الإمام الصادق أبو العلوم الشرعيّة

04/07/2014
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم: المفتي الدكتور الشيخ سليم اللبابيدي (1)

إنَّ جميع المدارس العلمية تعتبر أبو قراط هو أبو العلوم الطبية ومؤسس المدارس العلمية للطب في عصره تلميذ أبي حنيفة، وما بعده، وإنَّ كُلَّ علم لا بُدَّ له من أب مؤسس ينسب إليه هذا العلم، فقد علمنا من الجامعات الحديثة للعلوم الاجتماعية أنّ الإمام محمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة، هو مؤسس هذا العلم في كتابه عن العلاقات الخارجية، وحين نريد أن نبحث عن أبي العلوم الشرعية وواضع أنظمتها التي سار عليها جميع الأئمة من بعده أو أخذوها منه مباشرة أو من أحد طلابه نجد الإمام جعفر الصادق (ع)، في الصدارة الأولى. وهو وريث أجداده في العلوم الشرعيّة الظاهرة والحقيقيّة (العرفان).

 

وقد وجدنا أنَّه هو أول من نظّم هذه العلوم ووضعها في كتب ومؤلفات وفتاوى نستطيع أن نذكر منها شيئاً أو أشياء، ولكننا لا نستطيع أن نُحصيها جميعها، فمن المستحيل أن يُجمع البحر في أي حيز مهما كان واسعاً، فالإمام جعفر بحر من العلوم. ولم يستطع أحد استيعاب جميع علومه، أو أي كتاب أن يُحصي هذه العلوم أو بعضها، وأنت حين ترى أن مُعظم الأئمة وأهل الكتب تُنسب إليه حيث أصبح يُطلق عليه المذهب الجعفري ليس مجرد صدفة أو عبارة تتداول بين الناس، ولكن هي حقيقة ملموسة ذكرت في كُتبِ وتمَّ حفظها في صدور العلماء.

وحين ننظر إلى طلاب ومريدي الإمام جعفر الصادق (ع) وعبر علومه لا نستطيع الحصر، ولكن نذكر بعضها ومنها:

في علم التصوف والعرفان نرى، أن أكبر العلماء في هذا العلم الإمام الحسن البصري، الذي تلقى علومه من علم الحقيقة (التصوف) عن طريق السند المتصل من الإمام عليِّ بن أبي طالب (ع)، في جميع أصناف الأخلاق والفضائل حتى أني وجدت أنّهم قد أخذوا الأذان قبل الصلاة بالسند المتصل عن الإمام جعفر الصادق(ع)، وكذلك السواك وآدابه وغيره، فلا تجد لدى أهل التصوف وخصوصًا السُنَّة منهم إلا وجميع الأسانيد عندهم تصل إلى الإمام جعفر الصادق(ع)، عن طريق تلميذه سفيان الثوري وغيره من الأعيان.

وإذا ما أردت أن تذهب إلى علم الأصول (أصول الفقه وغيرها) فتجد أنَّ أوّل من كتب فيه ونشره الإمام الشافعي وحين تتابع الأمر تجد أنه قد أخذ علمه عن طريق الإمام جعفر الصادق ووالده الإمام مُحمّد الباقرL.

وإذا ما أردت أن تدخل في بحور الفقه ومداخله ومخارجه فإنك سوف تجد الكتب تحدثك عن الإمام أبي حنيفة وبراعته في المسائل الفقهية وحلَّ أمورها وأيضاً فإنه يقول أن جُلَّ علمه الفقهي قد أخذه عبر الإمام جعفر الصادق.

أما الإمام مالك فإنه يقول: بأن الجميع يُحال على الإمام جعفر وأنَّه المدرسة التي منها إنطلق الإمام مالك، بل إنطلق منها كُلُّ فقيه في مسائل الدين والرسائل العلمية.

والإمام أحمد بن حنبل إمام السُنَّة كان إذا ذُكرت له المسائل وتأكدَّ أنها عن طريق الإمام جعفر الصادق(ع)، توقف وقال للسائل أتيت البحر فلا تسأل غيره.

إننا نرى أنّه حتى يومنا هذا ما زال هذا البحر لم ينقص أو يجف بل في كل يوم يأتي طالب علم ويبحث في علوم الإمام جعفر الصادق، فإنه لا بُدَّ يزداد علمًا، ويرى أمورًا لم ولن يراها عند غيره.

فهو الأب الحقيقي لجميع علوم الشريعة وعلوم الحقيقة (التصوف).

ولأن وجدنا أنَّ جميع المسلمين يكرر أن أُصوله واحدة فكتابنا واحد هو مصدر أهل العلوم وهو كتاب الله القرآن الكريم . فكتابنا واحد لا يختلف عليه أحد من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وهو واحد ومحفوظ كما أُنزل على رسول اللهP، لم يستطع أحد ان يزيد او ينقص فيه شيئاً. ونبينا واحد لم يستطع أيضاً احد أن ينكر نبوته او يدّعي هذه النبوة. وبالتالي فديننا واحد هو الاسلام الذي يدين به جميع المسلمين مهما كان مذهبه. وكذلك فان أبا العلوم الشرعية وعلوم الحقيقة هو الامام جعفر الصادق لا تجد أحداً يختلف على هذا المرجع في وضع جميع هذه العلوم فهو(رض)، مصدر وأساس لوحدة الأُمة علماً وعملاً ونسباً، وإن أردت ان نجمع الجوامع المشتركة لهذه الامة لتوحيدِ صفها في زمنِ الفتن . فإننا بالعلمِ والوعي نجمع هذه الأُمة من خلال إِمام الائمة وأبي علومها الامام جعفرالصادق (رض)، حيث يجتمع عليهِ كل من أراد أن يعودَ الى المنابعِ والأصول وجادة الصواب.

إنَّ الإمام جعفر الصادق (ع) هو أبو العلوم الشرعيّة ورمز وحدة هذه الأمة في تاريخها السابق وفي مستقبلها الواعي(2).

الهوامش:

مفتي فلسطين في لبنان والمهجر، وعضو مؤسس في تجمع العلماء المسلمين في لبنان.

سوف نورد في هذه العجالة بعض أقوال الأئمة والعلماء في الإمام جعفر بن محمد الصادقL، عن «المناقب» لابن شهر آشوب، ج2، ص 147:[« قال الشهيد زيد بن عليّ بن الحسين(ع)في كل زمان رجل منّا أهلَ البيت يحتج لله به على خلقه، وحجة زماننا إبن أخي جعفر لا يضلُّ من تبعه ولا يهتدي من خالفه». عن كتاب(الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، ج1، ص 55).

وقال أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي كما عن كتاب «المناقب» لإبن شهر آشوب، ج2، ص 302:[« إنّ جعفراً كان ممن قال الله فيه:«ثُمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا». وكان ممن إصطفاه الله وكان من السابقين في الخيرات. وأنّه ليس من أهل بيت إلا وفيهم محدّث وإن جعفر بن محمد مُحدّثنا اليوم».(نفس المصدر).

وقال الإمام مالك بن أنس كما في كتاب «تهذيب التهذيب» ج2، ص 104: «جعفر بن محمد اختلفت إليه زماناً فما كنت أراه إلاّ على إحدى ثلاث خصال: إمّا مُصل، وإمّا صائم، وإمّا يقرأ القرآن، وما رأت عين ولا سمعت أُذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادة وورعاً. (نفس المصدر، ص 56).

ويقول أبو حنيفة في حديث طويل كما في كتاب تهذيب التهذيب، ج2، ص104:«ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد(نفس المصدر).

ويقول كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي كما في كتاب «مطالب السؤول» ج2، ص 55:«جعفر بن محمد هو من علماء أهل البيت وساداتهم، ذو علوم جمة، وعبادة موفورة، وأوراد متواصلة، وزهادة بينة، وتلاوة كثيرة، يتتبع معاني القرآن ويستخرج من بحره جواهره ويستنتج عجائبه، ويقسم أوقاته على أنواع الطاعات بحيث يحاسب عليها نفسه، رؤيته تذْكر بالآخرة، واستماع كلامه يزهّد في الدُنيا، والإقتداء بهديه يورث الجنّة، نور قسماته شاهد أنّه من سلالة النبوة، وطهارة أفعاله تصدق أنّه من ذريّة الرسالة، نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من أعيان الأُمّة وأعلامهم، مثل يحيى بن سعيد الإنصاري، وابن جريح، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عينية، وأيوب السجستاني وغيرهم. وعدوا أخذهم منه منقبه شرفوا بها وفضيلة اكتسبوها»(نفس المصدر، ص 57).

ويقول نقيب الأشراف في حلب محمد بن حمزة بن زهرة الحسينيّ كما في كتاب «غاية الإختصار» ص 62:»أبو عبد الله الإمام المعظم جعفر الصادق، صاحب الخارقات الظاهرة والآيات الباهرة، المخبر بالمغيبات الكائنة.. أمه أم أخيه عبد الله أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ولذا كان جعفر بن محمد عليه الرضوان يقول: ولدني أبو بكر مرتين. ولد سنة 83هـ، وتوفي سنة 148هـ ودفن بالبقيع. (نفس المصدر، ص 59).

ويقول الشيخ عبد الرحمن السلمي في كتابه:»التحفة الاثني عشريّة» ص8:«يقول الألوسي:«هذا أبو حنيفة وهو من أهل السُنّة يفتخر ويقول بأفصح لسان: لولا السنتان لهلك النعمان» يعني السنتين اللتين جلس فيهما لأخذ العلم عن الإمام جعفر الصادق. «جعفر الصادق فاق جميع أقرانه من أهل البيت وهو ذو علم غزير، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات، وأدب كامل في الحكمة». (نفس المصدر، ص 61).

ويقول السيّد مير علي الهندي في كتابه:»تاريخ العرب» ص179 «ولا مشاحة أن إنتشار العلم في ذلك الحين قد ساعد على فك الفكر من عقاله، فأصبحت المناقشات الفلسفيّة عامة في كل حاضرة من حواضر العالم الإسلاميّ. ولا يفوتنا أن نشير إلى أنّ الذي تزعم تلك الحركة، هو حفيد عليّ بن أبي طالب المسمى بالإمام الصادق. وهو رجل رحب أفق التفكير، بعيد أغوار العقل، ملم كل الإلمام بعلوم عصره. ويعتبر في الواقع أنّه أوّل من أسس المدارس الفلسفيّة المشهورة في الإسلام. ولم يكن يحضر حلقته العلميّة أولئك الّذين أصبحوا مؤسسي المذاهب الفقهيّة فحسب بل كان يحضرها طلاب الفلسفة والمتفلسفون من الأنحاء القاصيّة». (نفس المصدر، ص 62).

ويقول اليافعي في مرآة الجنان ج1، ص304:»سلالة النبوة ومعدن الفتوة أبو عبد الله جعفر الصادق بن أبي جعفر محمد الباقر بن زين العابدين عليّ بن الحسين الهاشميّ العلوي. وأمّه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، فهو علوي الأب بكري الأم. ولد سنة ثمانين في المدينة. وفيها توفي ودفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمد الباقر، وجده زين العابدين، وعم جده الحسن بن عليّ رضوان الله عليهم أجمعين وأكرم بذلك وما جمع من الأشراف الكرام أولي المناقب. وإنما لقب بالصادق لصدقه في مقالته. وله كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها. وقد ألفّ تلميذه جابر بن حيان الصوفي كتاباً يشتمل على ألف ورقة يتضمن رسائله وهي خمسمائة رسالة. (نفس المصدر،63 ـ 64).

ويقول الشيخ محمد الخضري في كتابه «التشريع الإسلاميّ»، ص363:»أبو عبد الله جعفر الصادق، كان من سادات أهل البيت ولقب بالصادق لصدقه في مقالته. ولد سنة ثمانين وروى عنه مالك بن أنس وأبو حنيفة وكثيرون من علماء المدينة»(نفس المصدر، ص 65).

ويقول الأديب المصري عبد العزيز سيد الأهل في كتابه «جعفر بن محمد» ص 6:«جعفر بن محمد كان إماماً مفخرة من مفاخر المسلمين لم تذهب قط، وإنما بقي منها في كل غد قادم حتى القيامة صوت صارخ، يعلم الزهاد زهداً، ويكسب العلماء علماً، يهدي المضطرب ويشجع المقتحم، يهدم الظلم ويبني للعدالة، وهو ينادي بالمسلمين جميعاً أن هلموا واجتمعوا، وإن قوماً لم يختلفوا في ربهم وفي نبيهم لمجموعون مهما اختلفوا في يوم قريب». (نفس المصدر، ص 66).