حوار خاص مع الدكتور السيّد محمد باقر فضل الله

18/1/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

مدير التحرير المسؤول الدكتور الشيخ أحمد قيس

جمعية المبرّات الخيرية ومؤسسها سماحة العلامة المرجع آية الله العظمى السيّد مُحمّد حسين فضل الله(رض) لهما في قلوب أبناء بلاد جبيل والفتوح وشمال لبنان المحبة والشكر والتقدير لأياديهم البيضاء التي امتدّت بالعطاء الثقافيّ والإسلاميّ والخيريّ منذ خمسة وثلاثين عاماً، عن طريق إنشاءِ مركز أهل البيت(ع) ومسجد المصطفى(ص) في بكمرا ـ الكورة، ومسجد الإمام عليّ بن أبي طالبQ ومدرسة رسول المحبة(ص) والمركز الإسلاميّ في مدينة جبيل، إضافة إلى عدّة مساجد وحسينيات أخرى في شمال لبنان وبلاد جبيل والفتوح.

وكان هذا اللقاء مع سعادة المدير العام للجمعيّة الدكتور السيّد محمد باقر فضل الله في أواخر شهر كانون الأول 2012م، مُستقبلين العام الجديد، لإعطاء القارئ نظرة عن تاريخ هذه الجمعيّة وحاضرها ومستقبلها، وعن نظرتها للمسلمين الشيعة في بلاد جبيل والفتوح وشمال لبنان.

كان لإنطلاقة جمعيّة المبرّات الخيريّة عام 1978م. في الضاحيّة الجنوبيّة على يديّ العلاّمة المرجع آية الله العظمى السيّد مُحمّد حسين فضل الله(رض)، دور كبير في زرع الأمل في قلوب آلاف الأرامل واليتامى والفقراء والمساكين، في جميع أنحاء لبنان وخارجه، من خلال بناء المؤسسات الثقافيّة والتربويّة والاجتماعية والصحيّة والمهنيّة. فكيف كانت تلك البداية؟

ـ إنطلقت جمعيّة المبرّات الخيريّة من رحم المعاناة أيام الحرب اللبنانيّة حيث تداعى سماحته(رض) مع مجموعة من العلماء لمعالجة قضيّة الأيتام الذين ازدادت أعدادهم بسبب تلك الحرب. وكان ذلك بتوجيه من المرجع الدينيّ الأعلى الإمام السيّد أبو القاسم الموسويّ الخوئيّ{ ومساعدته، حيث تم إستئجار مكان للأيتام في الضاحيّة الجنوبيّة لبيروت، وبقي الأمر على ذلك لمدّة عامين أو أكثر، إلى أن اشترت الجمعية أرضاً في دوحة عرمون وبنت مبرّة ومدرسة الإمام الخوئيّ، ومن ثمّ توالى البناء حتى أصبح عدد الأبنية في المبرّة خمسة.. ولكن أيام الاجتياح الإسرائيليّ للبنان عام 1982م، توقفت المبرَّة عن العمل، بعد قيام جيش الاحتلال باتخاذها مركزاً له. وبعد الانسحاب الإسرائيليّ باشرنا الترميم والتجهيز ثم الانتقال من مبرّة صفير في الضاحية الجنوبية إلى المبرة في الدوحة عام 1985م. ومع تكاثر عدد الأيتام، عملت الجمعيّة وفق خطة جديدة غير معروفة سابقاً في لبنان، إذ كان المتعارف إبقاء الأيتام في غُرفة كبيرة كالقاووش وتكليف ناظر أو ناظرة بالإشراف على الأولاد... والإجراء الجديد الذي اتخذته الجمعيّة كان تقسيم الأيتام إلى أُسر مؤلفة من عشرة إلى عشرين طفلاً يُشرف عليهم مُربٍّ أو مُربيّة يطبقون برنامجاً تربوياً ملائماً لرعاية الأيتام. كذلك اهتمت المبرّات بالجانب التعليمي والصحيّ والغذائيّ للأيتام وبالنشاطات الثقافيّة والرياضيّة. ولم يكن هناك اهتمام سابق في هذه القضايا في المؤسسات الرعائية قبل مبادرة المبرّات. وهكذا اتسعت المبرّات ليصبح عددها تسع، ولتضمُّ أربعة آلاف يتيم ويتيمة.

وكان للمبرات، أيضاً، اهتمام بالجانب التعليميّ، بعدما تدنّى المستوى التعليميّ للطلاب في لبنان أيام الحرب اللبنانيّة. والبداية كانت مدرسة الإمام الخوئي{ في الدوحة ومدرسة مماثلة في الهرمل، إلى أن أصبح عدد المدارس حالياً خمس عشر مدرسة أكاديمية وخمسة معاهد مهنيّة وفنيّة، تضمُّ اثنين وعشرين ألف طالب وطالبة. وقد تميّز تلامذة المبرّات وطلابها بالنجاح، سواء في الإمتحانات الرسمية أو في امتحانات الدخول إلى الجامعات الخاصة، أو في امتحانات الدخول إلى كليات الجامعة اللبنانيّة أو في الوظائف الرسميّة أو الأعمال الحرّة. كما كان لجمعيّة المبرّات دور في تأليف الكتب وفق المناهج الجديدة لوزارة التربيّة، ووفق منهاج التربيّة الإدماجيّة، وكذلك كان لها دور في تأليف الكتب الإسلاميّة التربويّة، علاوة عن تواصل المبرّات الفعّال مع المدارس المتنوعة.

على صعيد ذوي الاحتياجات الخاصة، قصد سماحة العلاّمة المرجع السيّد فضل الله(رض)، جماعة من الطلاب المكفوفين عام 1986 أيام الحرب اللبنانيّة وطلبوا منه إيجاد مدرسة خاصة بالمكفوفين بعد أن إنقطعت بهم السبل ومنعتهم من متابعة دراستهم في مناطق أخرى من لبنان، فتجاوب سماحة السيد (رض) مع طلبهم، وكان معهد الإمام الهادي(ع) للمكفوفين عام1988 في شقة مُستأجرة في الضاحيّة الجنوبيّة، ليتحوّل بعد ذلك، إلى مؤسسة الهادي للإعاقة السمعية والبصرية واضطرابات اللغة والتواصل. وتضمّ هذه المؤسسة مدرسة «الرجاء» للصمّ، ومدرسة «النور» للمكفوفين ومدرسة «البيان» لذوي الاضطرابات اللغوية والنطقية. وقد طلبنا من وزارة التربيّة إجراء الإمتحانات للطلاب من ذوي الإحتياجات الخاصة فاستجابت للطلب.

على المستوى الصحي، كان لجمعيّة المبرّات دور كبير في المجال الصحيّ من خلال مُستشفى بهمن في الضاحيّة الجنوبيّة، ومن خلال مراكزها الصحيّة الأخرى، وأهمها دار الأمان لرعاية المُسنّين في بلدة العباسيّة في الجنوب وهي آخر مؤسسة زارها سماحة العلاّمة المرجع السيّد فضل الله(رض)، قبيل وفاته بثلاثة أشهر.

وللمبرّات أيضاً دور على الصعيد الثقافي الإسلامي، من خلال إنشائها المساجد والمراكز الثقافية ورعايتها. وأبرز هذه المراكز، مسجد الإمامين الحسنينL وقاعة السيدة الزهراء(ع) والمركز الثقافيّ الإسلاميّ في حارة حريك، ومسجد الإمام عليّ بن أبي طالب(ع) في جبيل، هذا المسجد الذي أراد له سماحة السيّد(رض) أن يكون مسجداً منفتحاً على قضايا المنطقة واهتماماتها.

استمرار جمعيّة المبرّات الخيريّة في عطائها بعد مرور أكثر من عامين على وفاة المؤسس(رض)، وافتتاح بعض المساجد والمشاريع الخيريّة والثقافيّة في لبنان وخارجه دليل على مصداقية أطروحة المؤسسة المرجعيّة التي كان يمثلها سماحته خير تمثيل. وأملنا كبير في جمعيتكم المباركة أن تحتضن آمال المسلمين الشيعة في فتوح كسروان وبلاد جبيل وشمال لبنان بإكمال مشروع المركز الإسلاميّ الثقافيّ في مدينة جبيل، أي إكمال الحسينيّة والثانويّة والمستوصف والديوانيّة، وغيرها مما جاء في مُخطط المشروع كما رسمه مكتب سنابل للهندسة التابع للجمعية، فهل لهذه الآمال والأماني جواب من سيادتكم؟

ـ سماحة العلاّمة المرجع السيّد فضل الله(رض) كان يتميّز عن سواه بأطروحته المرجعية، وبمؤسسات المبرّات الخيريّة في لبنان وخارجه, وبالأشخاص الذين عملوا معه والذين ترك المجال لهم للمبادرة الفرديّة، وبحيازته على ثقة المحسنين الكرام الذين كانوا يرون ثمرات تقديماتهم من حقوق شرعيّة وخلافه وقد أصبحت مشاريع وصدقات جارية. وكما تعلمون، لقد كان اهتمام سماحته(رض) ببلاد جبيل والفتوح وشمال لبنان كبيراً، وكان يتابع الوضع في تلك المناطق بشكل حثيث، ويلاحق مشاكلها الاجتماعية والتنموية والدينية، ويحمل هموم ناسها بصفته الأب الرؤوف والمرجع الصالح، وقد استجاب لطلب القاضي الشيخ يوسف عمرو وبعض الأخوة في المنطقة ببناء مسجد الإمام عليّ بن أبي طالب(ع) الذي سوف يستكمل، إن شاء الله، في المستقبل القريب بافتتاح الحسينيّة والقاعة والمدرسة المتوسطة والثانويّة. وكان السيد (طيّب الله ثراه) يتابع سير العمل بنفسه ويسأل عن تفاصيل المشروع كلّ يوم.

لقد كان لكم ولرئيس الجمعية سماحة العلاّمة السيّد عليّ فضل الله إطلالات مميزة على المراكز التابعة لجمعيّة المبرّات الخيريّة في شمال لبنان وبلاد جبيل والفتوح، فهل ننتظر منكم إطلالات جديدة ومشاريع تربوية وإنتاجيّة جديدة تحتاجها المنطقة؟.

ـ هذه البلاد الطيبة التي لها تاريخ مُشرق، كان لها في قلب سماحة العلاّمة المرجع السيّد فضل الله(رض) الإهتمام والرعاية والمحبّة. وسوف تبقى في القلب والعقل والوجدان، من خلال المحافظة على الأصالة والإنفتاح على المجتمعات الأخرى، ومن خلال التعاون والإستفادة من تجارب وأفكار الأخوة الطيبين في هذه البلاد، ومن آرائهم في أعمال البرِّ والإحسان، وأيضاً من خلال الحضور الفاعل للمبرّات والتواصل المستمر مع أهالي المنطقة، والتفكير الدائم بدراسة المشاريع الحيوية التي من شأنها أن تدعم وتساهم في التنمية البشرية في المنطقة وتوفّر الخدمات الضرورية للأهالي.

ما هي توصياتكم وأمانيكم في العام الجديد لمجلة «إطلالة جُبيليّة» ولإخوانكم في بلاد جبيل وكسروان وشمال لبنان؟.

ـ مجلة «إطلالة جُبيليّة» هي إطلالة على الواقع الحضاري للمنطقة، وهي تزيل الركام عن التاريخ وتضيء على الغُبن اللاحق بتاريخ المسلمين في بلاد جبيل وفتوح كسروان، كما تضيء على الكفاءات والشخصيات الموجودة في المنطقة، المشهورة منها أو غير المعروفة عند الكثير من اللبنانيين، ولا أعتقد أنَّ هناك مجلات أخرى في لبنان تضاهيها في ذلك. ونحن إذ نشجع هذه المجلة على الاستمرار، نؤكد على مساعدتها من أجل أن تبقى إطلالة مُشرقة في محيطها. كما نتمنى أن يكون العام الجديد عاماً مباركاً نرى فيه الخير لكل اللبنانيين عموماً ولأهالي بلاد جبيل وكسروان وشمال لبنان خصوصاً، كذلك نتمنى تعميق التعايش الإسلاميّ المسيحيّ في لبنان، ولا سيما في بلاد جبيل، والتأكيد على اعتماد نهج الحوار والانفتاح لتعزيز القواسم المشتركة بين أتباع المذاهب والديانات، من أجل أن نكون جميعاً على المستوى الذي يُرضي الله تعالى.

 

 

الهوامش:

الدكتور السيّد محمد باقر النجل الأصغر لآية الله السيّد عبد الرؤوف آل فضل الله الحسنيّ من مواليد النّجف الأشرف عام 1951. والدته: الحاجة رؤوفة