الكذب، وكذبة أوّل نيسان

09/04/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

أصبح الكذب وأضحى المائدة المفضلة لكثير من النّاس في بلادنا العربيّة والإسلاميّة، حيث يجلسون حولها كُلّ يوم عدّة مرات للمفاكهة والمسامرة، ولتدبير المؤامرات وحياكة المخططات. صغاراً وكباراً، ذكوراً وأُناثاً، شيباً وشباباً، أغنياءً وفقراءً، قادة وزعماء، قُضاة وعسكريين، رؤساء وزعماء، رجال دين، ورجال حقوق ورجال أعمال، تجاراً ووكلاء، أصحاب بنوك وشركات ومؤسسات، أساتذة جامعات ومؤرخين، وعلماء وكتّاب، فنانين وفنانات ومن جميع طبقات المجتمع.

وكان ظهور الكذب في التأريخ الإسلاميّ والعربيّ بظهور طبقة المنافقين أيام رسول الله(ص)، حيث وصف القرآن الكريم المنافقين بالكذبة، قال الله تعالى:}إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ  اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ سورة المنافقون، آية:1و2.

وقال الله تعالى:لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا سورة الأحزاب، آية:24.

والأحاديث الشريفة الواردة في ذم الكذب وأهله كثيرة سوف نورد منها حديثين في هذه العُجالة:

1ـ عن عليّ بن الحسينL، قال:}إتقوا الكذب، الصغير منه والكبير، في كلّ جدٍّ وهزل، فإنّ الرجل إذا كذب في الصغير إجترأ على الكبير. أمّا علمتم أنّ رسول الله(ص)، قال: ما يزال العبد يصدق حتى يكتبه اللهُ صدّيقاً، وما يزال العبد يكذب حتى يكتبه الله كذاباً(1){.

2ـ عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبQ، أنّه قال: الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يَضُرَّكَ، على الكذب حيث ينفعك، وألا يكون في حديثك فضل عن عملك، وأن تتقي الله في حديث غيرك (2).

فالكذب هو من الأمراض الخبيثة الخطيرة التي تفتك بمجتمعاتنا العربيّة بمختلف طبقاتها وألوانها وأحزابها ومشاربها إذ أنّها تلبس الحقَّ ثوب الباطل، والباطل ثوب الحقِّ.

ومن أهم العلوم التي إهتمَّ بها السلف الصالح من علماء المسلمين للإبتعاد عن الكذب هي علوم: الحديث، والدراية، والرجال أي ما إصطلح عليه عند الجمهور بعلميّ الحديث والجرح والتعديل، وعلم أصول الفقه، ومن شأن هذه العلوم تهذيب وتنقيّة التراث والآثار الإسلاميّة، وبيان الصحيح من الضعيف منها، وفتح باب الإجتهاد في الشريعة الإسلاميّة.

وقد إهتمّت بهذه العلوم ثلّة كريمة من علماء المسلمين في لبنان في القرن العشرين كان في طليعتهم: الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين الموسويّ{، والمرجع الدينيّ آية الله العظمى العلاّمة السيّد مُحمّد حسين فضل الله{، والمرجع الديني آية الله الشيخ محمد تقي الفقيه{، والعلاّمة السيد هاشم معروف الحسنيِّ{، وآية الله الشيخ عبد الله نعمه{، وآية الله الشيخ مُحمّد مهدي شمس الدين{، والمرجع الديني آية الله السيد حسين يوسف مكّي{، والدكتور الشيخ صبحي صالحM، وغيرهم من الأعلام، وغايتهم في ذلك هي محاربة الكذبة والوضّاعين في التأريخ الإسلاميّ، وإظهار الوجه الناصع للإسلام لأبنائه وللآخرين، ومحاربة الغلو والغلاة، والتعصب والعصبيّة المذهبيّة بين المسلمين، ومحاربة التعصب الأعمى ما بين المسلمين والمسيحيين وسائر الأديان الأخرى.

غير أنّ الإهتمام بالعلوم الآنفة الذكر عند المسلمين في مطلع القرن الواحد والعشرين كاد أن يخفت صوته، ويجفَّ قلمه وتعلو عليه أصوات الأغبياء والحمقى ممن ليس لهم باع في تلك العلوم، ولا شيء عندهم سوى صوت التكفير لمن لا يرى رأيهم من باقي المذاهب الإسلاميّة!!. نعم تابع مسيرة أولئك الأعلام الأفذاذ(رحمهم الله تعالى)، ثلةٌ أخرى قليلة من الأعلام من الشيعة والسُنّة.

كذبة أوّل نيسان:

ولعلّ ما يواجهه الباحث عندما يرى بعض الأشخاص المحترمين في مجتمعاتنا العربيّة والإسلاميّة لا يتورعون عن الكذب في أوّل نيسان(ابريل) بحجّة أنّها كذبة بيضاء المقصود منها المرح واللهو والدعابة ولا شيء غير ذلك. إذ أنّ هؤلاءِ النّاس يرون أنّ الكذب في القضايا الصغيرة لا بأس به ما زال لا يؤثر عليهم فلنرجع إلى السبب التأريخيّ لكذبة أوّل نيسان.

تعود القضيّة إلى إقدام البابا غريغوريوس في عام 1562م بإصدار تقويم ميلادي جديد. وقد عُرِفَ ذلك التقويم بإسمه: (التقويم الغريغوري) حيث إعتبر بداية رأس السنة الميلاديّة هو الأوّل من كانون الثاني(يناير) من كل عام مُلغياً بذلك التقويم الجولياني القديم الذي كان يعتبر أوّل السنة الميلاديّة هو الأوّل من شهر نيسان (إبريل) بداية رأس السنة الميلاديّة حيث كانت الإحتفالات تبدأ كُلَّ عام من 25 آذار إلى أوّل نيسان من كل عام.

وأوّل ملوك أوروبا الذي طبق التقويم الجديد كان ملك فرنسا شارل التاسع ثُمّ تابعه في ذلك ملك إنكلترا وغيرهما من الملوك.

وقد رفض بعض الجماعات الأوروبيّة ذلك التغيير في التقويم الميلاديّ، وإستمروا بإحتفالاتهم برأس السنة الميلاديّة في الأوّل من شهر نيسان إبريل من كل عام مما أدى إلى تصنيفهم بالحمقى من قبل عامّة النّاس. وأصبحوا عُرضة للسخريّة والإستهزاء حيث جرت العادة في مثل هذا اليوم على تعليق سمكة ورقيّة صغيرة على ظهور أولئك الرافضين للتقويم الجديد. حيث أُطلق على أولئك المخدوعين سمك إبريل. حيث أنّ السمك الصغير يكون ساذجاً ويسهل إصطياده(3).

وقد أخذت كذبة نيسان بعد ذلك بُعداً عالمياً، وأصبح كل بلد يحتفل بها على طريقته الخاصة.

وبعد هذا وذاك ما أحرانا في عالمنا العربيّ والإسلاميّ من إحترام تراثنا الإسلاميِّ والعربي بالرجوع إلى علوم أصول الفقه، والدراية والحديث، والجرح والتعديل لنفتح باباً للإستنباط والإجتهاد في الشريعة الإسلاميّة، وللدفاع عن الرسول وأهل بيته الأطهار(عليهم أفضل الصلاة والسّلام)، وعن الصحابة الكرام(ص)، مما لحق بهم من الوضع والضّاعين، ولفتح صفحة جديدة من المحبة والتعاون بين المذاهب الإسلاميّة، وما بين المسلمين والمسيحيين في القرن الواحد والعشرين، ولمحاربة الكذب والكذبة من الصغار والكبار، والعامّة والخاصّة.

وما أحرانا في لبنان وفي عالمنا العربيّ والإسلاميّ من أن تكون لنا أيام للصدق لمحاسبة أنفسنا على أيام قضيناها نخوض بالباطل والكذب على النّاس وعلى أنفسنا قبل الوقوف بين يدي الله تعالى.

   (رئيس التحرير)