مأساة الإنسان اللبناني

25/02/2014
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم: الحاج عبد الوهاب شقير

وتابع صديقي ستيفن بولوز Stephen Poloz حديثه معي حول لبنان والمواطن اللبنانيّ، قائلاً: لو رجعنا إلى تاريخ لبنان ما قبل المسيح(ع)، لوجدنا النبوغ والتفوق. فمن مدينتي جبيل وصور إنطلق الفينيقيون إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط البعيدة يعلّمون النّاس الأحرف الأبجديّة ويبنون المدن والحضارات في هذه المنطقة من العالم، وخير دليل على ذلك امبراطوريّة قرطاج التي سيطرت على منطقة البحر الأبيض المتوسط ولم يقف في وجهها إلا روما.

وكذلك لو رجعنا لنبوغ وتفوق اللبنانيّ في القرون الوسطى بعد السيّد المسيح(ع)، لوجدنا أنّ المسلمين قد اعتمدوا على أهالي طرابلس في بناء اسطولهم الحربي وفي غلبتهم على اسطول البيزنطيين وفي إفتتاحهم لجزيرة قبرص أيام عثمان بن عفّان. وقد شارك في فتح هذه الجزيرة الصحابيّ أبي ذر الغفاريّ. وفي القرنين العاشر والحادي عشر كانت طرابلس أيام أمرائها من بني عمّار أجمل وأعظم مدينة من مدن البحر الأبيض المتوسط.

وقد تعلّم الأوروبيون من طرابلس وأهلها آنذاك، زراعة قصب السكر وصناعة السكر وصناعة الورق والصابون وصناعة الزجاج وصناعة المربيّات من الفواكه وتجفيفها وإستخراج المياه والطيب من الزهور والورود والرياحين وغيرها من صناعات.

وختم حديثه قائلاً: إنّ تاريخ لبنان يا صديقي شيءٌ وحاضره شيءٌ آخر فلماذا هذا التناقض؟

وكان جوابي: إنّ إبداع اللبنانيّ وتفوقه لم يمضِ عليه التاريخ ويصبح خبراً من الأخبار وأثراً من الأثار. وإنما هو أمر واقع وموجود في جامعاتنا اللبنانيّة بين أساتذتها وطلابها حتى أضحت هذه الجامعات قِبلة الطلاب العرب في القرن العشرين وفي أيامنا هذه. كذلك تجد إبداع اللبنانيين في بلاد الإغتراب في الدول الأوروبيّة أو في القارة الأمريكيّة أو في دول غرب أفريقيا أو في اوستراليا أو في دول الخليج العربيّ وغيرها من بلاد الله الواسعة.

أجاب عندها صديقي مُتسائلاً: إذاً فلماذا هذا التناقض؟. ولماذا هذا الفشل؟.

أجبت والألم يعتصر قلبي ودمعة صغيرة تجري من عينيّ: إنَّ إبداع اللبنانيين وتفوقهم كان في عصر المماليك والعصر العثمانيّ أيضاً فوق الأرض اللبنانيّة كنبوغ الشهيد الأوّل محمد بن مكي الجزينيّ العامليّ والشهيد الثاني زين الدين الجبعيّ العامليّ وغيرهما كثير. وفوق الأرض العراقيّة والإيرانيّة كالمحقق الكركي وفيلسوف الشرق الشيخ البهائي وغيرهما كثير. وفوق الأرض المصريّة في أواخر العصر العثماني كتوفيق بركات مؤسس جريدة «الإهرام» وجورج أبيض مؤسس المسرح في مصر والأديب اللبنانيّ الكبير الشيخ محمد علي الحومانيّ ومي زيادة وغيرهم.

إنَّ السبب وراء ذلك كله هو الكيان الصهيونيّ في فلسطين المحتلة. الذي يرى في لبنان وشعبه ووحدته الوطنيّة العدو الأوّل له ولأطروحته العنصريّة.. وقد لاحقت اسرائيل المغتربين اللبنانيين في دول وسط افريقيا وغرب افريقيا وأوجدت لهم المصائب والنكبات، لأنّهم المنافس الأوّل لهم في سوق الألماس في العالم وفي بعض الأسواق الأخرى.

وختمت حديثي قائلاً: إنَّ جميع ما تعرفه يا صديقي من مآسي اللبنانيين هو لمنعهم من استخراج النفط والغاز من أرضهم ومن مياههم الإقليميّة. وحتى تبقى سيوف الفقر والمرض والهجرة مُتسلطة عليهم هو من إسرائيل. وقد إستطاعت المقاومة الإسلاميّة الإنتصار على الجيش الإسرائيلي وتحرير معظم التراب اللبناني منه في 25 ايار سنة 2000م. وكذلك الوقوف ببسالة في ردِّ عدوان الكيان الصهيونيّ في السادس من شهر تموز 2006م.

وبعد يا صديقي إنّ تلاحم شعبنا اللبناني مع جيشه ومقاومته هو دليل على أصالة هذا الشعب وعلى عبقريته وأن النصر سوف يكون حليفنا ضد مخططات اسرائيل وضد الفقر والمرض والطائفيّة والجهل والعصبيّة. إن شاء الله تعالى.