المتاحف، وبلاد جبيل

08/01/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

المتاحف ودورها في صناعة السياحة والإنماء الإقتصاديّ في بلاد جبيل:

الدكتور الباحث الأستاذ وفيق جميل علاّم من أعلام بلاد جبيل، ومن كبار أساتذة الآثار والسياحة في لبنان، وخبير آثار في المديريّة العامّة للآثار (وزارة الثقافة) ومسؤول في محافظة الجنوب (صور) ـ وأستاذ محاضر في مادة الآثار ـ الجامعة اللبنانيّة، كلية السياحة والفنادق.

وأستاذ محاضر في مادة الفنون الإسلاميّة( لجنة الإدلاء السياحيين) وزارة السياحة.

وجه إليه رئيس تحرير هذه المجلة السؤال التالي:

إنَّ مدينة جبيل ـ بيبلوس ـ وقراها من أغنى المناطق اللبنانيّة بالآثار التأريخيّة خلال أكثر من خمسة آلاف عام، فلماذا حرمانها من المتاحف التي تحكي تأريخها المجيد لغاية تأرخيه، وحتى تكون هذه المتاحف معالم شاهدة؟؟.

وما هي فائدة المتاحف ودورها في صناعة السياحة؟

كان جوابه التالي:

لبنان بلد سياحي ومهد الحضارات والأديان. فالتعليم والثقافة هما أساس الإرتقاء الإجتماعي وتحسين الحياة الإقتصاديّة، ونتيجة الترابط الوثيق بين مستوى الإنسان التربوي وقدرته على العمل والإنتاج، فإنَّ الإستثمار في الإنسان أثبت أنه الأرجح والأجدى، ولبنان كان مدرسة الشرق الأوسط وجامعته ومستشفاه، وغنى لبنان بالمعالم السياحيّة والأثريّة والطبيعيّة وأثرهما المباشر على القطاع السياحيّ، وبالتالي على القطاع  الإقتصاديّ. فإنَّ الآثار في المتاحف وتأثيرها في السياحة الثقافيّة من العوامل المهمة في صناعة متكاملة بذاتها، فصناعة السياحة لا تَقلُّ شأناً في دورها عن دور الصناعة والزراعة والتجارة في تحريك عجله الإقتصاد الوطني، فإنَّ المتاحف ليست مخازن تحفظ فيها التحف، ولا مدافن لأثار تأريخيّة وروائع فنيّة، بل هي مؤسسات علميّة وثقافيّة تساعد المواطنين على فهم تأريخ أمتهم وحضارتهم. كما تعرّف السياح على حضارة وثقافة البلد المزار ليعطهم الثقة بقيمة الشعب الذي يكتنز إرثاً وطنياً مميزاً. والمتاحف اليوم هي المكان الطبيعي للحفاظ على التراث الحضاري للأجيال الصاعدة والّذي من شأنه أن يجعل الأبناء والأحفاد يتطلعون إلى ما أنجزه وأبدعه الآباء والأجداد ويقومون بنقله إلى الأجيال القادمة. وما علينا إلا أن ندرك واجبنا القومي  الّذي يتطلب منّا ضرورة دراسة تراثنا وتدريسه والإستفادة منه في مختلف أنواع العلوم. والمتاحف تساعدنا على تنميّة دقة الملاحظة عند صغارنا وكبارنا، وإذا كانت التحف معروفة ومصنّفة على أُسس علميّة دقيقة، فهذا في الواقع بداية البحث العلميّ وإكتشاف المعاني الفكريّة والقيم الجماليّة، كما تساعدنا على الذوق الفني عند الإطلاع على طراز وأساليب الفن في مختلف المدارس الفنيّة بمختلف العصور، كما تسهم في نشاط أعمال الحفر والتنقيبات الأثريّة بحثاً عن المجهول ورغبة منها في الحصول على مكتشفات أثريّة وفنيّة وعلميّة جديدة تلقي أضواء على حضارتنا، فإنَّ المتحف هو المكان الوحيد الّذي يحفظ لنا حضارتنا وإرثنا الوطني، ولا تقتصر المتاحف على نوع واحد من المُقتنيات، ولكن هناك أنواعاً جديدة من المتاحف التي تسهم في نشر المعرفة وتنمية ثقافيّة مركزة حول المُقتنيات التي يحتويها المتحف.

إنَّ المفهوم الحديث للمتحف يعتبر مؤسسة عامّة هدفها المحافظة على اشياء توضح أعمال الإنسان وإستخدام هذه الأشياء لتنميّة معارف النّاس وأذواقهم، وتعرف مؤسسة المجلس الدولي الـ ICOM: أنَّ المتحف منشأة دائمة تؤسس لحفظ ودراسة وتقييم المقتنيات الفنيّة والتأريخيّة والعلميّة والتوثيقيّة، بطرق مختلفة وبصورة خاصة، طريقة العرض على الجمهور ويتسع هذا التعريف ليشمل حدائق الحيوانات ومشاتل النباتات وأحواض الأحياء المائيّة.

يُعَدُّ المتحف من أهم الوسائل التعلميّة والتثقيفيّة للإنطلاقة الحضاريّة المتطورة، وتكمن أهميته في تطوير التعليم والتربيّة للأجيال الناشئة وهو بحد ذاته علم وفن، أن طريقة العرض تعتبر تلقائيّة لإرتباطها بالمكان الّذي تُعرَضُ فيه، كما يُعتبر المتحف دلالة معينة في عقول الزائرين.

والمتحف المثالي هو الّذي يسوده الذوق الجميل والّذي يترك في نفس الزائر أثراً جيداً كما أنّ دوره يكمن في حفظ التحف الأثريّة  ويحميها من التلف والضياع، من دون أن ننسى أساليب العرض الجيدة ومجموعة عوامل متكاملة تعطينا في النهاية متحفاً فنياً مثالياً يرتقي بالذوق الفني لدى النّاس، والعرض الجيد له هدفان:

الأول: إظهار معروضات بطريقة تُسِّرُ العين وتبهج المشاهد.

الثاني: الإستفادة من تلك المعروضات بإعتبارها وسيلة لنقل المعرفة والثقافة.

ولتحقيق هذه الغاية لدينا عدّة عوامل منها:

المبنى ـ نوع العرض ـ الإضاءة ـ وسائل العرض ـ البطاقات الشارحة.

المبنى: يجب دراسة سبب إنشاء المبنى والعرض الوظيفي في هذا الإنشاء كما يجب دراسة المخطط (le plan) ومناقشته ووضع الشروط المطلوبة لإنشاء المتحف، لا بدَّ أن يكون للمتحف حديقة في غاية الأناقة لتريح الزائر وتبعث في نفسه السرور كما يجب وضع بعض التحف في هذه الحديقة التي لا تتأثر بالضوء والغبار أو التلوث البيئي  حيث تعرض مثلاً: التمائيل الكبيرة الحجم ـ وأعمدة رخاميّة وقد يوضع في هذه الحديقة أماكن لإستراحة الزائر من بعد فترة وقوف طويلة قد تصل إلى عدد من الساعات في رؤية العروضات، ومكتبة صغيرة تضم مصادر ومراجع خاصة بنوعيّة معروضات المتحف. وقاعة للمحاضرات تحتوي على وسائل عرض مختلفة(أشرطة فيديو ـ شرائح فيلميّة ووجود قاعة للدرس خاصة للباحثين. الّذين يدرسون الفنون التحفيّة وعلوم الآثار ويكون للمتحف غرف للأمناء والإدارة. والحراسة كما يجب أن يكون دائرة تلفزيونيّة مغلقة للكاميرات توزع على أجزاء المتحف ولأمن وسلامة المتحف ومتابعة  الزائر في أثناء تجواله).

نوع العرض وطريقته:

لدينا نوعان من العرض: العرض المباشر والغير مباشر.

الأوّل: في التنظيم وعرضه مؤقت.              والثاني: مستديم.

ويضم المتحف عرضاً تعرض فيه المعروضات الدائمة وهذه التحف تتمتع بأهمية كبيرة والتي يجب عرضها جيداً تقوم على ثلاث أُسسس هي: الإنسجام، والتوازن، والوحدة.

الإنسجام: يجب أن يسود بين المعروضات.

التوازن: يتوقف على تماثيل الترتيب والتنظيم في الأهميّة والحجم والشكل والعصر والفترات الزمنيّة التي إختصت بها.

الوحدة: يمكن تفسيرها بأنّها الأثر الحيوي أو القيمة للتحفة في جمالها وأسلوبها الفني، خاصة في اللون والشكل والعرض يكون في بعض الأحيان مؤقتاً يكون لمدة معينة تترواح بين الشهرين والثلاثة أشهر وهذا يجب تخصيصه بقاعة للعرض المؤقت. والعرض المتحفي يخضع لأسلوبين:

أ ـ التتبع التأريخي أو التسلسل التأريخي للمعروضات.

ب ـ حسب العرض الموضوعي أو حسب المادة للمعروضات.

وسائل الإضاءة:

الإضاءة من الأشياء المهمة في المتحف. ومصدر الإضاءة نوعان:

مصدر طبيعي وهو الشمس، ومصدر صناعي الكهرباء والمصابيح الكهربائيّة والمتحف المفتوح لا يحتاج إلى إضاءة صناعيّة إلا في الظلام والليل. أمّا الإضاءة الصناعيّة فتحتاج إليها المتاحف ذات المعروضات الخاصة مثل عرض النسيج والخزف والورق.

وسائل العرض:

المقصود بها والمُقسمة بدورها إلى:

الحائطيّة: ويعني خزانة تعلق على الحائط وتوضع فيها التحف.

الوسطيّة: أي توضع في الوسط بعيدة عن الجدران للتمكن من الإلتفاف حولها، ورؤية التحفة من جميع جهاتها.

البطاقة الشارحة:

تحتوي هذه البطاقة على عناصر مهمة لشرح ما في التحفة من عناصر فنيّة تساعد الزائر على فهم تلك التحفة المعروضة، الضوء على الشيء المعروض، كما يوضع سجلات في المتحف يحفظ فيها مجموعات بيانات خاصة بالمعروضات وصوراً لها أرقامها تتعلق بالقطعة وتأريخها والفترات الزمنيّة التي مرّت فيها. وهذه المعلومات تسجل في الحاسوب الآلي. أنّ هذا العرض المختص يكفي أن يمتاز المتحف بمعروضات تزيد الزائر البهجة والسرور وتعود إلى أهمية الإنسان الّذي إهتمَّ بهذه المعروضات وحفظها من التلف والضياع.

هذا ما يجب أن يتبع في عرض المعروضات في المتحف ليزيده رونقاً وجمالاً ويجعل الزائر أو الباحث مسروراً في عرض هذه الموجودات الفنيّة والتراثيّة والثقافيّة وتنيره في العلم والمعرفة.

الأركيولوجيست

أ.م. وفيق جميل علاّم