المحاميّة الشاعرة مريم شمص في «ذات أرق»

04/07/2014
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

تحتضن وتُلامس وجه الكتاب العَطور وتلتهمه بعيونها وأصابعها

بقلم مستشار التحرير: الدكتور عبد الحافظ شمص

الشعر عطاء، والعطاء واجب، وفي العطاء نزوع إلى المجد والعظمة، مجد الكلمة وعظمة الصورة وبراءة الذّات الإنسانيّة.. الشعر بَوْح أسرار ونهج ضمائر، رفيق خواطر ورهيف نواظر، به نحمي الثّقافة ونردُّ عنها غوائل النّصب والارتداد، وفي الشعر

تكون الحياة بكلّ ما فيها من عِبَر وفضاءات...

وعندما نقرأ الشعر أو نسمعه، يزداد فرحنا ويكبر الأمل فينا على أنّه لا يزال بألف خير ما دام هناك من يُحافظ على كيانيّته ولا يحيد عن الطريق الصّحيح، ومَنْ يُحدّد صوابيّته من خلال المحافظة على قواعده وأسسه الأصليّة التي لا تتبدّل ولا تتغيّر، ولا يمكن أن تقبل أيّ تداخل بينه وبين أيّ نمط من الأنماط الغريبة عنه وعن واقعه ومنطلقاته الفنّيّة.

والشاعرة مريم شمص، ابنة العائلة الكريمة، التي اختارت المحاماة، مهنة لها، رأت أنّ الشّعر والكتابة الأدبيّة هما أساس حياة ووجود الإنسان وخصوصًا المرأة المثقّفة.. وكم في التّاريخ من نماذج حضاريّة ناجحة تفوّقت فيها المرأة في عالمها وخلّدت اسمها الأيّام.. مريم شمص عرفت أنّ الشعر هو حالة إنسانيّة متميّزة، ناتجة من فكر متميّز، وعمل ابداعيّ، في جوهره تلقائيّة ناتجة من انصهار الذّات المتدفّقة، وهو أيضًا قيمة حضاريّة تمدّ الإنسان والإنسانيّة بأسباب الحياة. والشاعر كيان مختلف لأنّه يرى ما لا يُرى ويسمع ما لا يُسمع...

مريم شمص في باكورة أعمالها الأدبيّة التي صدرت حديثًا بعنوان «ذات أرق» بمائة وعشرين صفحة من القطع الوسط ومن ثلاثين زمرّدة بعناوين جاذبة غلب عليها طابع الحبّ والشّوق واللّقاء، جاء في كلمة الإهداء إلى ابنتها البكر « لَيان»:

« أنجبتُكِ، فحبلتُ بالحلم

أينعه اقتران روحي اليتيمة

بالفرح والخصب...

تكبرين وأكبر معكِ وفيكِ وبكِ

وأظلُّ حُبلى

بحلم يُزهر في رحم وجودي

شغفًا أبديًّا

أُنجبُ منه كلّ يوم حياة جديدة

وحبًّا وشعراً

أحبّكِ بعد كلّ إنجاب

أكثر وأكثر» ...

إلى ابنتي «ليان» التي أهدتني صرختها الأولى في الحياة أروع ما في الحياة، أهدي صرختي الأولى، كتابي الأول...

حروف كتابها، كلماتها، خواطرها، خلجات نفس هائمة زفرات قلب عاشق يُبحر في خِضَمٍّ هائجٍ مائجٍ ولكنّه لا يُغرق...

كتبت مريم شمص في زمنٍ مختلف، مُلئت بالمشاعر الحساسّة، تقدّمت، رَنَتْ إلى محاسن الأدب راغبة التقدّم في عرشه البهيّ السّاحر.. قادها حُبّها إلى الشّعر فأخلصت له وتوفّرت تكدّ وتجتهد لكي تحقّق ما تصبو إليه نفسها التوّاقة إلى العلى، وعشقها الذي تتّقد جمراته وتلتهب في قلبها منذ يفاعتها وستخلّد خواطرها وتبلور أحلامها، ليبقى الحبّ عنوان حياة لا تنتهي...

لقد وهب الله الشعراء عقلاً مميّزاً وإدراكاً مُنتجاً يُؤدّيان في لحظة معيّنة بالنّسبة لكلّ عمليّة خلق وإضافة إلى تغييرات جذريّة للكيف وإلى تحوّل الشكل بقفزات من كَيْفٍ مستحدث وجديد وفقًا لِسُنّة التطوّر في طبيعة كلّ فردٍ من أفراد المجتمع...

والجانب المنطقي الذي يبيّن معنى التّعبير اللغوي في ما يُسمى الورائيّات وإيضاح التأويلات أو مراجعة الحسابات المنطقيّة يمكن أن يتكوّن من مفاهيم تتضمّن نظريّة الدّلالة.. ومحاولة تطبيقها بتعبير اللغة المعنيّة يتوقّف، إلى حدٍّ كبير على اختبار التأويل حيث الترادف والصدق في التحليل، ونقل الواقع والوقائع ونقدها وتحليلها، ومَنْ غير الشّاعر، لمعالجة القضايا الاجتماعيّة وإيضاحها ومتابعة نتائجها حتّى تحقيقها؟!

تقول مريم في الصفحة التّاسعة بعنوان «شغف»:

دَعْ عينيكَ في مكان آخر

قبل أن تأْتيني..

إخلع صوتك الأنيق

قبل ولوج عتبتي

وعلّقه فوق معطف وحدتي

فدفء حضورك هنا

لا يحتمل المزيد...

جئتني متنكّراً

بزيّ إنسان عاديّ

كي أستطيع التّنفّس

في حضرتك...

لا ترمِ المزيد من حطب الرّغبة

وأخيراً، فإنّ العمل الإبداعي الفنّي يزهر القيم الماديّة والرّوحيّة بمقدرة إنسانيّة تظهر من خلال عمليّة خلق واقع جديد يُشبع المتطلّبات المتعدّدة الأشكال، ويمكن أن يُصبح أيّ نوع من النّتاج الشّعري عملاً إبداعيًّا تحدوه طبيعة النّشاط لمخترع أو منظّم أو عالم أو فنّان أو شاعر، إلخ... ولا ننسى أبداً أنّ التكنولوجيا أيضاً تلعب الدّور الأكبر في نشر الفنون المتعدّدة وإلى المزيد من الشعر.