الرحلة العراقيّة وعيد الغدير

25/02/2014
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

أجرى الحوار: مدير التحرير المسؤول

في حوار خاص مع القاضي الدكتور الشيخ يوسف محمد عمرو عصر يوم الأحد الواقع في الثالث من شهر تشرين الثاني 2013م. الموافق ليوم الثامن والعشرين من شهر ذي الحجة 1434هـ. عاد إلينا سالماً مع عائلته من النّجف الأشرف رئيس تحرير هذه المجلة القاضي الدكتور عمرو، عن طريق مطار رفيق الحريري الدولي. بعد مشاركته في مهرجان الغدير العالمي الثاني في النّجف الأشرف لمدّة ثلاثة أيام في 24 و25 و 26 من شهر ذي الحجة 1434هـ. حيث أتى هذا اللقاء للتهنئة والمباركة.

وكان هذا الحوار:

سماحة القاضي الدكتور عمرو بعد التهنئة بالعودة بالسلامة من زيارة العتبات المقدّسة في العراق، نتمنى إطلاعنا وإطلاع قراء مجلة «إطلالة جُبيليّة» عن سبب هذه الزيارة التي تزامنت مع مناسبة عيد الغدير؟.

إنَّ النّجف الأشرف مهوى أفئدة المؤمنين والعلماء والحكماء والأحرار في العالم، إذ تضمُّ في ترابها مرقد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع). وأقدم جامعة إسلاميّة في العالم كما تضمُّ مع الكوفة مراقد الأنبياء وهم: آدم ونوح ويونس وهود وصالح(ع). ومراقد الكثير من الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان(رضي الله عنهم)، وآلاف الفقهاء والأدباء والحكماء وأهل الفن والمعرفة. وعندما قامت العتبة العلوية المقدّسة في النّجف الأشرف بتوجيه الدعوة لي للمشاركة في هذا المؤتمر وإلقاء محاضرة بواسطة ممثل الإمام السيّد السيستاني في بيروت الأستاذ الفاضل الحاج حامد الخفّاف حيث زارني من قبله وقبل العتبة العلويّة صاحب الفضيلة الأستاذ السيّد علي السيّد حيدر الحسنيّ(حفظهما الله تعالى)، وافقت دون تردد طلباً لزيارة تلك البقاع المباركة وطلباً للثواب العظيم من خلال ذلك. وطلباً لإستجابة الدعاء في تلك المواقف.

هل لنا أن نتعرف على فحوى الموضوع الذي شاركتم به في هذا المؤتمر وأهم المحاور والكلمات التي ألقيت؟

اخترت الكتابة بموضوع:«القيم الأخلاقيّة في تراث الإمام عليّ وأهل البيت(ع)». بأسلوب علميِّ حديث ومقارن ومختصر لحاجة جميع المسلمين وجميع النّاس إلى هذه القيم والتي تكلّم عن بعضها الأديب اللبنانيّ الكبير جورج جرداق في كتاب:» الإمام عليّ صوت العدالة الإنسانيّة». في مجلداته الخمسة. وتكلّم عنها شرَّاح نهج البلاغة من العرب وغيرهم. والمواضيع التي شارك بها المحاضرون كانت تحت أربعة محاور هي:

المحور الأوّل: واقعة الغدير وأهميتها في الفكر الإسلاميّ.

المحور الثاني: الإمام أمير المؤمنين(ع)، قراءات معاصرة.

المحور الثالث: الإمام عليِّ(ع)، في الإستشراق والدراسات الغربيّة.

المحور الرابع: الغدير في الأدب العربيّ والعالمي.

كما شارك في هذا المؤتمر وفود من اثنين وثلاثين بلداً وأُلقي في جلسات هذا المؤتمر أكثر من ستين بحثاً.

ومن كلمة قالها عضو الوفد اللبنانيّ، الأب جوزيف عبد الساتر ممثل البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في حفل الإفتتاح:[«تعرفون الحقّ والحقّ يحرركم، هذه وصيتي: «أن تتحابوا بعضكم بعضاً.. إذا أردتم السلام حافظوا على الحياة». وقدّم الأب جوزيف شكره للأمانة العامّة للعتبة العلويّة المُقدّسة، واصفاً دعوتها له لحضور المهرجان بالإلتفاتة النبيلة، مُضيفاً بقوله:[«لي شرف أن أكون ممثلاً لغبطة البطريرك، ناقلاً عنه أصدق تحياته وتمنياته بنجاح هذا المهرجان عسى أن يكون إنطلاقة شرارة السلام لوطننا العزيز العراق ولسائر المشرق العربي»].

هل لكم أن تضعونا في أجواء الكلمة التي ألقيتموها في هذا المؤتمر المبارك ولو على نحو الإختصار؟

كانت المحاضرة خلاصة للقيم الأخلاقيّة في تراث الإمام عليِّ وأهل البيت(ع)، ضمن العناوين التاليّة:

أـ الصدق هو المفتاح حيث أثبت أن مفتاح معرفة القيم الأخلاقيّة عندهم(ع)، هو الصدق، وأن الصدق هو الميزان والمقياس الصحيح عندهم في معرفة الله تعالى، والعمل بطاعته، بل في إستنباط أحكامه عزَّ وجل، ومعرفتها وتطبيقها ودعوة النّاس إليها بالحكمة والموعظة الحسنة. مصداقاً لقوله تعالى:[}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ{] التوبة، آية 119.

أنّها نزلت في حقّ النبيِّ وعليِّ والأئمة من أهل البيت(ع)، ومصداقاً للكلمة رقم: 452 في الجزء الرابع من نهج البلاغة:«الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك وألا يكون في حديثك فضلٌ من عملك وأن تتقي الله في حديث غيرك» وقول حفيده الإمام جعفر بن محمد الصادقL، عندما سأله رجل أن يعمله ما ينال به خير الدنيا والآخرة ولا يطوّل عليه؟.

فقال(ع): لا تكذّب».

ب ـ الصدق والعدل هما الصراط المستقيم. حيث أثبت أنّ الصدق والعدالة هما أساس السعادة للمجتمع الصالح في تراث أهل البيت(ع)، وممّا جاء مستشهداً بوصيته لولده الحسنL، والتي بها قوله(ع): يا بني إجعل نفسك ميزاناً في ما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحبُّ لنفسك، وأكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحبُّ أن تُظلم، وأحسن كما تحبُّ أن يُحسنَ إليك...» إلى آخر هذه الوصيّة العظيمة.

د ـ الوفاء بالعهد كما لا يستقيم أمر المسلمين بين بعضهم بعضاً. وبينهم وبين مواطنيهم وبينهم وبين الشعوب الأخرى إلاّ بالوفاء بالعهود والمواثيق. مصداقاً لقوله تعالى:[}وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ{] النخل، آية 91.

وترك الوفاء بالعهد والميثاق هو خيانة لله تعالى ولرسوله محمدP، وخيانة لإنسانيّة الإنسان والأحاديث في هذا كثيرة منها قول الإمام جعفر بن محمد الصادقL:«ثلاث لم يجعل الله لأحد من النّاس فيهن رخصة: برُّ الوالدين برين كانا او فاجرين. ووفاء بالعهد للبرِّ والفاجر. وأداءُ الأمانة إلى البرِّ والفاجر».

هـ ـ كما تكلّمت في الخاتمة عن صفات رجال الدولة العادلة بنظر أهل البيت(ع).

هل لنا أن نتعرف إلى أهم مشاهداتكم ولقاءاتكم في العراق ومن خلال مشاركتكم في هذه المناسبة الشريفة؟

شاهدت نهضة عمرانيّة وحضاريّة كبرى في جنوب العراق في المدن المُقدّسة التي زرتها وهي النّجف الأشرف وكربلاء المُقدّسة والكوفة، في المراكز والمقامات الدينيّة أو في المساجد أو الحوزات أو المعاهد أو الكليات الدينيّة أو الجامعات القديمة أو الحديثة، أو الفنادق أو المطاعم، أو في الشوارع أو الجسور والمواصلات. وفي تطوير مطار النّجف الدولي. أو في تأمين الكهرباء والمياه وسائر الخدمات. وهذا كان بفضل الله تعالى، ووعي الإنسان العراقي وسهر الحكومة العراقيّة على ذلك.

ولكن الأمور الأخرى التي تحتاجها هذه المدن المقدّسة أيام الزيارات لتسهيل الأمور على الزائرين هي إقامة مدن حديثة خاصة لإستقبال الزوار. وإقامة خطوط قطار خاصة تصل هذه المدن الثلاث بسائر المدن العراقيّة. وإقامة خطوط قطارات كهربائيّة وانفاق وجسور لها داخل هذه المدن لتسهيل أمور الزوار حيث يجتمع في بعض الزيارات قرابة عشرين مليون زائر أو أكثر.

كذلك تحتاج هذه المدن الثلاث وشوارعها وفنادقها ومطاعمها إلى النظافة وإلى المحافظة على البيئة من التلوث. وزيادة المساحات الخضراء.

كذلك يحتاج طلبة العلوم الدينيّة من خارج العراق إلى مدن حديثة خاصة بهم تقام على غرار المدن الطلابيّة الحديثة التي اقامتها جامعة الأزهر الشريف للطلاب في القاهرة وضواحيها.

كما يحتاج المسلمون الشيعة في جميع أنحاء العالم ومن خلال الوفود المشاركة التي التقينا بها إلى تفقد المرجعيّة العليا في النّجف الأشرف لهم وإلى رعايتها الدينيّة لهم وتفقدها لحاجاتهم الإجتماعيّة وإطلالتها عليهم بمثل هذا المهرجان المبارك.

كما أنَّ سوء صحتي وضعف جسمي حالا بيني وبين المشاركة في بعض نشاطات المهرجان وزيارة مراجعنا الأعلام وهم: آية الله العظمى السيّد السيستانيّ}، آية الله العظمى السيّد الحكيم}، آية الله العظمى الشيخ فياض}، آية الله العظمى الشيخ بشير النجفي}، وأساتذتي الكبار وهما آية الله السيّد محمد مهدي الموسوي الخرسان}، آية الله السيّد محمد رضا الموسوي الخرسان}. وكذلك تلبية دعوة العلاّمة الدكتور السيّد محمد بحر العلوم والأمسية الشعريّة التي دعا لها في هذه المناسبة في معهد المعلمين للدراسات العليا مع طعام العشاء. غير أن الله تعالى وفقني لتلبية دعوة سماحة الدكتور آية الله الشيخ أحمد كاظم البهادلي على الغداء ظهر يوم الجمعة الواقع في أوّل تشرين الثاني 2013م. مع زوجتي في منزله في حي المعلمين في النّجف الأشرف. حيث حظيت من سماحته وسماحة ولده فضيلة الدكتور الشيخ جواد بالرعاية والعناية وإطلاعي على النشاط العلمي والثقافي لجامعة الكوفة التي يدّرس بها أصول الفقه وأصول الفقه المقارن وبعض العلوم الأخرى اللصيقة الصلة. كما أهداني مؤلفاته القيّمة في هذا الباب. كما أطلعني سماحة آية الله الدكتور الشيخ أحمد بإيجاز على نشاط كلية العلوم الإنسانيّة في النّجف الأشرف والتي كان عميدها قبل أن يستقيل من رئاستها لأسباب صحيّة. كما دار الحديث حول أحفاد ولده المرحوم الدكتور الشيخ علي في لبنان. وعن ضرورة جمع تراث ولده وطباعته بإشرافه إن شاء الله تعالى.

ما هي أهم التوصيات التي خرج بها هذا المؤتمر أو الأمنيات التي تحبون أن توصلوها للأمّة الإسلاميّة عامة من خلال هذه المناسبة الكريمة؟

من أهمِّ التوصيات التي خرج بها هذا المؤتمر في جلسة الإفتتاح أو في الجلسة الختاميّة هي دعوة المسلمين بمختلف مذاهبهم وفرقهم إلى الوحدة الإسلاميّة، حيث جاء في كلمة الأمين العام للعتبة العلويّة المُقدّسة، العلاّمة الشيخ ضياء محمد أمين زين الدين:[«إنّكم اليوم بحضوركم وبمشاهدتكم للمهرجان سوف تثبتوا للتاريخ كله أنّكم بالعروة الوثقى مستمسكون. فالسلام على كل الأبصار والبصائر التي تتابع هذا المهرجان في شتى بقاع العالم، يحدوها الحب والولاء، ويملأ قلوبها الشوق لزيارة هذه البقاع المقدسة، والتعطش للإشتراك مع هذا الجمع المبارك، ولترتوي من مناهل علي(ع)، بما يصبو إليه كل مخلص لإنسانيته».

وأضاف: «إنّ كلمة الإمام عليّ في وصيته إلى مالك الأشتر «ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان إما أخ لك في الدين وإمّا نظير لك في الخلق» هذا القول المأثور لعليّ(ع)، هو الذي رغب القائمون على هذا المهرجان المبارك أن يجعلوه شعاراً لهذه الدورة الثانيّة منه في هذا العام، ليرسلوا من خلاله رسالتهم العلوية إلى العالم والتاريخ، بأنّ الوحدة العامة هي الواقع الذي تعتمده رؤية علي(ع)، في الوجود الإنسانيّ، وأنّ وحدة الأُمّة المؤمنة هي غايته في كل موقف أتاه في حياته، وفي كل كلمة نطقها، وأنّها الأساس الذي بنى عليه نهجه في كل صعيد».

وتابع سماحته قائلاً: «إنّ البشريّة كلها في تراث عليّ(ع)، وحدة واحدة، والأمّة المؤمنة بالرسل والأنبياء كلها وعلى امتداد التاريخ الإنسانيّ في هذه الأرض هي القمة التي أرادها الله تعالى، في هذه الوحدة، وحيث يكون استمساكها بالنهج الإلهي الواحد، لتنال به تلك الغاية الفطريّة التي جبلت عليها، وأنّ المذهبيّة التي تبدأ من الدين القيم، وتلتزم الحدود الإلهيّة في التعامل مع الحجج الإلهيّة، وتتقيّد بالشرائط التي رسمتها تلك الحجج في فهم النصوص الشرعيّة، ليست إلاّ بعض مظاهر الإعجاز الخالد في هذا الدين، والضامن الأوّل لديمومة وحدة الأمّة واستقامتها في خط الله القويم».

وفي ختام كلمته قدّم الأمين العام للعتبة العلويّة المُقدسّة شكره وتقديره إلى الّذين أغنوا المهرجان بنيرات أفكارهم في دراسة نهج المولى أمير المؤمنين(ع)، وتراثه الخالد، كما قدّم الشكر والتقدير أيضاً للمسؤولين من أبناء عليّ(ع)، وأحبته الّذين كانت لهم اليد الطولى في تهيئة هذا اللقاء المبارك، وتذليل الصعاب المنظورة وغير المنظورة على الصعيد الإداري والأمني والخدمي، إذ ما كان هذا اللقاء لينجح لولا جهود حثيثة ومتواصلة بذلوها من دون كلل أو ملل. وقدَّم أيضاً الشكر والإمتنان لأبناء النّجف الغيارى، الّذين أحاطوا هذا المهرجان بعنايتهم الفائقة، إذ يشعر الجميع بعمق صلتهم الوثقى مع هذا الحرم المبارك»(1).

وفي الختام أقدّم شكري وتقديري لآية الله العظمى السيّد علي الحسينيّ السيستانيّ}، وللأمانة العامة للعتبة العلويّة المُقدسة في النّجف الأشرف ولسماحة حجة الإسلام العلاّمة الشيخ ضياء محمد أمين زين الدين وللأستاذ الفاضل الحاج حامد الخفّاف، على حُسن ضيافتهم وكرمهم تجاه الوفد اللبنانيّ ولسائر الوفود المشاركة. سائلاً الله تعالى لهم ولمراجعنا العظام في النّجف الأشرف التوفيق والمزيد من العطاء. كما أتوجه بالشكر أيضاً لحملة «الجوادين» اللبنانيّة بشخص المشرف عليها الأخ العزيز حسين شرف الدين على قيامهم بخدمة زوار العتبات المُقدسة بإخلاص وإحترام.