مسجد بليدا

01/09/2010
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

خلاصة لدراسة عن مسجد بليدا  خطة صيانة وحفظ.

قضاء مرجعيون ـ محافظة الجنوب

المهندس الدكتور وفيق جميل علاّم

أ ـ لمحة موجزة عن قرية بليدا:

بليدا قرية جنوبية في قضاء مرجعيون، ترتفع عن سطح البحر 600م، تبعد عن بيروت 119كلم.

تلفظ بسكون الباء، كلمة لتصغير بلدة، واقعة غربي بلدة الحولة في فلسطين المحتلة قرب ميس الجبل، يوجد فيها مسجد قديم غاية في الإتقان يقال إنّه كان معبداً وثنياً، ليس فيه تأريخ ويظنُّ أنّه من بناء عشائر أمراء جبل عامل، وإن بانيه باشر ببناءِ إيوان أمامه ولم يكمل.

يعتبر من أوسع وأعظم مساجد المنطقة وهو عبارة عن قبو قائم على الجدران. رمم في أوائل القرن العشرين. أمامه بئر غزيرة الماء كانت قديماً مكشوفة.

يعتقد النّاس أنّه بئر مدين سقى منه النبيّ موسى (ع)، غنم النبيِّ شعيب وبين أطلال القرية والبئر(قرية شعيب) وليس ذلك بصحيح لأنّ مدين بين مصر والشام(معجم البلدان).

إنَّ ما ذكر أعلاه يظهر الأهميّة التأريخيّة والأثريّة والزمنيّة لمسجد بليدا ما يستلزم العمل على ترميمه وإظهار معالمه الأثريّة والفنيّة ضمن خطة صيانة وحفظ، وذلك بما يتلائم مع أهميته المذكورة ويستلزم أيضاً وضع دراسة مفصلة عن المسجد ومحيطه.

بعد أن تكون قد رسخت في أذهان النّاس المُسلّمات التأريخيّة وبنوا عليها أفكاراً ومعتقدات شعبيّة أو تأريخيّة قد يصل بعضها إلى كتب التدريس والمراجع التربويّة والجامعيّة حيث يغدو بعضها حقائق راسخة فإنّه ليس من السهل التشكيك بها أو تجاهلها، ولكن بالرغم من ذلك فإن مسؤولية الباحث في علم الآثار والتأريخ هو كشف ما يعتبره حقيقة حتى وإن قاده ذلك إلى رفض هذه الأعراف والمسلمات، وإظهار ما هو أصح منها وأقرب إلى الواقع الذي تدعمه القرائن والإثباتات التأريخيّة، لأنّ تلك القرائن قد تكون غابت عن غيره أو تكون غير متوفرة في زمن هذا الغير، أو في البيئة الثقافيّة التي نشأت فيها الأفكار الأوليّة. والتي غدت الأسس والمرتكزات للأخطاء التي ساعدها مرور الزمن وأعطاها تكرار الإستعمار وجهاً شرعياً يثبت واقعها.

ما يهمنا هنا من بين هذه المفاهيم والمسلّمات التأريخيّة هو كشف المغالطات التي إقترفها علماء كبار مشهود لهم عالمياً، عندما حاولوا تحديد مواقع وردت أسماؤها في غير أرض جبل عامل.

ولقد كان ذلك نتيجة الإهمال والتقصير في الإستقصاء والبحث بغية كشف الحقائق وترسيخ المعلومات الثقافيّة المرتبطة بشواهد أثريّة وسياحيّة، وطبيعيّة ثابتة مرتبطة بجغرافية المنطقة، ولقد إبتعد أولئك العلماء بإهتمامهم نحو بلدان أخرى مثل مصر، وفلسطين، والعراق منذ مائتي عام تقريباً، وحصروا تلك المفاهيم وحرفوها وربطوها بروابط حضاريّة وعلاقات عقائديّة دينيّة بمصر وبلاد الإغريق، إلا أنّه لا توجد دراسات كافيّة في مجال الأبحاث الأثريّة والتأريخيّة حول جبل عامل بشكل عام ومسجد بليدا بشكل خاص، لذلك وإنطلاقاً من هذا الواقع لا بد من إجراء دراسة أوليّة عن هذا الموقع ضمن خطة صيانة وحفظ.

خطة صيانة وحفظ مسجد بليدا

المحتويات:

ـ مقدمة.

ـ تاريخ الموقع.

ـ خريطة الموقع.

ـ القيمة الثقافيّة للموقع.

ـ مخططات الصيانة والحفظ.

ب ـ المقدمة:

الزمن يشكل مركز الدائرة في دراسة الماضي، في التأريخ أو علم الآثار فالماضي لا يمكن أن يكون حاضراً، لكن آثار هذا الماضي تبقى محيطة بنا.

ويتفق المؤرخون وعلماء الآثار أن جزءاً كبيراً في حياتهم المهنيّة في نتاج الماضي لوضعه في الحاضر، سواءً كان ذلك بالكشف الحسي، أو التنقيب على الآثار وصيانة المخلفات القديمة.

كما تواجه علماء الآثار لدى مراقبة البناء الأثريّ جملة من المشاكل:

كيف تتم مراقبة الآثار القديمة بطريقة محكمة وموضوعيّة؟

كيف يمكن الربط بين مضمون الآثار حاضراً وحالتها الأصليّة عند إنشائها وإستعمالها؟

ماذا يمكن أن نفعل إزاء الواقع؟

فالمسألة توجب إجراء تحقيق عملي مفصّل بهدف الوصول إلى معلومات نوعيّة، وفي هذا التقرير الأولي مسجد بليدا(جبل عامل) سنتعامل مع الآثار القديمة الباقيّة والبناء الحالي حيث نأخذ بعين الإعتبار صفات الموقع وعلاقته بالحاضر والمساعي المبذولة لإيجاد صلة بالماضي في قلب من المستقبل.

كما نحاول أن نقيّم ما للمسجد من قيمة ثقافيّة ورمزيّة، وتأريخ إنشائه وتقنية هذا الإنشاء، ما يؤمن الفرص الوافرة للتحقيقات المستقبليّة، كما يؤمن التنميّة وصيانة الموقع لاحقاً.

تشمل مخططات الصيانة: وضع رسم مصوّر لتكوين الموقع مستقبلاً. ويعتبر هذا التقرير على إنه خطوة أولى للإطلاع السكان وأهالي القرية والمسؤولين على القيم الكامنة في مسجد بليدا.

إضافة إلى ذلك وضع مخطط أساسي للموقع، وذلك إعتماداً على المسح الحسي(الميداني) ليشكل العنصر الأساسي في هذا التقرير وإلى دراسة لمختلف أقسام الموقع من وجهة الصيانة أو الوجهة الأثريّة التي يمكن أن تسهم في معرفة أفضل لتاريخ البناء.

كذلك إلى إمكانيّة أن يكشف مشروع الصيانة تفاصيل أوفر عن طريقة البناء في مراحله الأولى أو السابقة بغية تنمية الموقع...

ج ـ القيمة الثقافيّة للموقع:

لكي نحصل على أقصى ما يمكن من المعرفة من مضمون هذا البناء التأريخي من الناحيّة الإجتماعيّة والثقافيّة وإلى النواحي السياسيّة والإقتصاديّة، وصولاً إلى المستويات التقنيّة، علينا أن نحاول تأسيس القيم التاليّة بالملاحظة والتحليل والجمع بينهما:

ـ أهمية الموقع من وجهة ثقافيّة رمزيّة.

ـ وضع الموقع الحالي والمستقبلي.

المبادئ العلميّة لهذا الموقع:

يقسم إلى أجزاء:

ـ خرائط قياسات الارتفاع وغيرها من المعلومات مما يقودنا إلى مخطط وحدات معماريّة.

ـ فسحة المدخل الخارجيّة.

ـ الفسحة الداخليّة: نزع جميع الزيادات الحاصلة وإظهار الحجر الأساسي مما يزودنا بأبحاث أثريّة ودراسات إستقصائيّة حول تأريخ البناء. كما وأن التعاون المتكامل بين الأثريين والمهندسين المعماريين المتخصصبن في بناء المساجد والقلاع والأمكنة الدينيّة سيسمح بالمزيد من المعلومات حول تفاصيل البناء والتقنيّة المتبعة في مراحله التأريخيّة.

إنَّ التصميم الأولي للموضوع هو مجرد تقييم لكافة الأوجه المتعلقة بخطة الصيانة للموقع. يبقى الأساس لمثل هذا المشروع: التنمية في كشف معالمه الأساسيّة.

ومن الممكن أن نتابع في وصف مختلف حيطان الموقع، فالبحث المفصّل في هذا السياق وتحليل مضامينه قد يشكف الكثير من تأريخ بنائه، غير أن المعلومات المتوفرة في هذه المرحلة تكفي لخدمة الهدف في الفهم التأريخي وفي وضع التصميم المستقبلي له.

د ـ القيمة المحليّة:

صيانة الآثار والمواقع القديمة أصبحت مسألة محوريّة في خاطر الحكومات الوطنيّة والإدارة الإقليميّة والبلديات.

السؤال الذي يطرح نفسه في كافة المشاريع هو: لصالح من تنفذ هذه الإنشاءات؟؟.

هل شعر السكان المحليون بدافع قوي لتحريك المشروع ولتعزيز إرتباطهم بهذه المواقع الدينيّة؟

هل هي محاولة لخلق واحة من السكينة في صحراء الحياة اليوميّة الصاخبة؟ أو حافز لخلق مكان للتأمل والتفكير، مكان للنظر في جوهر الوجود الإنسانيّ؟

مهما كانت الخلفيّة وراء خطة صيانة الموقع التأريخيّ، فوجودها مستقبلاً يخدم المنطقة المحيطة بها من وجهات مختلفة، إذ يصبح الموقع نقطة إرتكاز لزيارة السيّاح، مع ما فيها من منافع الإقتصاد المحلي، إضافة إلى التواصل مع أبناء الوطن، ما يضفي أيضاً على الموقع قيمة تأريخيّة وإجتماعيّة مع ما تمثله من أحداث تأريخيّة محدّدة تساعد في عمليّة الصيانة، سواء كان ذلك في مرحلة التحضير أو في السنوات المقبلة...

هـ ـ القيمة الإقليميّة:

تأريخ الموقع يضم قيمة رمزيّة للمنطقة المحيطة بالقرية، ومن الملاحظ أن تعايش السكان في نطاق بليدا لم يتأثر أبداً خلال عصور طويلة من سيطرة قوى سياسيّة أجنبيّة.

فخلال زمن البناء وإعداة البناء لهذا المسجد كانت الأجواء السياسيّة هادئة والأحوال مزدهرة.

إنَّ عمليّة الصيانة ستسهم بحد ذاتها في خلق وعي للقيمة الأثريّة والتأريخيّة للموقع في محيطه، كما يمكن أن تعتبر مثلاً يحتذى به في مناطق أخرى، متوجهة نحو إعادة بناء الماضي، وتحدد صلة الأرض والبيئة بالمعالم التأريخيّة.

وأنَّ هذا البناء الديني يمثل وحدة من الآثار الدينيّة في المنطقة يمكنها وصل السكان بأرضهم، ومسألة إرتباط السكان في المنطقة والتشبث اللبنانيّ في جنوبه ويمثل الموقع الإرتباط بتأريخ البلدان المجاورة والمناطق الجنوبيّة، ويكون الأثر الفاعل في بعث الشعور بالهوية الوطنيّة والإقليميّة.

و ـ المنظور المالي:

لتنمية أكثر وضوحاً، نقترح القيام بعدّة عمليات تنظيف ما يسمح للباحثين في الآثار والمهندسين بأن يحصلوا على تفاصيل أوفى حول تأريخ الإنشاء وصيانة الوحدات المختلفة في الموقع.

تلك الأعمال ستفيد الخطة الأكثر وضوحاً من حيث أرض المسجد التي تمَّ صبها سابقاً بالباطون وليصبح بالإمكان الحصول على تفاصيل هذه الآثار والكشف على بقايا الأرضيّة وعلى الحيطان المكسوة بالجص مما يساعد في دراسة مظاهرها وتسجيل معلومات مفصلة حولها.

إضافة إلى تأهيل الحديقة حول الموقع وتصميمها وإتساعها، وأمكنة الحفلات في الهواء الطلق.

ز ـ المنظور في الموارد البشريّة:

نتيجة لخطة صيانة المسجد: يفترض القيام بحملة تنظيف وجمع معلومات عن مختلف أماكن الموقع.

وإنَّ تسجيل المعلومات يمكن أن يشمل إرتفاعات الحيطان الداخليّة والخارجيّة، كذلك التحقق من المساحات التي ينتظر أن تكون فيها آثار قديمة، والمعلومات الحاصلة في هذه المرحلة الإستعداديّة يمكن أن توضع في تقرير لكي يبنى عليه المقتضى بشأن قابليّة المشروع للتنفيذ.

وفي المرحلة التالية، على مهندس الصيانة أن يحدد نطاق أية إستكشافات لاحقة تعتبر ضروريّة من أجل معرفة أوفر في صيانة الموقع وما يتبع من ملفات سيكون ضمن التصميم لخطة نهائيّة، لصيانة الموقع.