المعيصرة في عام 1970م

20/04/2015
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

الأستاذ طوني بشارة مفرّج

قام الأستاذ طوني بشارة مفرّج بكتابة موسوعة عن القرى والمدن اللبنانيّة في عامي 1970 ـ 1971م. تحت عنوانالموسوعة اللبنانيّة المصوّرة» صدر منها ثلاثة مجلدات فقط لا غير. والمجلد الثالث صدر في أوائل عهد الرئيس الراحل سليمان فرنجية.

وممّا جاء في كلامه عن قرية المعيصرة. فتوح كسروان ما يلي:

الموقع والخصائص

على مسافة 45 كيلومتراً عن بيروت عبر غزير ـ غبالة ـ زعيترة تحتل قرية المعيصرة مسطحاً ينتهي بثلاثة منحدرات من جهاته الثلاث، ويتصل برابية من جهة الشرق تقوم عليها قرية الزعيترة. تبلغ مساحة خراج المعيصرة 588 هكتاراً، يحدها شمالاً بزحل ونهر ابراهيم الفاصل بينها وبين قضاء جبيل، شرقاً زعيترة، غرباً العقيبة، وجنوباً قرية زيتون. ويبلغ ارتفاعها عن سطح البحر 650 متراً.

احدى قرى كسروان والفتوح النادرة التي تتعاطى زراعة التبغ، وبالإضافة إلى ذلك ليس فيها من النبات سوى البري، وأهمه السنديان والعفص والملول وبعض الشربين والصنوبر، ويعود سبب قلة أنواع زراعتها إلى عدم توفر الينابيع في أراضيها.

حوالى 45 بيتاً، أكثرها متواضع الحجم ذو طبقة أرضيّة واحدة، يبرز بينها مئذنة مسجد مبارك يشكل محور السكن في القرية.

نشوء القرية

معيصرة: المعصرة الصغيرة، الإسم عربي محض، في أواخر القرن الثامن عشر، كانت أسرة شيعيّة تعرف بآل عمرو لا تزال ساكنة في فتقا، علماً بأن الشيعة كانوا أول من عاد إلى كسروان بعد الفتح العثمانيّ، وكان على رأسهم المشائخ الحماديون، ثُمّ أخذت المنطقة تتحول شيئاً فشيئاً إلى الموارنة بسبب تولي المشائخ الموارنة عليها وسلخها عن اقطاع الحماديين. وعندما أصبحت فتقا بأكثريتها تحت سلطة الحبيشيين وزملائهم الدحادحة، رأى الحبيشيون أنه من الأنسب استبدال عقارات كانوا يملكونها في بقعة تعرف بالمعيصرة، بعقارات بني عمرو الشيعة القاطنين في فتقا آنذاك، وبالفعل، تمت المقايضة بين المشائخ وبني عمرو، واشترط المشائخ على المقايضين بوجوب الإبقاء على كنيسة كانوا قد بنوها في المعيصرة على اسم القديس يعقوب. فانتقل بنو عمرو إلى المعيصرة واستصلحوا اراضيها وبنوها، وهكذا انشأوا قرية جديدة لهم بعد أن تكبدوا الصعاب وعانوا الأمرين.

عمل بنو عمرو في تربية المواشي وفي زراعة الحنطة والتوت والكرمة وفي تربية دود القز، وكانوا منذ مجيئهم إلى القرية أسياد أرضهم، خلافاً للمبدأ الإقطاعي الذي كان سائداً في قرى الجوار. ولقد بقي للمعيصرة طابعها الإقتصادي الخاص المتميز عن قرى الجوار عبر تاريخها. ففي عهد المتصرفيّة، كان «مختلف في أمر استتباع المعيصرة لجبل لبنان أو حكومة طرابلس الشام، حيث كان يجري تحصيل الضريبة ـ الويركو ـ المترتبة عليها من طرف حكومة طرابلس (102)» ولم يحل هذا النزاع بين حكومتي جبل لبنان وطرابلس الشام على المعيصرة قبل أن تعلن دولة لبنان الكبير التي ضمت المنطقتين تحت حكومة واحدة.

المعيصرة بين المتصرفيّة والإستقلال

ويدوم الطابع الخاص بالنسبة لهذه القرية، فنراها تستبدل زراعة التوت بزراعة التبغ، في وقت كانت كسروان والفتوح ولا تزال فيه بعيدة عن معرفة هذه الزراعة. وبالرغم من أن القرية كانت تفتقر لزراعة الحنطة في سنوات الحرب العالميّة الأولى، فقد تمكنت من النجاة النسبيّة بأكثر عدد من بنيها الّذين لم يعرف الإغتراب منهم سوى عدد قليل. ففي ذكر للمعيصرة في العام 1906م. «كان فيها من الشيعة 60، وحاصلاتها من الشرانق 1600 اقة، وحيواناتها الداجنة 211 (80)». وقد استطاعت أن تحافظ على العدد نفسه من الأهالي عند إنتهاء الحرب. يعود السبب في ذلك إلى أنه كان في الدولة العثمانيّة موظفون من آل عمرو من المعيصرة، وقد عمل أولئك على ايصال بعض المواد الغذائيّة إلى القرية، كما بذلوا قصارى جهدهم في سبيل تأمين بعض المؤن إلى قرى الفتوح التي تجاورهم، وقد تمكنوا فعلاً من النجاح في بعض الأحيان. وقد اشتهر من أولئك الموظفين حسن كاظم عمرو الذي شغل منصب أمين سر والي بيروت ثُمّ ترقى إلى قائمقام في الدولة العثمانيّة، ثُمّ أصبح متصرفاً في العراق، حيث قتله العثمانيون لانحيازه ضد الدولة العثمانيّة أبان ثورة العرب عليها.

في عهد الإنتداب، لم يتجدد في المعيصرة سوى زراعة التبغ التي حلّت مكان التوت كلياً، إذ توقفت صناعة الحرير في العام 1937م. كما شُقّت لها طريق وصلتها بطريق يحشوش ـ غبالة في العام 1925م.

يوم الإستقلال واليوم

يوم كان النزوح يشدُّ أبناء القرى المجاورة إلى الساحل والعاصمة، كانت المعيصرة تجهد في زراعة التبغ، غير أن ذلك لم يغنها نهائياً عن المدينة، فسرعان ما بدأ القوم يقصدون المدينة طلباً لتعليم أبنائهم، ولمزيد من الرزق الذي لم يستطع التبغ وحده من سدِّ عوزه. فإن مدرستها الرسميّة الإبتدائيّة التي تأسست لها مع بدء عهد الإستقلال، مزودة بمعلم واحد، وماذا يستطيع معلم واحد أن يفعله لعدة صفوف يزيد عدد أفرادها مجتمعة على الخمسين طالبا؟...

في العام 1956، وصلتها المياه من مشروع نبع الضامن (نهر الذهب) وفي العام 1957 انارتها الكهرباء، كما زودت بشبكة مياه إضافيّة من مشروع نبع أفقا في العام 1969م.

مع هذا الإكتمال التجهيزي، تجددت أكثر بيوت القرية، غير أن ذلك لم يوقف نزوح أبنائها. وقد يساعد في تخفيف ذلك النزوح تعبيد طريق يصلها مباشرة بخط بيروت ـ طرابلس عند العقيبة، علماً بأن الأهالي كانوا قد شقوا الطريق من مالهم بالتعاون مع أهالي الزعيترة في العام 1964، وكل ما يبقى منها بلا تعبيد حوالى 8 كيلومترات، إذا عبدت تختصر من المسافة بين المعيصرة وبيروت حوالى 12 كيلومترا.

الثقافة خفيفة نتيجة ضعف مدرستها من جهة، وبعدها عن الساحل من جهة ثانية. كل ما تطالب به النظر بأمر مدرستها وطريقها (1).

الهوامش:

 

(1) الموسوعة اللبنانيّة المصوّرة للأستاذ طوني بشارة مفرّج، ج3، ص 336 ـ 337 ـ 338. الطبعة الأولى، تاريخ الطباعة تشرين الثاني 1971م.