أمير المؤمنين الإمام عليِّ بن أبي طالب (ع) في نهج البلاغة

08/01/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

قال، لإِبْنِهِ الْحَسَنِ:

يَا بُنَيَّ احْفَظْ عَنَِي أَرْبَعاً وَأَرْبَعاً لاَ يَضُرُّكَ مَا عَمِلْتَ مَعَهُنَّ: أَغْنَى الْغِنَى الْعَقْلُ. وَأَكْبَرُ الْفَقْرِ الْحُمْقُ. وَأَوْحَشُ الْوَحْشَةِ الْعُجْبُ. وَأَكْرَمُ الْحَسَبِ حُسْنُ الْخُلْقِ. يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الأَحْمَقِ فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْفعَكَ فَيَضُرَّكَ. وَإِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْبَخِيلِ فَإِنَّهُ يَبْعُدُ عَنْكَ أَحْوَجَ مَا تَكُونَ إِلَيْهِ. وَإِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْفَاجِرِ فَإِنَّهُ يَبِيعُكَ بِالتَّافِهِ. وإيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْكَذَّابِ فَإِنَّهُ كَالسَّرَابِ يُقَرِّبُ عَلَيْكَ الْبَعِيدَ وَيُبْعِدُ عَلَيْكَ القَرِيب.

(الكلمة رقم:38، نهج البلاغة، ج4، ص:514).

فأمير المؤمنين (ع)، يرشد بهذه الكلمات ولده الحسن(ع)، إلى منابع القوَّة والعزَّة في حياة الفرد والجماعة طالباً منه ومن كل مؤمن الأخذ بها. كما يرشده أيضاً إلى منابع الفساد والضياع في حياة الفرد والجماعة طالباً منه ومن كل مؤمن الإبتعاد عنها لأنّ بها خسارة الدُّنيا والآخرة.

أ ـ فسلوك طريق الفكر والتفكر، وتعقل الأمور والقضايا قبل الجزم بها هو طريق الغنى والسعادة. والإبتعاد عن هذا الطريق وسلوك طريق الوهم والخيال، والعجلة قبل تعقل الأمور، وعدم الإتعاظ بتجارب النّاس هو الحماقة والفقر.

وخير مثال على هذا لاعب القمار، إذ أنَّ ربحه على طاولة القمار أَكلٌ للمال بالباطل وبالتالي هو سحت وحرام، وخسارته على طاولة القمار تضييع للمال وَسفاهةٌ وحماقة.

ب ـ وإعجاب المرء بنفسه وبرأيه وعدم إستماعه لرأي الآخرين هو كالذي يَمنعُ عن نفسه ضَوء الشمسِ، وإستنشاق الأوكسجين ويؤدي به هذا الطريق إلى الوحشة والموت تماماً كما تفعل دودة الحرير بمنعها عن نفسها النور والهواء.

ج ـ والّذي يُزّينُ الإنسان الذي ينتمي بحسبه ونسبه إلى البيتوتات الطاهرة هو حُسن خُلقه مع النّاس، ورحمته لهم، وتعاطفه معهم، إذ أنَّ الكثير من ذوي الحسب والشرف قد أصابهم سوء الخلق فتنكر لهم النّاس، وأعرضوا عنهم.

د ـ  وأمّا مصادقة الأحمق، أو البخيل، أو الفاجر، أو الكذََّاب فهو الخسران المُبين لأنّه كما وصفهم أمير المؤمنين (ع)، بكلماته الآنفة الذكر:

إذ أنّ الأحمق يريد أن يَنفعكَ فَيَضُرّكَ لأنّه لا يملك العلم والدراية والتعقل.

والبخيل، قد إتخذ من المال وتوفيره فلسفةً له في الحياة فلا معنى عنده للمساعدة والرحمة وللبذل والعطاء حتى لأقرب النّاس إليه، فقلبه كالحجر، وعقله كعقل الطفل الذي يعيش عُقدةَ الأنا.

والفاجر، قد إتخذ من شهواته معبوداً له وذلك مصداقاً لقوله تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ

سورة الجاثيّة، آية:23.

والكذاب، هو عدو للحقِّ وللحقيقة في جميع أقواله وأفعاله وتصرفاته فهو بمنزلة السّراب يُقرِّبُ عليك البعيد ويبعد عليك القريب.

وبعد، إنَّ الإبتعاد عن صداقة هؤلاءِ الأربعة الآنفي الذكر وعزلهم عن المجتمع، هو الخير كُلَّ الخير، ومصادقة هؤلاءِ الأربعة وصحبتهم وإحترامهم هو دمار وهلاك للمجتمع والأُمّة وفساد كبير في الأرض.

(هيئة التحرير)