أحاديث النكتة في لبنان المحامي الأستاذ عبدالله لحود- )الحلقة الثالثة(

04/07/2014
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

اعداد: هيئة التحرير

المحامي الكبير الأستاذ عبدالله لحود من أعمدة القانون والأدب العربيّ والفرنسيّ في لبنان. وهو من أُسرة آل لحود الجبيليّة اللبنانيّة العريقة. مواليد مدينة عمشيت عام 1899م. تلقى علومه الإبتدائيّة في مدرسة الأُخوة المريميين في عمشيت عام 1907 بعدها إنتقل إلى المدرسة الوطنيّة في عمشيت التي كان صاحبها ومديرها ابن عمه المؤلف والمربي أديب لحود. كما درس على يدي الأديب اللغوي عبدالله البستاني المشرف الأعلى على الإمتحانات في تلك المدرسة حيث درس عليه أساليب البيان والخطابة. وأثناء الحرب العالميّة الأولى إنصرف إلى المطالعة وحفظ الشعر باللغتين العربيّة والفرنسيّة. عام 1920م. نجح في إمتحانات الجامعة اليسوعيّة ومنح شهادة تعادل البكالوريا ـ القسم الثاني. عام 1921م دخل معهد الحقوق الفرنسي في بيروت ونال شهادة الليسانس في الحقوق عام 1924م. عام 1925م. سافر إلى فرنسا وإنتسب إلى جامعة السوربون بباريس لإعداد الدكتوراه في الحقوق. ولكن سوء وضعه الصحي في فرنسا حمله للعودة إلى لبنان في عام 1926م. في خريف عام 1930م. إنتسب إلى نقابة المحامين في بيروت.

درّس الأدب العربيّ والترجمة في القسم الفرنسي التابع للجامعة الأمريكيّة في بيروت عام 1942م. وكان من تلامذته غبطة البطريرك اغناطيوس هزيم. كما درّس مادة الحقوق في الجامعة اللبنانيّة لمدة ثلاث سنوات آخر الخمسينيات. كان عضواً في مجلس نقابة المحامين من عام 1957 وحتى 1960م. كما كان له نشاط مستمر في مؤتمرات اتحاد المحامين العرب(1).

ترك الأستاذ لحود الكثير من المؤلفات والآثار القانونيّة والأدبيّة في اللغتين العربيّة والإفرنسيّة. ومن الدراسات والبحوث والمرافعات. وقد كُرِّم في حياته وبعد مماته من قبل مؤسسات رسميّة وخاصة في لبنان وفرنسا. قال عنه الأستاذ فاروق أبو عيسى الأمين العام لاتحاد المحامين العرب في مقدمته لكتاب الأستاذ لحود «في العلمانيّة والديمقراطيّة»:[«وأنا أكتب هذه المقدّمة لبعض النتاج الأدبي لزميلنا وأستاذنا المرحوم عبدالله لحود خطر على ذهني على الفور أن يكون جوهر تقديمي لهذا السفر ما استشعرته فيه من الحسِّ العربيّ الأصيل والفكر القانوني الرائق. وتميز مؤلفه بالعقلانيّة والموضوعيّة التي طالما افتقدناها كثيراً، لا سيما وأن الأستاذ عبدالله لحود هو واحد من مؤسسي اتحاد المحامين العرب الذي أشرَّف اليوم بأمانته العامّة»](2).

وافته المنية في عمشيت في 25 تشرين الثاني 1988م.

أحاديث النكتة في لبنان

وسوف نورد مقتطفات مختارة من هذا الكتاب الأدبي التاريخيّ. ممّا جاء في المقدّمة:[«وقد تنسى مرافعات عبدالله لحود الداوية مع أنّها جديرة بالبقاء؛ أمّا نكات عبدالله لحود فلن يطويها النسيان. والنكتة تحفظ بسهولة وترسخ في الذاكرة، كالأمثال، أو الشعر الغزلي.

ألقيت في أول عهدي بممارسة المحاماة، مرافعة طويلة عن سيدة أُميّة أُقيمت عليها دعوى ماليّة، بالإستناد إلى كتاب موّجه منها إلى زوجها المهاجر وموقع ببصمة الإبهام وقد حوى، بعد عبارات الشوق والهيام وإرسال القبلات الحارّة، إقراراً من السيدة بدين للمدّعي. حللت النقاط القانونيّة والواقعيّة التي تثيرها الدعوى بعناية وإسهاب، طاعناً بالكتاب ثم قلت عرضاً وعلى سبيل المداعبة:«كتاب من زوجة إلى زوجها يبدأ بالشوق والهيام والقبلات الحارة... أنا أفهم أن يوّقع ببصمة الشفتين أما أن يوقع ببصمة الإصبع فشيءٌ لا أفهمه». ومرّت السنوات الطوال، فنسي مستمعو المرافعة مضمونها... إلا العبارة التي قيلت عرضاً وعلى سبيل المداعبة. إلى أن قال:«ويكفي أن نُلقي نظرة على مذكرات رستم باز أو كتاب الفارياق لأحمد فارس الشدياق، أو دواوين شاكر الخوري وأسعد رستم، أو مسرحيات نجيب الريحاني، أو بعض مقاطع للأخطل الصغير وسليم سركيس والياس أبو شبكة وعمر فاخوري وأمين الريحاني ومارون عبود ويوسف الخازن واسكندر الرياشي وسواهم.

بل يكفي أن نعرض أسماء الجرائد الهزليّة التي أصدرها لبنانيون في الوطن وفي الخارج، أو نتمّعن في الرسوم الكاريكاتوريّة التي بلغت في معظمها، درجة عالية من التعبير الفكه اللاذع»] (3).

واصه باشا(1883 ـ 1892)

بعد رستم باشا الذي اشتهر بمحاربة الرشوة جاء واصه(المتصرف الرابع) فاشتهر عهده بتفشي الرشوة في الجبل بسبب كوبليان زوج إبنة المتصرف.

ولا أعرف نكتة مأثورة عن واصه ولكن إنتشار الرشوة في عهده خلق حوله نكتاً ونوادر عديدة.

على أثر دفن الباشا نظم المرحوم تامر الملاّط بيتيه الشهيرين وفيهما أروع نكتة تأبينيّة:

قالوا قضى وَاصا وواراهُ الثرى

فَأجبتهم وأنا العَلِيمُ بذاتهِ

رنّوا الفلوس على بلاطِ ضَريِحهِ

وَأنا الكفيلُ لكم برّدِ حَياتهِ» (4).

مظفر باشا(1902 ـ 1907)

انتهت المتصرفيّة، بعد نعوم باشا إلى مظفر باشا وكان لهذا الرجل أطوار غريبة، ولزوجته وأولاده سُلطةً عليه حتى قيل أن عائلته كانت هي الحاكمة إلى أن قال:[«كان بين خصوم مظفر أعيان لبنانيون دُهاة في طليعتهم المرحوم مصطفى ارسلان في الشوف والمرحوم أسعد لحود في عمشيت، وكانا من أجرأ رجالات لبنان وأذكاهم وأوسعهم نفوذاً. تحرى أولئك الأعيان أخطاء المتصرف ونشروها في كتاب صدر بلغات ثلاث، العربيّة والتركيّة والفرنسيّة» إلى أن قال:«جاء في الكتاب أن زوجة المتصرف حقدت على المرحوم نسيب جنبلاط فسعت إلى عزله من قائمقاميّة الشوف، ولم يطاوعها المتصرف، وعلى خلاف عادته، خوفاً من نفوذ الزعيم الجنبلاطي وما يحدثه العزل من ضجة لا مبرر لها.

وفي يوم كان المتصرف مُضطراً إلى حضور إجتماع رسمي فترقبته السيدة المصون حتى دخل الحمام فبادرت فوراً إلى إقفال باب الحمام من الخارج. طلب المتصرف عندما اراد الخروج أن يُفتح له الباب وألحَّ وتوسل، فلم يفتح الباب إلاّ بعد أن تعهد المتصرف لزوجه بأن الجنبلاطي سيعزل»](5).

أخبار المراقبة العثمانيّة

روى اللبنانيون عن مراقبة المطبوعات في بيروت أخباراً مليئة بالطرافة، وبالتفكهة المؤلمة.

تحويل الغزل إلى سياسة

من تلك الأخبار أن مجموعة غزليّة بعنوان «مناجاة الحبيب في الغزل والنسيب»، صودرت وأُتلفت في العهد الحميدي، مع أنّها لم تحتو سوى قصائد غزليّة لشعراء قدامى ـ وسبب المصادرة والإتلاف والملاحقة، هو أن المجموعة الشعريّة تضّمنت في ما تضمّنت من الغزل العباسيّ ـ قصيدة ابن زريق البغدادي التي مطلعها:

لا تعذليه فإن العذل يولعه

قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه

وقد يستغرب أن تُصادر مجموعة شعريّة بسبب قصيدة نظمها شاعر عاش في القرن الحادي عشر الميلادي أي قبل جلوس عبد الحميد على عرش السلطنة بعدّة قرون.

وكان سبب المصادرة أن في القصيدة بيتاً يلوم الشاعر فيه نفسه لسوء سياسته مع محبوبه فيقول:

أُعطيت مُلكاً فلم أُحسن سِياسَتهُ

وَكُلُّ من لا يَسوسُ المُلكَ يُخلَعُه

هذا البيت أثار غضب المراقب، كأن هذا المراقب اعتبر أن ابن زريق شاعر معاصر، أو توهم أن ابن زريق على طريقة نوسترادميس، تنبأ بمجيء عبد الحميد فوضع البيت على لسانه أو لعله إفترض أن كل كلام ينّوه بفساد السياسة يطبّقه النّاس على عبد الحميد وسياسته»](6).

منربح الكعكة

وفي إحدى الدورات الإنتخابيّة، تنافس الشيخ يوسف الخازن ونسيبه الشيخ فريد هيكل الخازن(7) على مقعد كسروان. وراح صاحب محل حلوى في جونية على سبيل الدعاية للشيخ فريد، يقدم اثناء المعركة الإنتخابيّة، الكعك الفاخر مجاناً للنّاس، فيوضع الكعك على أطباق وينادي الصبية حولها ـ كعك الشيخ فريد.

وكان الشيخ يوسف يجتاز يوماً ساحة جونية، فسمع النداء على كعك الشيخ فريد، فاقترب وأخذ أجمل كعكة عن الطبق وقال لسامعه:«إن خسرنا النيابة منربح الكعكة». فسار قول «منربح الكعكة» مثلاً يردد إلى اليوم».

والشيخ يوسف الخازن من مؤسسي جريدة «الأخبار» في القاهرة مع داود بركات عام 1898م، وكان عشاق الظرف يتهافتون عليها ويدعونها جريدة الشيخ.

ليه المعجزة؟

«وكان يوماً الشيخ يوسف جالساً في القاهرة على رصيف السبلنديدبار، ومرّت في الشارع سيدة أجنبيّة جميلة على صهوة حصان، فقال جليس الشيخ يوسف:«ليتني كنت حصان» فقال الشيخ يوسف على الفور:»ليه تطلب معجزة ربما الحلوة تركب حمير»(8).

 

 

الهوامش:

عبدالله لحود ـ بيت المحامي اللبنانيّ 2009م. ص: 7 و8 و9 بتصرف.

«في العلمانيّة والديمقراطيّة»،عبدالله لحود ـ دار النضال ـ بيروت، 1992م. الطبعة الأولى، ص 7.

«أحاديث النكتة في لبنان»، عبدالله لحود، دار النضال ـ بيروت، الطبعة الأولى 1991م. ص 8 و9.

نفس المصدر، ص 29.

نفس المصدر، من صفحة 33 ولغاية صفحة 36 بتصرف.

نفس المصدر، ص 59 ـ 60.

الشيخ فريد هيكل الخازن(1894 ـ 1948) نائب عن كسروان، عن نفس المصدر، ص 72.

عن نفس المصدر، ص 72 ـ 73 ـ 74 بتصرف.