من كلمات أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب(ع)في نهج البلاغة

25/02/2014
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

شرح العلاّمة السيّد محمد صادق السيّد محمد رضا الخرسان(2)

قال(ع): كن في الفتنة كإبن اللَّبُون(3) لا ظَهرُ فيُركب ولا ضِرعٌ(4) فيُحلب.

إنَّ لهذه الحكمة أهمية خاصة إذ قد نشأ على حفظها الصغار وشابَ على ذلك الكبار جاعلين لها قانوناً يتّبع، ونصيحة يؤخذ بها من دون ما مناقشة وما ذاك إلاّ لأنّهم تأكدوا من سلامة فكرتها وصحة هدفها وأحقيّة غايتها بما يجعلهم مقتنعين بها غاية الإقتناع ومترسمينها في خطى الحياة بحيث صارت شيئاً مُسلّماً حتى عند من لا يبالي بالتعاليم الساميّة.

ولعل من أهم أسباب ذلك أنّها تكفلت بتبيان خط عام يضمن لسالكه السلامة والأمان من الأخطار المحدقة، وذلك هو المطلوب للجميع حتى صارت مَثَلاً يستشهد به حالات تلبّد الأجواء بالمشاكل السياسيّة أو الأزمات المحليّة.

وأيضاً مما حقق لها انشداد النّاس وانجذابهم نفسياً أن الإمام(ع)، قد وَضَّحَ ذلك بالمثال القريب من فهم عامة النّاس، فمن المعلوم أن ولد الناقة ـ وهي أنثى البعير ـ لا تكون له مشاركة فعّالة، وذلك لعدم إحتماله وضعف بنيته فلا يستفاد منه ركوباً وامتطاءً أو حملاً ونقلاً هذا إن كان الولد ذكراً، وأمّا لو كان أنثى فالفائدة المتوخاة منها هي إدرار اللبن فلو كانت بذلك العمر فهي بعدُ لم تتأهل إذ لا بُدّ من تلقيح الفحل لها حتى يتكوّن اللبن.

فإذا عرفنا هذا عرفنا أنّ الإنسان إذا أراد السلامة لنفسه فلا بُدَّ من أن لا يدخل في متاهات لا تؤدي به إلى نتيجة، فعليه بالإبتعاد حتى يحقق لنفسه الحماية والكفاية مما يحذر.

فالدعوة إذن إلى التوقي والحذر من الدخول في كل ما يعرض للإنسان في حياته العمليّة من قضايا سياسيّة أو خلافات قِبَليّة، عائليّة، أسريّة، بين الأصدقاء، بين الشركاء، بين الزملاء، كما عليه أن لا يجنح وإنما يتخذ موقفَ المحايد إن لم يتطلب الأمر التدخل، وإلاّ فعليه أن ينصر الحق ويتدخل إلى جانبه وإلاّ كان معاوناً للباطل ومناصراً للظلم. فليس المراد من الحكمة التخاذل والإبتعاد عن المسؤوليّة بل التحفظ كيما يتضح الأمر ويتجلى الحال بما يجعله مسدَّدَاً في إتخاذ القرار المناسب ليسلم من العواقب الوخيمة التي تكون عادة بعد ارتجال المواقف أو تصديرها لحساب حالات ضغط فكري أو مادي.

الهوامش:

1.      نهج البلاغة، شرح الشيخ محمد عبده، ج4، ص 507، الكلمة رقم: 1. أخلاق الإمام عليِّ(ع)، للعلاّمة السيّد محمد صادق رضا الخرسان، ج1، ص 240 ـ 241. منشورات العتبة العلوية. ط.6، النّجف الأشرف 2009م.

2.      ـ المحنة والإبتلاء، المصباح المنير، ج2، ص 631.

3.      ابن اللَّبُون: ولد الناقة يدخل في السنة الثالثة، سميّ بذلك لأنّ أمَّهُ ولدت غيره فصار لها لبن. المصباح المنير ج3، ص 752، أقول: ولا خصوصيّة للذكر، إنّما ذُكر إمّا بإعتبار أنَّ المخاطب ذَكرٌ ـ وهو الإمام الحسن(ع)، وإمّا من باب التغليب، لأنّه لا خصوصيّة للذَكَر بل يشمل الأنثى أيضاً، لكن عبّر بلفظ الإبن تعميماً، وهو من الإستعمال الشايع.