الى معلمتي

25/02/2014
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم: الحاجة نمرة حيدر أحمد(1)

حضرة المعلمة المحترمة

يسرّني أن أكتب اليك بعد انقضاء براعم الطفولة وتفتّح ورود الشباب، لأخبرك عن بصمات تركتها في أعماقي وأنا طفل يتيم، استجدي حنان القلوب، وعذوبة الكلمات، وصدق العيون، ولمسات البّر والخير.

أتعلمين..... ما زال صراخك يدوّي في أُذنيّ حتى يومي هذا... وتأنيبك يجعلني أصل بذكرياتي الى باب مدرستي ولا أدخل، وقساوة نظراتك تغرس في قلبي سهامًا تدميه وتثقله بالجراح.... كم تمنيت منك لمسة حنان وعطف.... كم تمنيت أن تخترق عيناك غشاء روحي لترى عذاباتي وتشعري بصقيع مشاعري.

نعم كنت لا افهم ما تقولين ولم أحاول أن افهم، أتعلمين لماذا ؟ لأن كلماتك كانت حروفها باردة تفتقر لدفءِ المحبة ولمعنى الايثار والعطاء. كنت أشاغب لاغيظك فقط وأجعلك تثورين كعاصفة لا تهدأ إلا بانهمار المطر، وما المطر عندك إلا كلام جارح يوزع هنا وهناك.

كنت أنتظرك كل صباح على باب صفي، علّني أَحظى منك بابتسامة تجعلني أَنسى مرارة القهر وظلم الحياة التي حرمتني أجمل ما فيها «حضن أمي ورعاية أبي».

كل ذلك لم يكن يعني لك شيئًا. كل همّك أن تملئي عقولنا بدروس لا ندري لماذا فُرضت علينا ولِمَ يجب أن نتعلّمها. لم تحاولي يوماً أن تعرفي أني انسان أفكر وأشعر وأفهم وأعاني، ولكن بطريقتي وحسب تفكيري الطفولي.

فأنا عندك يجب أن أكون مجرد انسان متلق أشبه ببغاء تدربينها كلّ يوم لتسمعك ما تريدين وما تحبين، لتشعري بأنك قمت بإنجاز عظيم.

لقد كرهت الكتب والعلم والمدرسة لأجلك.... وباتت صورتك تطغى على صور كُلِّ النّاّس في مخيلتي حتى قيل أنني فاشل لا أفقه شيئًا.

ولحسن حظي، ورأفة من الله، جاء من انتشلني من بؤرة تعليمك وجعلني أشرّع نوافذ قلبي للأمل، وأسمع نداء الحياة

وأتفوق في دراستي وأفهم الناس. وها أنا اليوم في مركز وظيفي هو حلم كل شاب طموح...

طبعًا ستسألين ما الذي ذكّرني بك بعد كل هذه السنين. أقولها بصدق أنا لم أنسك يوماً بل تناسيتك، واليوم عدت لأراك بوضوح أتعلمين لماذا ؟

لأن ولدي سيدخل المدرسة التي تعلّمت فيها منذ سنين، وعلمت أنك ما زلت تدرّسين فيها، فخفت أن يصيبه ما أصابني.

لذا أرجو منك بإِسم العلم والإِنسانية، وكل الشعائر التربوية في الدنيا، أن تدركي أن رسالة التعليم هي لمن يحملون قلوبًا رحيمة طاهرة ونفوسًا خيّرة، لأن بناء جوهر الانسان قبل العلم، ويحتاج الى قلوب عامرة بالحب، وعقول مليئة بالمعارف والحكمة متوجة بالتواضع والايمان.

أرجوك أن تتقبلي رسالتي برحابة صدر ولا تمزقيها، لعلها تكون منطلقاً لمرحلة مصارحة مع نفسك تؤسس لاسلوب تواصل جديد مع الأطفال مليء بالحب والعطف.

 

وتقبلي من تلميذك الذي لم ينسك يوماً كلّ التمنيات بالتغيير نحو الافضل.