أفراح شهري تموز وآب في لبنان والعراق والقدس

9/10/2017
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

 رئيس التحرير

الحديث عن شهري تموز وآب عام 2017م. الّذي مرَّ على الشعوب العربيّة والإسلاميّة في لبنان والعراق وفلسطين هو حديث عن شهر إنتصار العقل على الخرافة، وشهر إنتصار المواطنة على العمالة، وشهر إنتصار الوعي على العبث والفساد والإفساد في الأرض. وبداية ذلك من خلال العدوان الإسرائيليّ على لبنان.

العدوان الإسرائيلي.

من أعظم النكسات التي حلّت بالجمهوريّة اللبنانيّة بعد استقلالها عام 1943م. هي نكسة عام 1948م. التي إحتلت بها العصابات الصهيونيّة قسماً كبيراً من الأراضي الفلسطينيّة وسبع قرى لبنانيّة وبعض المزارع الأخرى التي ضمتها إلى كيانها المسمى إسرائيل وطردها وتهجيرها لمئتي ألف من الشعب الفلسطينيّ وأبناء القرى والمزارع اللبنانيّة إلى الداخل اللبنانيّ. وقد وعدتهم آنذاك الجيوش العربيّة وجامعة الدول العربيّة بالعودة إلى ديارهم خلال أشهر قليلة. وذلك بعد إتفاقيّة الهدنة الموّقعة من الدول العربيّة و «دولة اسرائيل» زاعمين لشعوبهم أنَّ ذلك التهجير وتلك الإتفاقيّة كانتا إفساحاً في المجال للجيوش العربيّة حتى تقوم بتحرير فلسطين!!!.

ثُمّ ضاعف تلك المأساة الكبرى نكسة الخامس من شهر حزيران عام 1967م. التي أضاعت بها الدول العربيّة المقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة في القدس وفلسطين وجعلتها تحت اليد اليهوديّة. وأعطت فلسطين من البحر إلى النهر مع مرتفعات الجولان وصحراء سيناء وقناة السويس إلى الدولة الصهيونيّة.

وتلك النكسة زادت من آلام لبنان وجراحه، وكان لها آثار كثيرة أهمها الحرب الأهليّة اللبنانيّة في شهر نيسان 1975م. ودامت خمسة عشر عاماً بمخطط من وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكيّة هنري كيسنجر الذي خطط لها لتقسيم لبنان وجميع الدول العربيّة المحيطة بفلسطين وتهجير المسيحيين من لبنان ومن الدول المحيطة بفلسطين إلى الدول الأوروبيّة والأمريكيّة، وبالتالي خلق دويلات طائفيّة تكون مرجعيتها الدولة الصهيونيّة، وتوطين الفلسطينيين في لبنان وسائر البلاد العربيّة. وقد أتى الإجتياح الإسرائيلي لقسم من جنوب لبنان عام 1978م. لخلق دويلة سعد حداد كمقدّمة لتلك الدويلات في مخطط كيسنجر. وبعد إخفاق تلك الدويلة أتى الإجتياح الإسرائيليّ الثاني للبنان وللعاصمة بيروت عام 1982م. للقضاء على المقاومة الفلسطينيّة واللبنانيّة وحتى يكون لبنان رأس الحربة في المشروع الصهيونيّ!!...

وقد سجل الشعب اللبنانيّ بجيشه ومقاومته وبعض القادة من رجال الدين والسياسيين من جميع الطوائف منذ عام 1975م. ولغاية شهر أيار 2000م. أروع آيات العزّة والكرامة والنصر الذي حصل بفضل الله تعالى وببركات دماء أكثر من مائة ألف شهيد لبنانيّ يتقدّمهم النائب معروف سعد والنائب كمال جنبلاط والعلاّمة السيّد عباس الموسويّ والرئيس رشيد كرامي والنائب طوني فرنجيه والمفتي الشيخ حسن خالد وغيرهم، ولا ننسى أيضاً مئات الأسرى والمخطوفين والمفقودين لغاية تاريخه يتقدّمهم الإمام السيّد موسى الصدر، حيث اندحر العدو الإسرائيلي من لبنان دون قيد أو شرط ولأول مرة في تاريخ العالم العربيّ.

وقد قام آنذاك قائد المقاومة الإسلاميّة العلاّمة السيّد حسن نصرالله بزيارة رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة ورئيس الوزراء الشهيد رفيق الحريري ورؤساء الطوائف اللبنانيّة الكريمة وتقديم ذلك النصر هدية لهم وللجيش وللشعب اللبنانيّ وللوحدة الإسلاميّة والوطنيّة في لبنان.

وقد أتى العدوان الإسرائيلي الأخير بتاريخ الثالث عشر من شهر تموز 2006م. كرّد عسكري لم تشهد له المنطقة العربيّة مثيلاً من قبل، على هزيمة الجيش الإسرائيلي عام 2000م. وبمساعدة بعض الأنظمة العربيّة الخائفة من لبنان ومقاومته وشعبه!!!.

وكان صمود أهالي الجنوب والبقاع الغربيّ وأبناء محافظة بعلبك الهرمل وأبناء الضاحية الجنوبيّة لبيروت وتضامن سائر اللبنانيين معهم، هو كرّد أهل بدر من صحابة رسول الله (ص)، على طغيان قريش وجبروتها قبل أكثر من ألف وأربعمائة وثلاثين عاماً. حسبما عبرَّ عن ذلك العلاّمة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(قده)، في خطابه للمقاومة الإسلاميّة آنذاك.

وقد اندحر العدو الإسرائيلي بعد أكثر من شهر على عدوانه الغاشم وهو يجرُّ خيبات الأمل والهزيمة حيث إستطاعت المقاومة الإسلاميّة في لبنان وبمساعدة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة لها من أن تخلق حالة توازن الرعب بينها وبين العدو ولأوّل مرة في تاريخ الصراع العربيّ ـ الإسرائيليّ.

وقد فوجئ الشعب اللبنانيّ بجميع طوائفه وأطيافه بنزوح قرابة مليوني سوري إلى لبنان منذ ست سنوات من تاريخه، خلافاً للأنظمة والقوانين المرعيّة الإجراء في لبنان وخلافاً لقدرة لبنان وشعبه الإقتصاديّة وخلافاً للموازين الدوليّة. ودون إهتمام من الدول العربيّة بإستضافتهم حسبما تقتضيه مواثيق جامعة الدول العربيّة تاركين لبنان وشعبه أمام هذه المأساة الإنسانيّة الكبرى!!!.

وقد تفاقم الوضع أيضاً بوجود مئات التكفيريين بينهم بشكل عام وفي مدينة عرسال بشكل خاص خلافاً لرغبة أهالي عرسال ولجميع اللبنانيين. كما قد تضاعف الأمر بتحدي التكفيريين للجيش اللبناني ولقوى الأمن الداخلي بإغتيالهم وخطفهم للبعض وإستشهاد الآخرين من الجيش اللبنانيّ على أيديهم غيلة وغدراً. وقيامهم بالتالي بعمليات إرهابيّة ضد اللبنانيين في جميع المناطق اللبنانيّة.

وقد تدخل الوجهاء من أهالي عرسال أخيراً ومنهم الشهيد أحمد الفليطي، طالبين إليهم الإنسحاب من عرسال ولبنان إلى مناطق آمنة في شمال سوريا فرفضوا ذلك. وكانت الخطة التي قامت بها المقاومة الإسلاميّة في شهري تموز وآب 2017م. وبالتنسيق مع الجيش اللبناني والجيش السوري إنتصاراً جديداً للبنان بجميع طوائفه وأطيافه ولأهالي عرسال والبقاع على التكفيريين وقطعاً لدابر الفتنة بين اللبنانيين. وقد قام قائد المقاومة الإسلاميّة العلاّمة السيّد حسن نصرالله بعد هذا الإنتصار المبارك بإهداء هذا النصر الجديد إلى الجيش اللبنانيّ وإلى جميع اللبنانيين بطوائفهم وأطيافهم. وقد سادت الأفراح لبنان بعد ذلك وزادتهم تضامناً مع الجيش والمقاومة بإعلان يوم 28 آب يوم النصر وعيداً وطنياً للبنان.

العدوان على العراق

كما أتى الإجتياح الأمريكي مع حلفائه للعراق في شهر نيسان 2003م. إكمالاً لمخطط هنري كيسنجر بعد فشله الذريع في لبنان وذلك للقضاء على الجيش العراقي وعلى مؤسسات الدولة العراقيّة ولمصادرة الثروات الطبيعيّة في العراق وللقضاء على علماء الفيزياء النوويّة وسائر الأساتذة الكبار في الجامعات العراقية. ولخلق دويلات طائفيّة في العراق ولتهجير المسيحيين وسائر الأقليات الدينيّة من العراق. وكان وقوف المرجعيّة العليا للشيعة في العالم بشخصية الإمام السيّد علي الحسينيّ السيستانيّ (دام ظله)، مع علماء النّجف الأشرف في وجه ذلك الإجتياح وتلك المخططات سدّاً وحاجزاً منيعاً لإفشال تلك المخططات حيث حرّم الإمام السيستانيّ (دام ظله)، دماء العراقيين على بعضهم. كما حرّم تهجير وطرد المسيحيين وسائر الأقليات الدينيّة من العراق. وعندما أقامت بعض الأجهزة الإستخباريّة دويلة الخُرافة في الموصل والأنبار وشمال العراق، مُدعية أنّها دولة الخلافة الراشدة لرسول الله (ص)، تزويراً للواقع وللتاريخ الإسلاميّ أفتى الإمام السيّد السيستانيّ (دام ظله)، بوجوب القضاء على هذه الدويلة التي فعلت بيديها من الجرائم والموبقات بحقِّ الشعب العراقيّ ما لم يفعله جنكيزخان وهولاكو في بغداد عام 656هـ. الموافق 1258م. وكان في الختام النصر للشعب العراقي بجميع طوائفه وقومياته من خلال جيشه الباسل والحشد الشعبيّ الكريم على دويلة الخرافة في شهري تموز وآب 2017م. بفضل الله تعالى والتفاف الشعب العراقي بجميع أطيافه الكريمة مع الجيش والحشد الشعبيّ والقيادات العراقيّة حول مرجعيّة الإمام السيّد السيستانيّ (دام ظله)، والنّجف الأشرف.

العدوان على الأقصى

إنَّ المخطط اليهودي ضد بيت المُقدس والمسجد الأقصى قديم جداً وأوّل من حذّر من ذلك كان بطاركة القدس الّذين سلّموا مفاتيح «إيليا ـ اورشليم» للخليفة عُمر بن الخطاب قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام واشترطوا عليه كما جاء في الوثيقة الموّقعة بين الطرفين والمعروفة بالوثيقة العُمرية.: أن لا يأذن المسلمون لليهود بالدخول إلى اورشليم لأنّ اليهود أعداء الله تعالى وأعداء السيّد المسيح.

وكان من أهم أهداف اليهود في نكسة الخامس من شهر حزيران 1967م, هو الإستيلاء على القدس وهدم المسجد الاقصى المبارك. وبناء هيكل سليمان مكانه. ولأجل ذلك قاموا بخطوات كثيرة خلال خمسين عاماً منها إحراق المسجد من قبل أحد المستوطنين، ومنها بناء نفق تحته وبناء مكاتب للحكومة الصهيونيّة بها. ومنع المُصلّين الشباب من الصّلاة فيه وتهجير المسلمين والمسيحيين من القدس وهدم الكثير من بيوتهم. وإفساح المجال لليهود للصلاة في المسجد الأقصى تحت حراسة جنودهم. وأخيراً منع مُوظفي المسجد وائمته والمصلين من الدخول إلى المسجد إلاّ من خلال بواباتهم الإلكترونيّة وغيرها من اجراءات تعسفيّة. عندّها تصدّت المرجعيات الإسلاميّة في بيت المقدس وفلسطين للإفتاء بحرمة الصلاة في المسجد من خلال الرضوخ لتلك الإجراءات.

وكان لتجاوب الشعب الفلسطيني في جميع أنحاء فلسطين مع هذه الفتوى الكريمة الأثر الحميد والطيب بعد سقوط الشهداء وعشرات الجرحى. حيث كان الإنتصار المبارك في أواخر شهر تموز 2017م. بفتح أبواب المسجد المبارك أمام الشعب الفلسطينيّ وتراجع حكومة العدو الصهيونيّ عن قرارها الأخير.

العدوان الصهيونيّ على سوريا

والعدوان الإسرائيليّ على سوريا كان قبل خمسين عاماً في الخامس من شهر حزيران حيث إغتُصبت أراضي هضبة الجولان السوريّة ومزارع شبعا وتلال مركبا وكفرشوبا وقرية الغجر اللبنانيّة، وهي أراضٍ غنيّة بالمياه وتعتبر الرافد الأوّل والأساس للينابيع والأنهر في فلسطين كاليرموك والأردن والحاصباني وبحيرة طبريا وغيرها من مصادر مائيّة في فلسطين. وبعد إحتلال الولايات المتحدة الأميركيّة للعراق في شهر نيسان 2003م. حاولت تطبيق مُخطط كيسنجر في سوريا بعد فشلها في لبنان. وخير شاهد على ما نقول هو أنّ عدد المسيحيين بجميع طوائفهم في سوريا كان أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد يتجاوز المليون وخمسمائة ألف نسمة، وأمّا في أيامنا هذه فلا يتجاوز عددهم المائة ألف. وقد قام التكفيريون بنهب وتخريب معظم الآثار المسيحيّة في سوريا والقضاء على الأقليات. وارتكبوا مجازر كبرى بحقِّ جميع من خالفهم العقيدة والرأي وغير ذلك من أعمال يندى لها الجبين.

وقد إستطاع الشعب السوري الشقيق بجيشه وقيادته وتحالفه مع الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة والمقاومة الإسلاميّة في لبنان وخلال خمس سنوات من تحرير مُعظم المدن والقرى والقواعد العسكريّة السورية من أيدي التكفيريين. كما استطاعت الحكومة السوريّة عقد مصالحات شعبيّة مع القبائل والعشائر العربيّة والكرديّة أعادت بها السلام والفرح والسرور إلى قلوب السوريين العائدين إلى قراهم ومدنهم.

وفي الختام، لا ننسى فضل الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران وقيادتها الحكيمة على ذلك كله. منذ فجرها الأوّل على يدي الإمام السيد الخمينيّ (قده)، وخليفته الإمام السيّد الخامنئي (دام ظله)، بتأييد ومساعدة الشعوب المستضعفة في العالم بشكل عام والشعب الفلسطينيّ بشكل خاص لتحقيق رغبتهم في الحرية والكرامة.

 

 

الإمام السيّد علي الحسينيّ السيستانيّ (دام ظله)