الثقة بالله تعالى والتوكل عليه

14/7/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

إنَّ ما يعانيه كلُّ لبنانيّ بل كلُّ عربيِّ في القرن الواحد والعشرين، من آلام وأحزان على مصيره ومصير أحبائه وأقربائه، بل على مصير بلده، تجعلنا ننشد القصائد ونتغنى بأيام أجدادنا وأسلافنا التي عاشوها في محاربتهم للإستعمار البريطاني والفرنسي والمنظمات الصهيونيّة في بلادنا العربيّة.

إذ كان الأجداد والأسلاف يتفقون على جميع المبادئ والمثل العليا للأخلاق التي جاءت في القرآن الكريم

وكلام السيّد المسيح(ع)، والتي نادت بها شرعة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. نعم كانوا يختلفون على بعض التفاصيل الصغيرة التي لا تمسُّ تلك المبادئ أبداً.

كما أنّ ضعف الأسلاف في عدم إمتلاكهم للتكنولوجيا والعلوم الحديثة حدا بهم لإنشاء الجامعات الحديثة في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وكان من أهمها جامعة الملك فؤاد الأوّل والتي تحولت إلى جامعة القاهرة في مطلع القرن العشرين وكلية الفقه في النجف الأشرف وغيرها من مؤسسات تعليميّة لا زلنا نقطف ثمارها لغاية أيامنا هذه. كما أن ضعفهم في مقاومة الأساطيل البحريّة والطائرات والمدرعات وحاملات الجنود جعلتهم ينظمون حرب العصابات لطرد أولئك المستعمرين ولمقاومة المنظمات الصهيونيّة في فلسطين. كما أنّ ضعفهم أمام الحملات الإعلاميّة التي كانت تقوم بها بريطانيا العظمى وفرنسا وايطاليا واسبانيا في الصحف والمجلات والإذاعات آنذاك جعلتهم ينظمون النشرات السريّة في بلادنا العربيّة ويفتتحون الصحف العربيّة في باريس ونيويورك وبلاد الإغتراب يتكلمون بها عن حقوق شعوبهم العربيّة في الحرية والكرامة والسيادة. وكان السبَّاق في هذا المضمار الصحافي اللبنانيّ والصحافي المصريّ. وكان ذروة تلك الصحف «العروة الوثقى» التي كانت تصدر من باريس ويشرف عليها حكيم الشرق السيد جمال الدين الحسينيّ الأسدآبادي الأفغاني والإمام الشيخ محمد عبده، حيث كان يكتب بها أحرار اللبنانيين والمصريين من مسلمين ومسيحيين. كما لا ننسى أيضاً مجلة «العرفان» التي كان يصدرها الشيخ أحمد عارف الزين وصحبه الأخيار من سُنَّة وشيعة ومسيحيين عام 1909م، في صيدا. واستمرت في الصدور، وحتى نهاية القرن العشرين، وغيرها من مجلات وصحف مباركة.

أمّا في أيامنا هذه فإننا نرى أن بلادنا العربيّة تمتلك أعظم وأقوى شبكات الإعلام المرئيّة والمسموعة والمقروءة على الإطلاق، غير أننا نرى أن 97٪ من هذه الوسائل قد تحولت إلى أبواق دعائيّة لزعماء وأمراء عرب، أو أداة تحريض طائفيّة تبث سموم التفرقة بين المواطنين، أو أنّها تبثُّ الأفلام والمسلسلات التي تشجع النّاس على الفحشاء والمنكر والرذيلة، أو تشجع على سلوك طريق السحر والشعوذة من خلال الكلام حول الأبراج وقراءة المستقبل، أو أنّها تفسرُّ القرآن الكريم والسُنّة الشريفة بقراءات بعيدة عن العلم الحديث والموضوعيّة العلميّة ومنهجيّة علماء النجف الأشرف أو الأزهر الشريف لذلك كله وأمام هذا فليس لنا إلاّ الرجوع إلى الله تعالى حيث يقول: }وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ{ سورة الأعراف، آية:96.

وقال الله تعالى، عن هذه الفئات الضالة من النّاس والّذين إتخذوا من الدول الكبرى والمال وأصحابه أولياء لهم دون الله تعالى ولم  يرجعوا إلى تراثهم في مكارم الأخلاق: }مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ{ سورة العنكبوت، آية:41.

بعد هذه المقارنة بين الماضي والحاضر ليس لنا إلا الرجوع إلا لله عزّ وجل، والتوكل عليه والثقة به طلباً لهدايته ورحمته في الدُنيا والآخرة.

قال الله تعالى: }وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا{ سورة الطلاق، آية:3.

وقد جاء في خطبة لرسول الله محمّد(ص)، قوله: «والذي لا إله إلا الله، ما أعطي مؤمن قط خير الدُنيا والآخرة إلا بحسن ظنه بالله، ورجائه له، وَحُسن خُلقه، والكف عن إغتياب المؤمنين»(1). 

كما جاء في كلام أمير المؤمنين عليِّ بن ابي طالب(ع)، قوله: «الثقة بالله وحسن الظنِّ به حصن لا يتحصن به إلا كل مؤمن، والتوكل عليه نجاة من كل سوء وحرز من كل عدو»(2).

والذي نراه في أيامنا هذه يسير على خطى الأبطال من الأسلاف في مقاومتهم للصهيونيّة والإستعمار ويثقون بالله تعالى، وبنصره للمؤمنين ويتوكلون عليه في حفظ عيالهم وأطفالهم في غيابهم عنهم هم أهل الثغور المجاهدين وأبطال المقاومة في جنوب لبنان وفلسطين المحتلة وغزة والّذين يبتعدون عن الغيبة والنميمة والبهتان وشهادة الزور من خلال الإعلام المزيف والمأجور.

ويشارك هؤلاء الأبطال في الأجر والثواب في الآخرة والنصر في الدُنيا جميع اللبنانيين والعرب والمسلمين الّذين يساعدونهم بالكلمة الطيبة أو بالمال أو السلاح.

وأعظم هذه الإنتصارات لأولئك الأبطال كانت في 25أيار عام 2000م، وفي الوقوف في وجه عدوان تموز 2006م، وما حققه أهالي غزة في هذا القرن من إنتصارهم على العدوان الصهيونيّ عليهم في عام 2008م.

وبعد، نصيحتنا لتلك الأبواق الإعلاميّة التي تكلمنا عنها آنفاً هي: الصدق والموضوعيّة وعدم تشويه الحقائق، ونصيحتنا للوسائل الإعلاميّة النظيفة هي الإقتداء بمجلة «العروة الوثقى «وغيرها من صحف ومجلات كانت تصدر في الوطن والمهجر ويحاكم أصحابها من قبل الإستعمار وتعلق مشانقهم أمام النّاس كما حصل لشهداء 6 أيار 1916م، في بيروت ودمشق(3).

وأمّا الحديث عن نصرة الشعب الفلسطيني المجاهد، ونصرة أهل الثغور المجاهدين من أبطال المقاومة في لبنان، وإنتفاضات الشعوب العربيّة التي تطالب بحقوقها الشرعيّة في الحياة الحرّة الكريمة بالكلمة الطيبة والاعلام النزيه والصادق فهذا واجبٌ شرعيٌ ووطنيّ يقودنا إليه إيماننا بالله تعالى والتوكل عليه والثقة بنصره للأحرار الشرفاء في العالم ولو بعد حين، وذلك مصداقاً لقول الله تعالى: }أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء  تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ  وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ{ سورة إبراهيم، آية:26ـ27.

 

(رئيس التحرير)