حكاية الحاج حسين حسن شقير

04/07/2014
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

 

بقلم: الحاج عبد الوهاب حسين شقير

حكاية المرحوم والدي الحاج حسين حسن شقير «أبو علي» هي حكاية معظم أبناء قرى وادي علمات من بلاد جبيل، في مطلع القرن العشرين. وحكاية مواجهتهم للجوع والمرض والجراد بالتوكل على الله تعالى، وبطلب الرزق الحلال من هذه الأرض الطيبة.

المرحوم والدي من مواليد قرية الصوانة القريبة من بلدة علمات عام 1901 عاش مع شقيق له وشقيقتين في ظلِّ والدين حنونين. حيث كانوا يمضون الشتاء في محلة عين السكة من منطقة برج البراجنة وهي من ضواحي بيروت الجنوبيّة ويمضون الربيع والصيف في بلدتهم الصوانة.

سألت المرحوم والدي ذات مرة عن سبب ذلك؟ ولماذا كان مع أسرته الصغيرة يوجهون شطر وجههم إلى برج البراجنة ولا يسكنون في مدينة جبيل لقربها من الصوانة؟.

أجابني: لقد كانت مدينة جبيل أيام الحرب العالميّة الأولى وما بعدها بسنوات تفتقر إلى الماء والكهرباء وإلى المدارس المتوسطة والثانوية كما أنّ فُرص العمل فيها قليلة. وأمّا مدينة بيروت وضواحيها فكانت تتوافر فيها أسباب الرزق الكثيرة. وأهمها الزراعة حيث كنت أعمل بالزراعة في برج البراجنة وسكنت في محلة عين السكة. وفي الربيع والصيف كنت أقوم بزراعة الأرض في قريتي الصوانة وتربية بعض الماشية وتربية دودة الحرير. وبالتالي تحصيل مؤونة الشتاء من خيرات الصوانة.

وفي تلك الأيام كان لبنان يعيش تحت حكم العثمانيين الأتراك وفي عام 1914م. إندلعت الحرب العالميّة الأولى حيث حالف الأتراك الألمان ضد الفرنسيين والإنكليز. وإنتهت الحرب في عام 1918م. بهزيمة الأتراك والألمان وإحتلال بلادنا من قبل الفرنسيين. وأثناء الحرب العالمية الأولى دخل إلى بلادنا الجراد الذي أكل جميع الحبوب والفواكه والخضار ولم يترك للناس شيئاً يقتاتون به. وقد مات كثير من النّاس.

على أثر ذلك وخلال الحصار البحري الذي فُرض على الشواطئ اللبنانية من قبل الحلفاء لم يستطع المغتربون اللبنانيون إرسال شيء لاقاربهم قي لبنان. كما مات كثير من النّاس من مرض الجدري الذي لم يُعرف له علاج آنذاك.

وأثناء تلك الحرب مرض المرحوم الجد وتوفاه الله تعالى، ودفناه في مدافن عين السكة، برج البراجنة لصعوبة نقله إلى قريتنا الصوانة. عندها فاضت عينا والدي بالدموع. وبعد قليل، قال: لم يكن عندي خيار إلا الرجوع لقريتنا الصوانة مع شقيقي علي ديب وشقيقتي وطفا وزينب لنكمل مسيرة حياتنا الصعبة..

وأثناء ذلك راودت أخي علي ديب فكرة الهجرة والسفر إلى القارة الأمريكيّة برفقة بعض الأقرباء. وكان المُهاجر اللبنانيّ آنذاك لا يحتاج إلى جواز سفر أو فيزا ونحو ذلك وإنّما يحتاج إلى الهوية اللبنانيّة وإلى من يُعرِّف عنه. وكان السفر مُقتصراً على السفن من خلال البحر.

سافر أخي أخيراً مع بعض الأقارب. وبقيت مع المرحومة والدتي وشقيقتي في الصوانة. وقد فقدت الوالدة بعد مدة قليلة حيث توفاها الله تعالى. وكانت الحياة الإقتصاديّة في قريتنا الصوانة تعتمد على الزراعة وعلى عين ماء واحدة نشرب منها. ولم يكن هناك طريق أو كهرباء أو هاتف أو ماء في البيوت. وكانت وسيلة النقل ما بين القرى ومدينة جبيل تعتمد على البغال والحمير. وأمّا في المدن فكانت المركبات التي تجرّها الخيول والبغال، ثُمّ أتت السيارات والباصات إلى مدن الساحل اللبنانيّ بمجيء الفرنسيين إلى لبنان.

وبعد إنتهاء الحرب العالميّة الأولى خطر ببالي السفر إلى أمريكا والعمل هناك مع شقيقي علي ديب. وأثناء تهيئتي لأسباب السفر أتى بعض الأقارب من أمريكا كان منهم خالي المرحوم خليل ضامن شقير. وقد فوجئت بإخبارهم لي بوفاة شقيقي المرحوم علي ديب في تلك البلاد البعيدة وتركه لنا مبلغاً وقدره مائتي ليرة ذهب تسلّمتها من خالي. وبهذا الخبر الحزين والمصاب الأليم فقدت الأمل بالسفر.

وبعد مدّة وفقني الله تعالى للزواج من والدتك المرحومة الحاجة سيفا نون من بلدة سقي فرحت القريبة من الصوانة، بعد الزواج عملت بزراعة الأرض. كما عملت كناطور مع الشركة التي كانت تقوم بإنشاء سكة الحديد في جبيل وسائر مُدن الساحل اللبناني. كما عملت ايضاً في وزارة الأشغال العامة اللبنانيّة في مصلحة النافعة وكنت اتقاضى كل يوم خمس مجيديات قبل أن يصبح هناك نقود خاصة بالدولة اللبنانيّة الحديثة.

لقد فقدنا المرحوم والدي في 16 أيار 1978م. وفقدنا به صوت القرية اللبنانيّة والمزارع اللبناني في مطلع القرن العشرين. وفقدنا به الطيبة والطهارة والرضى بقضاء الله تعالى.