُسَينِ فَضيلَةً وَأُصُولا |
وَيُرَدِّدُ التَّاريخُ في أفْيائِها |
صَوتاً يَذِلُّ لَهٌ الطُّغاةُ ذُهُولا |
فَانْزِلْ بِسَاحِ الطَّفِّ والْثِمْ مَوْضِعاً |
بِدماءِ سِبْطِ المُصْطفى مَجْبُولا |
واسْمَعْ صَدى صَوْتِ الحُسَينِ مُردِّداً |
بَيْنَ المَنايا يـائِساً مَخْذُولا |
يا عُصْبَةَ الشُّذَّاذِ هَلْ مِنْ نَاصِرٍ |
فَيَذُبَّ عَنْ حُرَمٍ تَهُمُّ رَسُولا؟ |
لَمْ أَنْتَفِضْ أَشِراً لأُلْقِحَ فِتْنَةً |
قَرَعَتْ لَها كَفُّ اليَزيدِ طُبُولا |
لكِنْ أتَيْتُ بِقَوْمِ جَدِّي مُصْلِحاً |
وَنَذَرْتُ نَفْسِي رَاعِياً مَسْؤولا |
سَيَّانَ عِنْدي إنْ وَقَعْتُ على الرَّدى |
أو شَاءَنِي القَدَرُ المُتَاحُ قَتِيلا |
هَيْهَاتِ مِنَّا الذُّلُّ أهْلَ البَيْتِ أنْ |
نَرْضى على حُكْمِ الدَّعِيِّ نُزُولا |
لِلَّهِ دَرُّكَ يا ابْنَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ |
حَيْنَ انْدَفَعْتَ إلى العِراقِ رَحِيلا |
يَحْدُو بِكَ الأمَلُ الخَطِيرُ لِوَثْبَةٍ |
تُزْرِي بِكَيْدِ الظَّالِمِيْنَ ذَلِيلا |
حُلِّئْتَ عَنْ مَاءِ الفُراتِ وَلَوْ لَهُ |
ظَهَرَ العَطاشَى ما استَطَابَ مَسِيلا |
تَمْضِي بِأصْحابٍ كِرامٍ خُلَّصٍ |
نَبَذُوا الحَرامَ وآثَرُوا التَّحْلِيلا |
هُمْ نُخْبَةٌ غُرُّ الوُجُوهِ تَساقَطُوا |
حَوْلَ الحُسَيْنِ بَراعِماً وكُهُولا |
جَفَّتْ على لَهَبِ الهَجِيرِ حُلُوقُهُمْ |
فَرَوَوا بِشَلاَّلِ النَجِيْعِ غَلِيلا |
شَهِدُوا الحُسَينَ وقَدْ مضى بِرَضِيعِهِ |
يَبْغِي مِنَ المَاءِ الزُّلالِ قَليلا |
فَرَماهُ حَرْمَلَةٌ بِسَهْمٍ حَزَّهُ |
وقَضى كَأكمامِ الوُرُودِ ذُبُولا |
وتَمَلْمَلَ السِّبْطُ الحَزينُ مُلَمْلِمَاً |
دَمَهُ الزَّكِيَّ الطَّاهِرَ المَطْلُولا |
وَرَمى بِهِ نَحْوَ السَّما فَتَلأْلأتْ |
قَطَراتُهُ شَفَقَاً يَمُدُّ أصِيلا |
وَأَكَبَّ يَغْمُرُ بالدُّعاءِ جِرَاحَهُ |
والدَّمْعُ يُلْبِسُ رَأْسَهُ إكلِيلا |
وإلى الآلهِ أنابَ وَجْهاً هاتِفاً |
صَبْراً على حُكْمِ القَضَاءِ جَمِيلا |
رَبِّي بِعَيْنِكَ ما جَرى، هُوَ هَيِّنٌ |
إنْ كُنْتَ تَرْضى أنْ تُمِيْتَ فَصِيلا |
أَيْنَ العَهُودُ بَلِ الرَّسائلُ والأُلى |
وَدُّوا قُدُومَكَ يا حُسينُ عَجُولا؟ |
نَافُوا على السَّبْعِينَ ألْفاً وانْتَهَوا |
صَحْباً ثَمانينَ اصْطَفَوكَ كَفِيلا |
لَعَقُوا قِصاعَ يَزيدَ وانقادُوا لَهُ |
يَسْتَنْهِضُونَ هَوى القرُونِ الأُولى |
وتَمَلَّقُوهُ خَليفَةً حَينَ ارتَمى |
ثَمِلاً يَجُرُّ مِنَ الزُّهُوِّ ذُيُولا |
وأَتَى الحُسَينُ بِصَفْوَةٍ مِنْ صَحْبِهِ |
قَرَأُوا الكِتابَ وَأَتْقَنُوا التَّرْتِيلا |