من كلمات أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (ع) في نهج البلاغة(1)

04/07/2014
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

شرح العلاّمة السيّد محمد صادق محمد رضا الخرسان(2)

قال(ع): «مَنْ بَالَغَ فِي الْخُصُومَةِ أَثِمَ وَ مَنْ قَصَّرَ فِيهَا ظُلِمَ وَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ مَنْ خَاصَمَ».

التحذير من الخصومة والمنازعة، كونها غير مأمونة العواقب، ولا معروفة الغاية، بل تشتد حتى تأتي على السليم فيخسره المخاصم، بينما حالة الوداعة والمسألة أكثر راحة وفائدة، حيث لا تنفع المنازعة في شيءٍ فإن تجاوز فيها حقوق الآخر تورط في الإثم، وإنْ راعى فيها الحقوق والإعتبارات يتجاوز عليه الآخرُ وهو ظلمٌ له، وهو هذا كله لا يتمكن من السيطرة على ميوله وعواطفه.

فالدعوة إلى إستبدال المنازعة بطرقٍ وحلولٍ أخرى يستفيد منها المُطالِبُ بما يريد ومن دون تأثير على التزاماته المتعددة إسلامياً وإنسانياً. وهي حثٌ على الإستعاضة عن التسرّع للجوء إلى المحاكم والدوائر القضائيّة، بمراجعة النفس ومحاولة نقدها عسى أن تكون أخطاء فتتلافى وتصحح، أو الإستعانة بالأصدقاء وسائر المؤثرين فيعينوا بالنصح والتوجيه أو ترك الأمر رجاء تعويضه تعالى فهو يُخلف بأفضل مما يرجوه الراجي أو يؤمله المؤمل، وإلا فلا يأمن المخاصم من التورط في مخالفة شرعية أو قانونية أو أخلاقيّة، وعندها يكون ضعيفاً أمام نفسه وهواه، ليخسر أكثر مما يربح ويفقد جهده بتحصيله من الحسنات.

وإن تثقيف الأُمة على هذه الحكمة، ينفع كثيراً في تقليص حدوث حالات التجاوز والتعدي، بل تقليل الحوادث والجرائم، لتتخفف دوائر القضاء كما المجتمع من أعباء الشكاوى والمرافعات وغيرها، مما يكشف عن انسياق الإنسان ـ أحياناً ـ وراء شهوته الإنتقاميّة، عندما نعبأ بالثورة النفسية التي تتأرجح من خلال المصادمات والمنازعات التي تبدأ هيّنة أو تافهة ثم تتطور تصاعدياً حتى تستعصي على الحلول أو المقاربات الصلحيّة، بينما كان(ع)، قد أرشد الأُمة إلى خطورة الخصومة وضراوة تأثيرها فردياً واجتماعياً، مما يوجب الإبتعاد؛ لئلا يربح البعض شيئاً، لكنه يخسر أشياء.