نظرة إلى العدالة وحقوق الإنسان

20/4/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

رئيس التحرير

تعيش الطبقات العاملة وأصحاب الوظائف الصغيرة، ورجال الأعمال الصغار، وأفواج الخريجين من المهنيات والجامعات في لبنان والعالم العربيّ الحيرة والقلق على مستقبلهم ومصيرهم المجهول. والذي زاد من قلقهم وحيرتهم وعود المسؤولين، المتكررة أمام الرأي العام باجتراح الأجوبة والحلول دون وجود مصادر صحيحة للدراسة أو للتمويل أو محاربة للفساد أو المفسدين من رجال الإدارات والمؤسسات العامّة أو الخاصّة.

وما يثير الإستغراب أنَّ بعض المسؤولين في لبنان وبعض الدول العربيّة وبعض وسائل الاعلام يسمح بالظهور لبعض الشخصيات التي تثير النعرات الطائفيّة والمذهبيّة والقوميّة بين النّاس عن قصد أو غير قصد، ممّا زاد في الإحتقان المذهبيّ والقوميّ واغتيال الأبرياء وسفك الدم الحرام وانتهاك الحرمات كما في العراق وسوريا. وتأجيج الصراع الدوليّ ولعبة الأمم في أقطار أخرى.

كما نستغرب موقف بعض المرجعيات الدينيّة غير المشهود لها بالعلم أو التقوى أو المعرفة مساعدتها على ذلك بفتاوى ما أنزل الله تعالى بها من سلطان تبيح للمسلم الإغتيال والقتل والخيانة لمواطنيه المسيحيين وتبيح له دماء وأعراض وأموال إخوانه المسلمين من الّذين يخالفونه بالرأي أو المذهب، خدمةً منهم عن قصد أو غير قصد لمشروع إسرائيل الكبرى في تقسيم وتجزئة لبنان والدول العربيّة المجاورة لإسرائيل بتهجير المسيحيين من لبنان وفلسطين والأردن وسوريا ومصر والعراق وخلق كيانات طائفيّة هزيلة للسُنَّة والشيعة والعلويين والدروز وللفرق الصوفيّة المُختلفة تتحارب مع بعضها بعضاً، مُستعينةً بذلك بالعدو الإسرائيليّ.

وامام هذا الواقع المأساوي ندعو كل مسؤول في لبنان أو في العالم العربيّ سواء كان مُسلماً أو غير مُسلم سُنياً كان أو شيعياً أو علوياً أو درزياً أو صوفياً أو سلفياً أو علمانياً أو اشتراكياً إلى تطبيق العدالة والمحافظة على حقوق وكرامة الإنسان من خلال حقن الدماءِ واحترام الآخر، بل من خلال الوصايا العشر المُقدسّة في التوراة والإنجيل والقرآن ومن خلال مبادئ التربيّة والتعليم في القرآن الكريم والسُنَّة الشريفة.

الميزان رمز العدالة

ان تحقيق العدالة وحقوق الإنسان هي الميزان والمقياس الصحيح للفرد وللأسرة وللعشيرة والمجتمع وللجمعيات والمؤسسات والأحزاب والإخلال بها هو رجوع إلى الوراء وإلى شريعة الغاب مصداقاً لقوله تعالى: }وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ) سورة الرحمن{آية 7 ـ 8 ـ 9.

وقوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا{ سورة النساء، آية 135 (1).

والتربيّة الصالحة هي التي تخلق العدالة في شخصيّة الإنسان إذ يقول أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب في وصيته لولده الحسنL:[«أي بُنيّ تفهم وصيتي واجعل نفسك ميزاناً في ما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تُحبُّ لنفسك، وأكره له ما تكرهُ لنفسك، ولا تظلم كما لا تحبُّ أن لا تظلم وأحسن كما تحبُّ أن يُحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك وأرضَ من النّاس لك ما ترضى به لهم منك، ولا تقل بما لا تَعلم بل لا تقل كل ما تعلم، ولا تقل ما لا تُحبُّ أن يقال لك.

واعلم أنَّ الإعجاب ضدّ الصواب وآفة الألباب فإذا أنت هُديت لقصدك فكن أخشع ما تكون لرّبك(2)»].

الرحمة والحبُّ أساس العدالة

وتحقيق العدالة كما تقدم لا يكون إلاّ من خلال التربيّة والتعليم. وتدريب الأجيال على إحترام الآخر والخضوع للقوانين المرعيّة الإجراء. وأن لا يكون تغيير أي قانون من تلك القوانين المخالفة للشريعة والآداب الإسلاميّة إلا بالإقناع والتوجيه والإرشاد وبالحوار ثُمّ الحوار فقط لا غير. وأمام المعضلات تكون صناديق الإقتراع هي المرجع والحكم وتكون نتائجها هي التي تحدد بوصلة المستقبل.

وأن يتحلى الذي يتصدى للمسؤوليّة بالرحمة والمحبة للنّاس والشعور بآلامهم وآمالهم مصداقاً لما جاء في وصيّة رسول اللهP، لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن والياً حيث جاء في بعض كلماتها:[«وأوصيك بتقوى الله وصدق الحديث والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وترك الخيانة، ولين الكلام وبذل السلام، وحفظ الجار ورحمة اليتيم وحسن العمل وقصر الأمل وحب الآخرة والجزع من الحساب ولزوم الإيمان والفقه في القرآن، وكظم الغيظ وخفض الجناح.

وإياك أن تشتم مُسلماً، أو تطيع آثماً، أو تعصي إماماً عادلاً، أو تكذب صادقاً، أو تصدق كاذباً، واذكر ربّك عند كل شجر وحجر، وأحدث لكل ذنب توبة، السرّ بالسرّ والعلانيّة بالعلانيّة(3)».

وكما جاء في وصية وعهد أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالبQ، لواليه مالك بن الأشتر النخعي لما ولاه مصر:[« وأشعر قلبك الرّحمة للرعيّة، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكوننَّ عليهم سبعاً ضارياً تغتنمُ أكلهم، فإنّهم صنفان إمّا أخ لك في الدين وإمّا نظيرٌ لك في الخلق(4)». فمن خلال محبة المسؤول ورحمته للنّاس وحرصه على المحافظة على أمنهم وحقوقهم الإنسانيّة ومواردهم الإقتصاديّة، ومحاسبته لنفسه عند حدوث أي تقصير أو إهمال بالرجوع عن الخطأ، قبل أن يحاسبه الله تعالى والتاريخ، حينئذٍ تتحقق الخطوة الأولى نحو العدالة وحقوق الإنسان في لبنان وبلادنا العربيّة.

الهوامش:

1.      هذه الآية الكريمة وضعتها كلية القانون في أشهر الجامعات الامريكية «هارفارد» على حائط بالمدخل الرئيس للكليّة، واصفة اياها بأنها أعظم عبارات العدالة في العالم والتاريخ أجمع. عن مجلة «نور الإسلام» العددان 161 ـ 162 بيروت في آذار ونيسان 2013م.

2.      تحف العقول لابن شعبة الحرانيّ، مؤسسة الأعلميّ للمطبوعات ـ بيروت، ص 56.

3.      المصدر نفسه، ص 26.

نهج البلاغة، شرح الإمام الشيخ محمد عبده، ج3، ص 460 ، دار القارئ ـ بيروت... ومما يجدر ذكره أنّ كوفي أنان الأمين العام للجمعية العامة للأمم المتحدة، في عام 2002م. إقترح أن توضع هذه العبارة على مداخل الكليات القانونيّة في العالم