حوار خاص مع العلاّمة السيّد علي فضل الله

العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

حول وصيّة العلاّمة المرجع فضل الله{

بالانفتاح والحوار

بمناسبة الذكرى السنوية الثانيّة لرحيل العلاّمة المرجع آية الله العظمى السيّد محمد حسين فضل الله(قده) في الرابع من تموز 2010م. وبمناسبة عودة نجله العلاّمة السيّد علي فضل الله(دام حفظه)، من رحلة زار خلالها استراليا والجالية اللبنانيّة فيها ومؤسسات جمعيّة المبرّات الخيريّة في تلك البلاد كان هذا اللقاء مع سماحته حول ذلك وحول مشروع المركز الإسلاميّ التابع لجمعية المبرّات الخيريّة في جبيل.

 

إكمال المسيرة

سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، لقد ترك غياب سماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض) فراغاً كبيراً على الساحتين الإسلاميّة والوطنيّة. كيف نستطيع إكمال مسيرته في ظلّ ما نشهده من أجواء توتّر مذهبيّ وشحن طائفيّ؟

ـ كان سماحته يعيش هاجس الوحدة الإسلاميّة وهاجس الوحدة الوطنيّة، لذلك عمل بكلّ جهده وطاقته من أجل تعميق الوحدة الإسلاميّة على المستويات كافّةً. وإذا أردنا أن نكمل هذا الخطّ وهذه المسيرة، علينا أن نتابع العمل على تعزيز الوحدة الإسلاميّة وتعميقها وتأصيلها في النّفوس، ولا سيّما في هذه الظّروف الّتي يُعمل فيها على إنتاج الفتنة المذهبيّة، وجعلها طابع هذه المرحلة، من أجل تمزيق صفوفنا وشرذمتها، وتشتيت مواقع القوّة عندنا، لتمرير مشاريع تفتيتنا من قبل الّذين لا يريدون خيراً للعالم العربيّ والإسلاميّ. والمطلوب منّا جميعاً، توحيد الطّاقات والجهود، وأن نعمل بإخلاصٍ وجهدٍ وحركيّةٍ لحماية هذه الوحدة، عملاً بوصايا سماحته..

كما علينا ألا ننسى العمل على الحوار الإسلامي ـ المسيحي، وتأكيد هذا الحوار، لأنّه من الأهداف الّتي سعى سماحته إليها، وحرص على أن يشمل القاعدة، وأن لا يبقى في المواقع العليا. وقد عمل سماحته على هذه الأهداف من خلال اللّقاءات والحوارات والمحاضرات والخطب. وقد وثّق ذلك من خلال كتاب «آفاق الحوار الإسلامي ـ المسيحي».

ومن هنا، علينا نحن في هذا البلد أن نعمل جميعاً، مسلمين ومسيحيين، على اللّقاء والتّحاور والانفتاح، لسدِّ أبواب الفتن الّتي تحاك من أجل إغراقنا في وحولها، وأن لا نجعل لبنان الرّئة الّتي تتنفّس منها مشاكل المنطقة، وخصوصاً أنّ ما يجمع اللّبنانيّين أكثر بكثير مما يفرّقهم.

فإذا أردنا أن نتابع مسيرته، علينا أن نعمل للإنسان في هذا البلد، من خلال تأمين حاجاته ومتطلّبات العيش الكريم، لكي يملك القدرة على مواجهة التحدّيات والمخاطر والمخطَّطات الّتي تريد أن تنال من عزيمته وقوَّته، وتجعله ينهار أمام عواصف ورياح المؤامرات الّتي تحاك لهذا البلد. وهكذا نكون مخلصين وأوفياء لمسيرة سماحته ولخطّه ووصاياه.

زيارة أستراليا

سماحتكم قمتم بزيارةٍ إلى أستراليا؛ هل لكم أن تضعونا في أجواء هذه الزّيارة وأوضاع الجالية اللّبنانيّة هناك؟

ـ ربما تجد لبنانيّين في الخارج أكثر من الدّاخل. وللأسف، فاللّبنانيّون عندما تتوفّر لهم أيّ فرصة للهجرة وإلى أيّ بلد، تجدهم لا يتردَّدون في السّفر. وكم كنّا نتمنّى أن يبقى اللّبنانيّون في وطنهم، ولكنّ الأسباب الّتي تدفع بهم إلى السّفر كثيرة، وخصوصاً من أجل تحصيل لقمة العيش، وتأمين مستقبلهم ومستقبل أولادهم. لذلك رأينا من واجبنا القيام بهذه الزّيارة، والتّواصل عن قرب مع هذه الجالية العزيزة والكريمة. وكم شعرنا بالفخر والاعتزاز مما رأيناه من تواصل وانفتاح بين اللّبنانيّين على مختلف مذاهبهم وطوائفهم، وتمنّينا أن تنتقل هذه الرّوح والتّجربة إلى لبنان.

ومن هنا، فإنّ من الضّروريّ أن تكون لدى هذه الجالية مدارس ومؤسّسات، من أجل الحفاظ على هويّتهم وانتمائهم وثقافتهم، خشية أن يفقد هذا الجيل هذه الأصالة والقيم الّتي ينبغي المحافظة عليها. ونحن لا نريد أن نذوب في الآخرين، بل نريد أن يستفيد الآخرون من قيمنا ومبادئنا الّتي نعتبرها حلاً للبشريَّة، ولا سيّما أنّنا نؤمن بأنّ القيم الدّينيّة وحدها هي الكفيلة بإيجاد الحلول للمشاكل الّتي تعاني منها البشريَّة.

ونحن لدينا في أستراليا عدّة مؤسّسات، أوّلها جمعيّة المبرّات الّتي أسّست المركز الإسلاميّ  ومسجد الرّحمن الّذي يقوم بإحياء المناسبات الدّينيّة المختلفة، إضافةً إلى إذاعة محليّة وجريدة تثقيفيّة. ونحن نعمل على إنشاء مجمع رياضيّ يكون ملتقى للجالية، فضلاً عن مدرسة ومقبرة. بالطّبع يوجد هناك مشاريع تربويّة وثقافيّة وإسلاميّة لجمعيّات أخرى. وفي هذا، يلفتك الشّعور بالألفة والمحبّة الّذي يجمع اللّبنانيّين، وبالتّواصل بينهم، خصوصاً أنّهم يسكنون في أحياء واحدة.

جبيل: ملتقى التّعايش

ما هي توجّهاتكم للمركز الإسلامي الثّقافي في جبيل، الّذي وضع المرجع فضل الله حجر الأساس له؟

ـ بدايةً، كلّ الشّكر والتّقدير لأهل جبيل على جهودهم وعطاءاتهم في دعم هذا المركز، ورعايته والحضور إليه في مختلف المناسبات الّتي تقام فيه، كما نشكر كلّ الخيّرين الّذين ساهموا في رفد هذا المركز ودعمه، ولا سيّما أنّ لمنطقتي جبيل وكسروان مكانة كبيرة عند سماحته، وهو كان يتابع شخصيّاً كلّ الأمور التي تتعلّق بإنشاء هذا المركز، وإن شاء الله، نتابع نحن وإيّاكم مسيرة هذا المركز، فننتهي من إنجاز الأقسام الباقية، لأنّ في ذلك إدخال السرور والفرح على قلب سماحته في عليائه.

وأخيراً، نتمنَّى أن تبقى جبيل ملتقى لكلّ الطّوائف والمذاهب، ونموذجاً للعيش المشترك، وللتَّواصل والانفتاح والمحبَّة.

أجرى الحوار:

مدير التحرير المسؤول