مَا ذَنبُ أهل البَيت(ع)؟

25/02/2014
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم: آية الله الشيخ محمد جواد مغنيّة (1)

سؤال رددته الأجيال منذ القديم، ويردده الآن كل إنسان، وسيبقى خالداً إلى آخر يوم لا يقطعه مرور الزمن، ولا تحول دونه الحوادث وإن عظمت.

سؤال نظمه الشعراء في آلاف القصائد، ودونه الكتّاب في مئات الكتب، وأعلنه الخُطباء على المنابر في كل جزء من أجزاء المعمورة.

سؤال ردده المؤمن والجاحد، والكبير والصغير حتى الأطفال.

سؤال كبير في معناه، صغير في مبناه يُعبّر عنه بكلمتين فقط وهذا هو:

ما ذَنبُ أهلِ البيتِ

حتى منهم أَخلوا رُبوعه

تَركوهم شتى مصا

ئبهم واجمعها فَظيعة

فَمغيبٌ كالبدرِ تر

تقبُ الورى شَوقاً طُلوعه

وَمكابِدٌ لْلسُمِّ قد

سُقيت حَشاشَتهُ نَقيعه

وَمضرجٌ بالسيف

آثرَ عِزَّهْ وأبى خُضوعه

فَقضى كما اشتهت الحميِّةُ

تَشْكرُ الهيجا صَنِيعَه

وَمَصفدٌ لله سلّمَ

أَمرَ ما قَسى جَميعه

وَسليبةٌ بَاتت بأفعى

الهمَّ مَهجتُها لسيعه

ومرة ثانية..

ما ذَنبُ أَهلَ البَيتِ حتى منهم أَخلوا رُبوعَه؟!

وأيُّ ذنب أعظم من ذنب الحًرة الطاهرة عند الفاجرات العاهرات؟!

وأي جُرم أَكبرُ من جُرم الأمين المجاهد في سبيل الله عند الخونة الذين باعوا دينهم وضمائرهم للشيطان؟! وأي إساءة تعادل إساءة المُحقِّ عند المبطلين؟!

وَأيُّ عَداء أقوى من عَداء الجهلة السفهاء للعالم الشريف؟!

ألا يكفي أَهلَ البيت من الذنوب أن يشهد القرآن بقداستهم وتطهيرهم، وأن تُعلن الإذاعات في شرق الأرض وغربها في كل يوم، وفي كل صباح ومساء }إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا{؟! سورة الأحزاب، الآية 33، ألا يكفي أَهلَ البيت أن يقول عنهم الرسول الأعظم P:«مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق»؟!، وماذا بقي إذن إلى غيرهم؟، ألا يكفي عليَّاً أن يقول النبيّP:«أنا مدينة العلم، وعليٌّ بابها..» وأن يقول له: «أنت أخي في الدنيا والآخرة.. ومن كنت مولاه فعليّ مولاه..» ولم يقل هذا في حقِّ أحد في الدنيا سوى عليّ.. ألا يكفي عليّاً عيباً أن يقول عنه سيد الرسلP، حين برز عمرو بن ود: نزل الإيمان كله إلى الشرك كله؟!، أما ذنب عليّ الذي لا كفارة له أبداً فهو أن يَسأل الله الناس غداً عن ولايته ومتابعته، كما يسألون عن الإيمان بالله والرسول واليوم الآخر، قال ابن حجر، وهو من علماء السُنَّة في كتابه «الصواعق المحرقة»: أن قوله تعالى:}وقفوهم إنهم مسئولون{الصافات 24«نزلت في عليٍّ، وأن الناس مسؤولون عن ولايته..».

قال الإمام أحمد بن حنبل لما سُئل عن معاوية: أن قوماً أبغضوا عليّاً، فتطلبوا له عيباً فلم يجدوه، فعمدوا إلى رجل قد ناصبه العداء، فأطروه كيداً لعلي..

أجل، إنهم لم يجدوا. ولن يجدوا عيباً واحداً للإمام، ولو حرصوا كل الحرص، ولكن هذا لا يمنعهم من الافتراءات والأكاذيب، كما لم يمنعهم مقام الرسالة عمّا نسبوه إلى النبيِّP من أنه هوى امرأة زيد بن حارثة، وأنه لم يزل بها حتى استخلصها لنفسه.. واقرأ معي هذه الفرية لتعرف جرأتهم على الله والرسول:

كان هاشم المرقال(2) بطلاً شجاعاً، ومؤمناً صادقاً، وكان من أفاضل أصحاب النبيP، وصاحب لواء الإمامQ، يوم صفين قاتل قتالاً شديداً حتى قُتل في نصرة الإمام في اليوم الذي استشهد فيه عمار بن ياسر، وفي ذات يوم رأى شاباً يخرج من عسكر الشام يضرب عسكر الإمام بسيفه ضرب المستميت، ومن غير وعي، فأتاه وكلمه بهدوء، وقال له: يا هذا إنك تقف موقفاً غريباً، أنت مسؤول عنه غداً. فقال له الشاب: لقد قيل لي: أن صاحبكم لا يصلي!.. فقال له هاشم: إنهم خدعوك فعليٌّ وُلد في الكعبة، وأوّلُ من صلى مع الرسول إلى القبلة، وقاتل معاوية وأباه من أجل الصلاة، ولو رأيت عسكر عليٍّ في ظلام الليل لرأيت التهجد والتضرع، والصلوات وتلاوة القرآن، فاقتنع الشاب وترك القتال.

وقال الشمر أو من هو على شاكلته، قال للحسينQ، وهو يُصليِّ في قلب المعركة قبل مصرعه: صلِّ يا حسين، إنَّ صلاتك لا تقبل، الله أكبر!.. لا يقبل الله صلاة الحسين، ويقبل من الشمر قَتَل الحسين!..

وقال ابن زياد حين بلغه قتل الحسين: الحمد لله الذي قتل حسيناً، ونصر أمير المؤمنين يزيد!.. وعندما أُوتي بمُسلم بن عقيل لابن زياد، وكان قد آلمه العطش من أثر القِتال، فرأى قلّة ماءٍ فطلب أن يسقوه منها، فقال له باهلي(3): لا تذوق منها قطرة حتى تذوق الحميم في نار جهنم، وكان يزيد ينكث ثنايا الحسين بقضيب مكتوب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله، وسجد معاوية شكراً لله بعد أن قتل الحسن بالسُم، وهكذا يدلسون ويموهون، ليثق بهم السذج البسطاء، ويثنوا المخلصين عن طريق الحقِّ والجهاد في سبيله، ولكن الله، وهو أحكم الحاكمين، قد فضحهم إلى يوم يبعثون، وعاملهم بخلاف قصدهم، اما المخلصون فلم يكترثوا.

يزري الجبانُ بسيف عَنـ

ـتر وَالبخيلُ بجودِ حَاتمِ

ومهما تكن الدعايات والافتراءات فلا تستطيع الصمود أمام الحقيقة، أمام عظمة الإمام وأبنائه.. فهذه المحافل في كل مكان، وهذه الدموع الجارية أنهاراً على الحسين، وهذه الأصوات المدوية بالصلاة عليهم، واللعنة على أعدائهم وقاتليهم، وهذه القباب الذهبية التي تُناطِحُ السحاب، وهذه الوُفودُ التي تؤمها من كل حدب وصوب، كل هذه وما إليها إن هي إلا صواعق وقنابل تَنهالُ على أعداء أهل البيت، وإلا نشيد الخلود يردده الدهر إلى يوم يبعثون.

أجل، لقد قُتل الحسين، وغرق جسمه الشريف في بحر دمائه، أما روحه وذكراه، أما مبدأه وعمله ففي بحر من عُطر ونور.

إن يبقى مُلقى بلا دفن فإنّ له

قبراً بأحشاءِ من وَالاه مَحفورا(4)

الهوامش:

المجالس الحسينيّة، آية الله الشيخ محمد جواد مغنيّة، منشورات، دار الجواد، دار التيار الجديد ـ بيروت، ط. 4، 1984م. 1404هـ. من ص 37 لغاية ص 41، بتصرف.

هاشم المرقال، هو الصحابيِّ الجليل هاشم بن عتبة بن أبي العاص من أبطال الفتوحات الإسلاميّة.

باهلي: أي كان ذلك الجندي من قبيلة باهلة والذي قام بمنع مُسلم بن عقيل بن أبي طالب من أن يشرب من قلّة الماء.

آية الله العلاّمة الشيخ محمد جوّاد مغنية المتوفى في 8/12/1979م. في بيروت ونقل جثمانه إلى النّجف الأشرف وصلّى عليه استاذه الإمام الخوئي{، من كبار العلماء والفقهاء في لبنان والعالم العربيّ، ورئيس المحكمة الشرعيّة الجعفريّة العليا في لبنان. وأوّل فقيه شيعي يدرس ويحاضر في الجامعة اللبنانيّة. ومن مؤسسي مجمع التقريب بين المذاهب الإسلاميّة في القاهرة. وترك ثروة كبرى من المؤلفات الجليلة في علوم القرآن الكريم، الكلام، الفلسفةـ أصول الفقه، الفقه المقارن، علوم الحديث والرجال، الأدب، الإسلاميات وغيرها من علوم.