مع ديوان الشاعر القرويّ

01/09/2010
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

ديوان القرويّ ـ رشيد سليم الخوريّ، صادر عن مديريّة الثقافة العامّة ـ ديوان الشعر العربيّ الحديث/27.

وزارة الاعلام في الجمهوريّة اللبنانيّة سنة 2008م، لجامعه ومحققه الدكتور عُمر بهيج اللقيس. وقد تضمنت هذه الطبعة الرابعة من الديوان ما يلي:

نبذة عن حياة الشاعر بقلمه، وبعض مراسلاته، وبعض الرسائل الموجهة إليه، مع بعض الوثائق عن حياة شاعرنا في البرازيل، وفي لبنان، وفي الأقطار العربيّة الأخرى.

وديوان القروي مؤلف من 1000صفحة تقريباً من الشعر العربيّ الموزون من سبعة أبواب وهي:

((البواكير)) منظومات متعددة الأغراض مختارة من ديوانيه ((الرشيديات))و((القرويات)) المطبوع أولهما سنة 1916 وثانيهما سنة 1922 في صنبول ـ البرازيل.

((الأعاصير)) مختارات من شعره الوطني طبعت في صنبول سنة 1933م وفي صيدا سنة 1948م.

((الزمازم)) مختارات من منظوماته الحماسيّة بعد طبع الأعاصير.

((المحافل والمجالس)) ما أنشده في شتى المناسبات الإجتماعيّة.

((زوايا الشباب)) من شعره الغزليِّ.

((الموجات القصيرة)) خواطر أكثرها مما كان ينشره نثراً بعنوان شرر الفكر.

ز ـ ((الأزاهير)) إضمامة معظمها من الشعر المثلاني.

والشاعر القرويّ هو من مواليد البربارة الساحليّة الجبيليّة في 17 نيسان سنة 1887م. وقد إبتدأت بعض الصحف البيروتيّة بنشر قصائده الوطنيّة في أيام المتصرف العثمانيّ يوسف فرنكو باشا فلمّا وصلت تلك الصحف إلى عمه اسكندر خوريّ وكان قبطاناً في الجيش البرازيلي ويعشق الشعر الحماسيّ أرسل إليه طالباً منه القدوم إليه مُرّغباً له بذلك.

وقد هاجر إلى البرازيل سنة 1913م، بعد وفاة والده بثلاث سنوات. وفي البرازيل كانت قصائده وشعره حديث الجمعيات والنوادي، والصحف، والمجلات العربيّة لأكثر من أربعة عقود، حيث طُبع ديوانه لأوّل مرة في مدينة صنبول البرازيليّة سن 1952م.

يقول الدكتور عُمر اللقيس في مقدمته لهذا الديوان: يفضّل العديد من النّاس العيش في البلدان التي إنتقلوا إليها. فيتأقلمون بين أبنائها ويذوبون في واقعها ويتناسون أوطانهم التي ولدوا فيها غير أنَّ الشاعر القرويّ رشيد سليم الخوريّ، أنشأ الروابط الوطنيّة مع الشعراء والكتاب المهاجرين من كل المذاهب والأديان كلها. وبدأ كتابة الشعر والنثر بوجدان وحسٍ وطني يتحرق في داخله الحنين إلى وطن غادره ومفضلاً العودة، مُبتعداً عن غربته عائداً إلى حقيقته، مُستقراً في وطنه، متفاعلاً مع أبناء جنسه مدافعاً عن قضايا الأُمّة العربيّة إثر النكبة التي حلّت بفلسطين خارج المنفى الّذي عايشه خلال إغترابه.

وقد فجّرت قساوة المنفى كوامن عبقريته، فراح يقارن بين ما تتمتع به شعوب العالم من حقوق وحريّة وكرامة، وبين ما يرزح تحت نيره أبناء وطنه من ذلٍّ ، وعبوديّة فسلَّ قلمه سيفاً يدافع به عن وطنه وعن بني قومه.

وقد حقق شاعرنا أُمنيته الأخيرة في وفاته في بلدته البربارة الجبيليّة، وفي دفنه في منزله بناءً على وصيته وذلك في 25آب سنة 1984م.

وقد حظي الشاعر القرويّ بشكر وتكريم العديد من الرؤساء العرب كالرئيس جمال عبد الناصر، والأمير نايف بن عبد العزيز، ودولة الكويت التي صرَّفت له مرتباً شهرياً إلا أنّه حوله للثورة الفلسطينيّة، والتي أهدته درع الثورة. والحكومة العراقيّة، وأمير الشارقة وغيرهم.

ومما جاء في مقدمته للطبعة البرازيليّة الأولى من ديوانه سنة 1952 حول اللغة العربيّة: هي هذه اللغة الخصبة الخلاَّقة المطواع. لغة أهل الجنّة. اللغة التي اتسعت لرسالة الرحمان، اللغة التي ملكت فُصحاها ألسنة أفذاذ الأدب العربيّ، وألفت بين قلوبهم في كل قطر سحيق؛ والتي يتناشد الحانها بلابل الشعر من الخليج العربيّ إلى المغرب الأقصى، إلى كل مغترب قذيف، فتتجاوب قلوبهم بأصدائها وتعلو على كل صوت شعوبيِّ نكير. بها التفاهم وبها الألفة وبها الوحدة: فبها القوة فالهيبة فالسِّلم فالنعيم المقيم. كل عادل إلى العاميّة عنها، مبشر بها دونها، إنّما هو كافر بها وبكم أيها العرب دسَّاس عليها وعليكم، كائد لها ولكم عامل على قتلها وقتلكم. فعلمّوا القرآن والحديث ونهج البلاغة في كل مدارسكم وجامعاتكم: لتقوَّم الفصحى ألسنتكم، وتتقوى ملكاتكم، ويعلو نفسكم، وتزخز صدوركم بالحكمة، وتشرق طروسكم بساحر البيان.

ويقول في رثاء الإمام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء من قصيدة مؤلفة من 24 بيتاً بعثها إلى النجف الأشرف من مركز إقامته في صنبول البرازيليّة في 19 كانون الثاني 1954م.

ولكن في أرض العراق أعزةً

بذرتُ لهم وعدي وقد أحصدَ الوعدُ

وهل كل من ينعَون مثل مُحمّد

وهل أنا إلا مثله عهديَ العهدُ

إمامٌ حباني من جميل ثنائه

جواهرَ  قول كلِّ جوهرة عقدُ

هنيئاً لك المثوى السعيد تجوزه

إلى جنّة المأوى يواكبكَ السَّعدُ

وفي اليوم الرابع من شهر نيسان2008م وبرعاية المجلس الثقافيّ لبلاد جبيل قام جامع هذا الديوان ومحققه الدكتور اللقيس وهو ابن مدينة جبيل وأديبها المعروف بالدعوة لحفل توقيع هذا الديوان لشيخ الشعراء الجبيليين في لبنان والمهجر، في قاعة ثانويّة راهبات دير عبرين في حي مار يوسف ـ جبيل، وقد حضر الحفل جمع كبير من الفعاليات الثقافيّة، والأدبيّة، والتربويّة في المدينة يتقدمهم ممثل قائد الجيس العماد ميشال سليمان، وممثل عن قائد الدرك العميد شكور، والقائمقام ورئيس البلدية، وأعضاء المجلس الثقافيّ في بلاد جبيل وغيرهم من الفعاليات.

وبعد فإنَّ دراسة ديوان إبن جبيل البَّار الشاعر القرويّ وحياته في المهجر وفي لبنان تعطي القارئ صورة صادقة عن شاعر لبنانيّ عاش حياته طالباً لحرية شعبه وأمته العربيّة عاشقاً للبنان ولوحدة أبنائه مسلمين ومسيحيين، مُحبّاً للإسلام ولنبيِّه مُحمّدP، وللقرآن الكريم، ولنهج البلاغة، مدافعاً عن اللغة العربيّة، وعن تأريخ الإسلام والعروبة حاملاً قضيّة فلسطين وآلام شعبها إلى أمريكا اللاتينيّة، مواكباً لأحداث وقضايا العرب منذ الثورة العربيّة سنة 1916، على يدي الشريف الحسين بن عليّ أمير مكّة والحجاز ولحين وفاته في أحضان بلدته البربارة الجبيليّة سنة 1984م. 

(هيئة التحرير)