بلدة النبيّ شيث (ع) في قضاء بعلبك ولمحة من تاريخها المُضيء

9/10/2017
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم السيد محمد يوسف الموسوي

 

تتربع بلدة النبيّ شيث (ع)، على تلة مرتفعة تعلو عن سهل البقاع الأوسط بحدود المائتي متر ونيف كحد وسطي وعن سطح البحر بإرتفاع وسطي يوازي بين 1200 إلى 1350 متراً، وتقع البلدة على تلال مُنبسطة تشكل أرضاً تتوزع بين إنبساط وحدة صعود بحسب قرب أو بعد المساحة عن التلال الأولى التي تعزلها عن سهل البقاع وبين الجهة الشرقيّة من البلدة وهي تشكّل قمة البلدة صعوداً وأعلى من مستوى الجهة الفاصلة عن البقاع والتي بدورها تعتبر إمتداداً طبيعياً لسلسلة جبال لبنان الشرقيّة، ومن الجهة الشرقيّة يعتبر ضهر الشير المطلّ على طول وعرض السلسلة الشرقيّة ومُشرف على وادي جنتا ويحفوفا الذي هو ممّر طبيعيّ لسلوك القوافل تاريخياً بين ما كان يعرف ببلاد الشام أو البحر المتوسط ودمشق عاصمة سوريا، الدولة المجاورة، والتي تقع على مسافة قصيرة وهي ما تسمى بمعبر او ممر سرغايا وهي أول بلدة سورية تبعد عن النبي شيث (ع)، بمسافة لا تتجاوز 7 كيلو مترات إلى 9 كيلومترات في حدها الأقصى يقابله مرتفعان جبليان يصعدان إلى علو 1800 متر في قمتيهما وهما جهة شماليّة وجهة جنوبيّة، يستمر الوادي ممتداً بك إلى إستشراف أراضي سرغايا ومنها سلوك نحو الجنوب موازٍ إلى قمم السلسلة الشرقيّة الشاهقة إمتداداً نحو عين حور وبلودان والزبداني وصولاً إلى مضايا ونزولاً نحو وادي بردى إمتداداً نحو مدينة دمشق.. هذا كان المسلك الطبيعيّ للقوافل التجاريّة التي إستمرت طويلاً إمتداد التاريخ... وشاءت الأقدار أن يشهد هذا الممر نهوضاً ونشوباً إلى قريب سنوات الثمانينيات من القرن العشرين المنصرم ولأسباب سياسيّة ليس هناك مجال للخوض فيها عنوانها العريض حصول عقوبات غربية في ثمانينيات القرن المنصرم أدت لإنتعاش مهنة التهريب بين لبنان وسوريا آنذاك.

قديماً، في التاريخ نَخطُّ المسافات، نمدُّ اليد إلى بطون الكتب القديمة، نرنو إلى مدادها وهي تحكي لنا خبراً يسوقه لنا مؤرخ دمشقي بل شيخ مؤرخي بلاد الشام وأقدمهم، هو إبن عساكر، الإمام العالم الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن إبن هبة الله بن عبدالله الشافعي المعروف بإبن عساكر 499 ـ 571هـ. صاحب المجاميع التاريخيّة والموسوعات ومنها سفره الطويل الجميل تاريخ دمشق الكبير في حجمه نقف معه يروي لنا الظمأ وهو يشير إلى بلدة النبي شيث (ع)، في زمانه وعصره يقول في سياق ترجمته لعَلَم من الأعلام إسمه يونس، هو يونس بن إبراهيم، أبو الخير. أظنّه من أهل همذان. قدم الشام. وحكى عن راهب لقيه عند قبر شيث بالبقاع، وقال له:

عظني، فقال الراهب:

كل أُنْسٍ دون الله وَحْشَة، وكل طمأنينة بغير الله دَهْشة، وكل نعيم دون دار القرار زائل، وكل شيءٍ سوى الله باطل. ثُمّ قال:

ثلاث بثلاث لا يُدركن:

الغنى بالمنى، والشباب بالخضاب، والصحة بالأدوية...(1).

في الإسم والمصادر

زارها عديدٌ من الرحالة وذكرها عددٌ كبيرٌ لا يُستهان به من المؤرخين نقف على بعضٍ منهم في هذه العُجالة:

إبن جبير توفي 614 هـ / 1217م.

لم يزر المقام لكنه وصف له بقوله: قبر شيث ونوح، وهما بالبقاع، وهي على يومين من البلد، وحدثنا من زار قبر شيث إبن بطوطة ركن الدين بن مُحرز بن محمد الوهراني توفي 575هـ. 1179م.

كان أحد المغاربة الّذين رحلوا إلى دمشق وأقاموا فيها زمن السلطان نور الدين محمود بن زنكي المعروف بالشهيد وزمن السلطان الأيوبي صلاح الدين الأيوبي وجهّت إليه خطابة مسجد داريا وزار مصر ثُمّ عاد إلى دمشق فبقي في داريا حتى توفي عام 575هـ أيام صلاح الدين ودُفن في تربة أبي سليمان الداراني محدّث وراوٍ له تُربة في مدينة داريا في غوطة دمشق... روى له وترجم عنه إبن خلكان ونقل لنا قوله: أمّا بعد أَيها الملك السعيد أدام الله جمالك، وبلَّغك في عدوّك آمالك، فإن مقام إبراهيم أصبح في كل وادٍ يهيم، ومغارة الدم لا تستضيف من الدم، ومشهد الكهف لا يفتر من اللهف، ومشهد هابيل قد رُمي بطير أبابيل، ومشهد شِيثْ قد إستأصله الخبيث، ومشهد نوح نبكي عليه وننوح، وقبر جيلة مالنا فيه حيلة، وقبر إلياس قد وقع منه الياس. فلحقت المشاهد بأربابها، وأمست رميماً كأصحابها، قد محتها العوادي، وحدا بها الحادي(2)...

المؤرخ علي بن أبي بكر الهروي الموصلي توفي 611هـ. 1214م. صاحب كتاب الإشارات إلى معرفة الزيارات...

وله قول في أنّ المقام المنسوب إلى النبيّ شيث (ع)، إنما هو شيث إبن النبيّ نوح (ع)...

الشهيد الثاني العامليّ q، أكدّ على مكرمة مشهد شيث (ع)(3)، ومن متأخري الرحالة نقرأ أسماء:

الشيخ عبد الغني النابلسي في كتابه حلة الذهب الإبريز في رحلة بعلبك والبقاع العزيز. زار النبيّ شيث وأقام ليلة في البلدة.

وروى أخباراً مهمة ذات معانٍ تستحق الوقوف أمامها، وسجل أقواله في كتاب من مجلدات الشيخ ابراهيم بن عرفات القطيفي الحجازي في كتابه «الكشكول » سجل ملاحظاته حول المشهد للنبيّ شيث (ع)... مطبوع.

ومن الرحالة المستشرقين نقرأ إسم إدوار روبنسون الدكتور في اللاهوت والفلسفة نقرأ له نصوصاً دالة من كتابه (يوميات في لبنان تاريخ وجغرافيا، فصول إختارها وترجمها عن الإنكليزيّة أسد شيخاني من كتاب مباحث توراتية عن فلسطين والأقاليم المجاورة، ج2، ص 280 إلى ص 282، منشورات وزارة التربيّة والفنون الجميلة تشرين الأول سنة 1950م. وهي رحلة جرت فصولها سنة 1838م. يقول في أحد المقاطع من كتابه المذكور: ثُمّ نزلنا وعبرنا وادياً عميقاً على الجانب الآخر، يمتدُّ شمالاً وغرباً إلى النبيّ شيث، فوصلناها الساعة الثانية عشرة والدقيقة الخامسة عشرة، أدرنا أنظارنا نفتش عن مكان ظليلٍ نرتاح قليلاً عنده ونتناول طعام الظهر، فوجدنا بيتاً غير مأهول حديث التبييض (الطرش) بالكلس، فاحتللنا الرواق وجلسنا هانئين، رآنا صاحب البيت واكتفى بمراقبتنا من بعيد. ويظهر أن الضباط الأتراك يحتلون البيوت ساعة يشاؤون ويجبرون الأهالي على خدمتهم، ولذلك بقي صاحب البيت بعيداً عنا، ولكنا دعوناه فلبّى الدعوة وجاء يرحب بنا ويُشعرنا أننا في بيتنا.. وفي حاشية من الكتاب يقول: «النبيّ شيت، قرية كبيرة موقعها عند منتصف المنحدر الغربي من المنحدر الأكثر إنخفاضاً في هضاب لبنان على بُعْدِ ميل ونصف تحت النبيّ شيت إلى الشمال مباشرة تقع قرية الرمادي كانت إمتداداً لقرية طبشار... » إنتهى.

إستوقفتني في إنطباعات إدوار روبنسون عدّة ملاحظات، من سياق كلامه في تلك الرحلة أنّه وَصَلَ إلى النبيّ شيث من الجهة الجنوبيّة، عبر قريتي ماسا والناصريّة ودخولاً في وادي قنا (مجرى النهر) صعوداً نحو البلدة متوجهاً شمالاً نحوها متجاوزاً التلال الصاعدة وصولاً إلى أوائل بيوت البلدة بعبارته مثال بيوتات الأقدمين التي أدركناها وقطنّاها أيام الصِبا والطفولة، متحدثاً عن أمر في غاية الأهمية هو، ما ولد لدى روبنسون إنطباعاً من خلال لَمْحِهِ لأحد الأهالي عن أمر في غاية الأهمية هو، وأعطى لنا خدمة مهمة في تعرّض البلدة مثل كثير من القرى المجاورة والبعيدة لكبسات العسكر التركي ـ العثمانيّ ـ وهُنا تحضرني قصّة من الذاكرة الموروثة ومعاصرة لرحلة روبنسون عن أحد المتقدّمين في العمر وكان مع قطيعه من الغنم والماعز ولّما أدرك قدوم العسكر التركي واتجاههم نحوه، لبس فروة غنم وتسلل بين القطيع متخفياً من عيونهم وبذلك ظفر الرجل بالنجاة من يد العسكر التركي... وكان إسمه السيّد زين ومعاصر للمير سليمان الحرفوشي (للتوسع انظر كتاب «سجل محررات القائمقاميّة النصرانيّة في جبل لبنان » جمع وفهرسة وتعليق المؤرخ سليم حسن هشي)... وتعيينه موضع قرية الرمادي وهي تقع شمالي بلدة النبي شيث وهي خربة إلا من بعض البساتين وبقايا أحجار تدّل على عمران قديم وعين ماء، وقد ذكرها المعلوف في «الأخبار المروية عن الأسر الشرقيّة »، ج7. وتكلّم حولها وهي تجاور قرية طبشار المجاورة... ولا زالت هذه الأمثلة حاضرة في البال والأذهان تحدّث عن أخبارها.

ومن جملة الفوائد ما رواه المؤرخ الحجازي الشيخ إبراهيم بن مهدي عرفات القطيفي في كشكوله متحدثاً عن ملاحظاته بما يخصّ مقام النبيّ شيث (ع).

ومن عادة أهل بعلبك أنّهم يُسمّون القرى التي دُفِنَ فيها أحد الأنبياء بإسم ذلك النبيّ مثل:(النبيّ رشادي) و(النبيّ شيث) وغيرهما. ووجدت مشاهد أنبياء كثيرة مدفونة في جبل عاملة حتى كان من أجل ذلك العوام منهم كل مزار رآه يقول: هذا النبيّ... ولا يبعد فإنّ الشامات ونواحيها وتوابعها هي أمكنة أنبياء بني إسرائيل وهم كثيرون...

ولما زار الحقير النبيّ شيث، سأل خدّامه عنه كيف علمتم أنَّ ولد آدم شيث النبيّ (ع)، قد دُفن هُنا، حتى طولتوا ـ كذا ـ قبره هذا الطول الفاحش. وقبره يقرب في الطول من قبر أمّنا حوّاء u، في بلاد جدّة ـ وقد طالت المدّة وعفاه الطوفان. فتقدم رجل من خدامه ـ يزعم أنّه من ذريّة الشيخ محمد بهاء الدين العامليّ (4)، فقال:[« سمعت أنّه كان أصله رجمة أحجار. وجعل يقصّ القصة، فقلتُّ أسكت وقد فهمت وقد حصل في سنة 465هـ. زلزال قويّْ في بعلبك فسقطت أسوارها وأكثر قلعتها... أنظر السيوطي في كشف السلسلة عن وصف الزلزلة مخطوطة اعتمده د. الياس قطايا» ].

ومن الملاحظ أنّ أسلوب الشيخ إبراهيم بن مهدي آل عرفات القطيفي q قد عمّمه على جملة قبور ومشاهد الأنبياء التي زارها وهي النبيّ أيلا ـ ايليا (ع)، ومقام العوسجي هو محمد العوسجيّ ولا يوجد نبيّ إسمه محمد سوى خاتم النبيين رسول الله w، فيكون القبر لعالم جليل أو وليِّ. يقع في تمنين التحتا واستثنى من رحلته مقام النبيّ نوح (ع)، في الكرك وتاريخ زيارته وقعت بالنسبة للنبيّ شيث (ع)، 14 شعبان 1221هـ. والنبيّ ايلا (عليه السّلام)، في 3 شعبان سنة 1221هـ.

وزار بلدة النبيّ شيث (ع)، شيخ الصوفية على الطريقة القادريّة عبد الغني النابلسي وسجّلَّ ملاحظاته ومعايناته وانطباعاته في رحلة مسماة:«حلة الذهب الإبريز في رحلة بعلبك والبقاع العزيز»

وقد طُبعت هذه الرحلة في المعهد الألماني للأبحاث الشرقيّة... وكان منطلق الرحلة تلك من مدينة دمشق. قبل طلوع الفجر من يوم الثلاثاء الخامس عشر من ذي القعدة 1100 و(30 سبتمبر 1689م.) مبتدئاً بزيارة رأس النبيّ يحيى (ع)، في الجامع الأموي ثُمّ توجه إلى باب البريد، مع من معه، ليركبوا الخيل، وتوجه إلى الصالحيّة فزار قبر محيى الدين بن عربي، ثُمّ زار قبر الشيخ محمد وقبر الشيخ يوسف القميني ثُمّ اتجه نحو قبر أبي بكر بن قوام. فمزار محمد الزغبي، ثُمّ توّجه إلى قبة سيّار في جبل قاسيون ومنها إلى قرية دُمَّر. فقرية كفرالسوق ثُمّ قبر قابيل وهابيل ثُمّ تكية الدورة ثُمّ منبع نهر بردى ثُمّ قرية ـ مدينة ـ الزبداني وزيارة قبر العدل السُلمي، فجامع الدلة، ومغارة يحيى، فقرية سرغايا الروضة: هي غيضة النبيّ شيث تتضمن نبع ماء غزير عذب وجنائن من الأشجار المثمرة على أنواعها كالجوز والتفاح والسفرجل والخوخ ونحوه. فقرية نبيّ الله شيث، وقبر شيث (ع)، ثُمّ كرّت سبّحة القرى والأماكن ومن النبيّ شيث إبتدأ بزيارة وادي بليتار ـ بريتال، فقبر عبدالله اليونيني في يونين، فبعلبك. وفي طريق العودة من بعلبك ثُمّ قرية تمنين ثُمّ قرية النبي أيلا فقرية كرك نوح، فقرية سعدنايل في سهل البقاع وقرية تعلبايا، فقرية قب الياس و... و... و...

نقف على ملاحظاته في خصوص ما يضيء لنا على مجريات ما حصل معه يقول: روضة النبيّ شيث [ويريد بها من خراج بلدة سرغايا اتجاه شمال غربي داخلاً في طريق ذي حاجزين جبليين من الجنوب والشمال وممّرهما هو في موازاة نبع الماء غيضة النبيّ شيث (ع)، ومن أوقافه عليه التحية والسلام وفيه بعض التعرج يتخلله الجبلان المذكوران وهو وادٍ غني. بموارده الزراعيّة وأشجاره من الحور والجوز والتفاح والإجاص والدراق والخوخ والتوت البري واللوز والتين، يتخلل هذا الطريق قريتان صغيرتان هما يحفوفا تليها جنتا]، ثُمّ ركبنا وسرنا بين مياه ورياض وأزهار وغياض، وجبال وصخور، وحصىً كأنّها قلائد النحور إلى أن وصلنا إلى قرية نبي الله شيث (ع)، وكان ذلك قبيل الظهر وليس في تلك القرية منبر ولا خطيب ولا إمام. فخالفنا أهلها وصلينا الصلوات جماعة على وجه الإجلال والإعظام. ورأينا فيها مسجداً فيه محراب إشتَّقوا له من إسمه فحاربوه، وقد سمعناهم يسمّونه بالتكيّة. وفيه قنديلٌ معلَّقٌ فيه في الجهة الشرقيّة، على خلاف المُعتاد في القضيّة إلاّ أنَّا وجدنا فيها شيخاً من أهلها عنده إحتفال بمن يرد عليه إكرام، وقد تقيّد بنا وانطلق معنا فيما توجهنا إليه من المرام (قبر شيث). وقد زرنا قبر نبيّ الله شيث عليه أبلغ التحية والإنعام. فرأيناه قبراً عظيماً عليه مهابة وجلالة وإحتشام، ومقدار ذلك القبر نحو الأربعين ذراعاً، وعرضه يبلغ باعاً وباعاً. فوقفنا عنده ودعّونا الله تعالى بأنواع الدعاء، وصلينا هناك ما تيّسر لنا وامتلأ بالأجور من الوعاء... وقد ذكر الشيخ الإمام عليّ بن أبي بكر الهروي q، في كتابة الزيارات (5)...

بعد ذكر الكرك التي هي من أعمال بعلبك، التي بها قبر نوح (ع)، قال: وقبرُ شيث بن نوح وقيل قبر شيث بجبل أبي قُبَيْس. والصحيح أنّ الذي بجبل أبي قبيس هو شيث بن آدم (ع)، والله أعلم... ويضيف النابلسي يقول: وهناك عند رأس قبر النبيّ شيث(ع)، قبة عجيبة على أربعة أركان، مبلّط أرضها بالأحجار. وهي متقنة غاية إلاتقان. وفي وسطها صهريج مُحْكَمُ الأحجار غاية الإحكام، يجتمع إليه الماء من سطح النبيّ شيث(ع)، وفمه مجعول كالفسقيّة، وهو في مكانٍ مرتفع مطلٌ على تلك البريّة. وقد نظمنا في مقام شيث(ع)، هذه الأبيات، بناءً على أنّه شيث بن آدم عليهما من الله تعالى أشرف التحيّات، وهو الذي تقتضيه لوايح الإشارات:

عنا لقد زالتِ الشرور

وكل أوقاتنا سرور

وكل حين لنا سماعٌ

وكل آن لنا حضور

حيث نبيّ الله شيثٌ

جئنا إلى حيّه نزورُ

وعمّنا بالعطايا

فكل شيء نراه نور

وأثمرت روضةُ الأماني

لنا فاضتْ بها الزهور

نهارُنا كلُّه شموس

وليلنا كلّه بُدورُ

ونحن من شيث النبيّ الـ

ـذي كمالاته بحورُ

نغترف الفضل من نداهُ

والدرُّ تدري به النحور

عليه أوفى صلاةِ ربّي

ما ابتسمت من الجنان حور

مع السلام الذي شَذاه

من غير طيٍّ له نشورُ

ما هبَّ ريحُ الصبا وغنّتْ

على غصونِ الرُّبى طيور

وقلنا أيضاً في ذلك:

يا نبيَّ الله يا شيثُ

منك سرُّ الحق مبثوث

صفوةُ الله ابن صفوته

فيه علمُ الله موروث

قد سعدنا في زيارته

وجوادُ العزم محثوث

وثواب الله زاد لنا

حيث فينا كان برغوثُ

وعلينا الله جادَ بما

جادَ، والإكرام مبعوث

وكانت ليلتنا بالنبيّ شيث (ع)، ليلة برغوثيّة، وذلك الجامع الذي بتنا فيه بل تلك التكية، كانت علينا بالحر محمية.

ونقف عند المؤرخ إبن شدّاد الحلبي هو عز الدين أبي عبدالله محمد بن علي بن إبراهيم المشهور بإبن شدّاد المتوفى سنة 684 هـ. في كتابه «الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة ـ تاريخ لبنان والأردن وفلسطين» ص 270 ـ الباب السادس في ذكر ما بمجموع هذه الأجناد الثلاثة من المزارات... يقول: قبر شيث بن نوح. وقيل قبر شيث بجبل أبي قبيس، والصحيح أنّ الذي بجبل أبي قبيس هو قبر شيث بن آدم (ع)... انتهى.

قلت: ونقل ما دوَّنه عن صاحب كتاب «الإشارات إلى معرفة الزيارات»، السابق الإشارة إليه آنفاً، ومروية الشيخ عبد الغني النابلسي عنه أيضاً كما في حياة الذهب الآنفة فليلاحظ. ولم يجد عند الصفدي، خليل بن أيبك المؤرخ المعروف في كتابه الوافي بالوفيات، ج16، ص 203 منه عن مادةٍ قررها تحت إسم شيث بل تكلّم حول 3 فقهاء جلّهم شيث بن كمال الدين إبراهيم وثانٍ بإسم شيث بن إبراهيم ونحوهما...

وبالوقوف على كتاب للمؤرخ طه ياسين الفرضي البقاعي مخطوط في الجامعة الأميركيّة ببيروت، يقول: وأمّا من جهة تدقيق وجود إسم شيث إبن لنبيّ الله نوح (ع)، بالبقاع عيّن موضع المقام ... نقف على كتب الأنساب تقول: روى النّسابة السيّد جعفر الحسينيّ الأعرجيّ في الجزء المخطوط من كتابه الدُّر المنثور في أنساب المعارف والصدور، ص 2، ما يلي:

هذا الترميم يختص بكتاب الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة لإبن شداد بالتالي خروجه من هذا الموضع والأصوب أنه حاشية للكتاب المذكور.

1ـ عُني بنشره وتحقيقه ووضع فهارسه سامي الدهان دكتور دولة في الآداب من باريس عضو «المجمع العلميّ العربيّ» بدمشق طبعة «المعهد الفرنسيّ للدراسات العربيّة»ٍ بدمشق سنة 1382هـ. ـ 1962م... هذا الترقيم يختصُّ بكتاب الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة لابن شداد بالتالي خروجه من هذا الموضع. والأصوب أنّه حاشية للكتاب المذكور.

الباب الأوّل في بيان أنساب بعض الأوائل من العرب العاربة والمستعربة وبعض العجم والترك والفرس والروم ـ اليونان على سبيل الإيجاز وبسرده من أبي البشر آدم فنقول والله الموفق. إعلم إنّ آدم أبو البشر وهو أوّل من خلقه الله منهم وقد أهلك في طوفان نوح(ع)، جميع أبناء آدم (ع)، إلاّ نوح بن لمك بن متوشلح بن آخنوخ بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم(ع)، ومن جملة من معه في السفينة، ولا خلاف بين النّسابين والمؤرخين تبعاً للكتب السماوية بإنحصار النسل بنوح (ع)، وأنّه أولد من ثلاثة رجال 1ـ سام، 2 وحام، 3ـ ويافت.

ومن نسلهم ملئت الدنيا. فأمّا يافت بن نوح فإنّه أولد تسعة رجال ألخ... أنظر ص 2 و 3 من «الدر المنثور»، الجزء المخطوط.

وأقرأ ما دبّجه يراع السيّد جعفر الأعرجيّ أيضاً في كتابه الآخر المسمى الفلك السائر في أنساب القبائل والعشائر ص 4.

ومثله في كتاب «الذهب في معرفة أنساب العرب» ص 13 وما تلاها مخطوطة لمصطفى حمدي بن أحمد الكردي الدمشقي ومنه نسخة مطبوعة بتحقيق الأستاذ كامل سلمان الجبوريّ ويروي النّسابة البغدادي محمد أمين السويدي في كتابه «سبائك الذهب في أنساب قبائل العرب» يقول: النبيّ شيث ويُقال قبره في سرعين من أعمال بعلبك وقريبٌ ممّا مضى خبره نقرأ في كتاب «الأنساب المشجرة» مخطوطاً نشر مكتبة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، النّجف الأشرف، بتحقيق وتعليق الشيخ عبد الأمير كاشف الغطاء. طبع مكتبة السيّد المرعشي، قُم، حين تعرَّض لذكر إسم شيث هبة الله ابن أبي البشر آدم (ع)... كما لا ننسى خبر وجود مقام للنبيّ شيث (ع)، في مدينة الموصل العراقيّة، وقد ذكره المؤرخ الموصلي العمري في كتابة تاريخ «منية الأدباء في تاريخ الموصل الحدباء»، لياسين خيرالله العمري وكتاب «منهل الأولياء ومشرب الأصفياء من سادات الموصل الحدباء» لمحمد أمين بن خيرالله العمري وكلاهما أخوان وهو مسجد قديم، ولم يبينا تاريخه تحديداً بشكل يبرزه ضبطاً، ووجدت في رحلة ثانية للشيخ عبد الغني النابلسي غير «حلّة الذهب الإبريز» وفي أثناء تجواله في بعض مناطق سوريا ـ يحدثنا عن وجود مقام للنبيّ شيث (ع)، وهو على رأس جبل، ويؤكد النابلسي أنّ الذي زاره في نواحي بعلبك والبقاع هو أصبح من هذا... وعلى أنّه عنده هو شيث بن نوح (ع)، مسايراً ومؤيداً كلام الهروي ومثله فعل إبن شداد على ما مرّ معنا، ومعلوم بوجود عدّة قرى لبنانيّة سواء في الجنوب أو ساحل كسروان تحمل إسم شيث مثل جبشيت وعد شيث في قضاء النبطية وعمشيث في ساحل كسروان.

وعند الإتجاه نحو كتب البلدان وجدتُ فيها ما يلي:« كتاب «البلدان»لليعقوبيّ، أحمد بن أبي يعقوب إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح الشهير باليعقوبيّ المتوفي سنة 284هـ. ط. أول، سنة 1422هـ./ 2002م. ص 163 منه وهو إنما خَطَّ الطريق المسلوك بين مشاهير المدن الكبيرة التي كانت تمثل حواضر وأوابد مثال دمشق والزبداني ثُمّ مدينة بعلبك. وأنهى كتابه هذا في مثل هكذا إجتزاء. للعلاّمة عبد القادر بدران ». ط. المكتب الإسلاميّ ـ كتاب «منادمة الأطلال ومسامرة الخيال». مضمونه يحتوي على مجموعة الآثار الدمشقيّة والمعاهد العلميّة إشراف زهير الشاويش طبعة ثانية سنة 1405هـ ـ 1985م. بيروت ما تعرّض فيه إلى مضمون بحثنا لخروجه عن نطاقه الجغرافي، وحصرها ضمن مساجد وأوابد وآثار مدينة دمشق... نشدُّ أنظارنا نحو كتاب يفرض نفسه بقوة مصنّفة وبراعته في مجال وصف وتشخيص المشاهدات هو المؤرخ الرحالة، أحمد وصفي زكريا وهو الأديب المحقق الباحث الخبير النّسابة اللبيب صاحب عدد واسع من الكتب المفيدة والنافعة مثل: 1ـ عشائر الشام. 2ـ جولة أثرية في بعض البلاد الدمشقيّة. 5ـ المشاهد(6) والآثار في بلاد الشام، نقف على بعض مقاطع تفيد موضوعنا من هذا الكتاب الأخير.

قبل الكلام عنه هو يصف لنا طريق السلوك الجغرافيّ بما يشبه أي جغرافي عريق فيأتي على ذِكرْ المسافات وأسماء القرى وأسماء التلال والجبال وارتفاعها والينابيع والبساتين وأنواع الفواكه والخضروات. أنظر مثالاً عليه من صفحة 123 إلى صفحة 133. يقول كما في صفحة 132 منه:

عودةً إلى إياب: يترك الطريق على اليسار السكة الحديديّة ويتجه نحو الغرب من يحفوفة يلحق برياق إذا تتبع مجرى وادي يحفوفة الظليل الندي، وإذا مرّ من أسفل قرية النبيّ شيث سكانها 800 جعفريون وإسم هذه نشأ من وجود ضريح فيها بإسم النبيّ شيث.

نعود إلى إبن فضل الله العمري، هو شهاب الدين أحمد بن يحيى المتوفى سنة 749 هجرية في كتابه «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار». المجلد الأوّل ـ المسالك والآثار والأقاليم. صفحة 268، طبع دار الكتب العلميّة، تحقيق الأستاذ كامل سلمان الجبوري يقول وهو يصف لنا القبور والأضرحة والمشاهد في البقاع قبر نوح (ع)، بقرية تعرف بالكرك، من أعمال بعلبك.

قبر شيث، بقرية تعرف بشَرْعِينَ [واضح المعنى بسرعين]. بالقرب من كرك نوح. وقبر الياس النبيّ بقرية قبر حزقيل، أحد أنبياء بني اسرائيل بالبقاع، غربي كرك نوح. وسبق أسماء عدد من الأنبياء وكلاه راجع إلى هذا الكتاب.

في كتاب «صبح الأعشى في صناعة الإنشا» تأليف أحمد بن علي القلقشندي المتوفى 821 هجرية 1418 ميلادية، ط. دار الكتب العلميّة، شرحه وعلّق عليه وقابل نصوصه محمد حسين الدين، المجلد الرابع صفحة 147، يقول: ينقل عن «الروض المعطار في وصف المعرّة» وهي معرّة النعمان من محافظة ادلب السوريّة وجدت خبره عند المؤرخ آل الجندي العباسي في كتابه «تاريخ معرة النعمان» يقع في جزأين ويصفها بمدينة من جُند حمص لها سبعة أبواب: باب حلب، والباب الكبير، وباب شيث، وباب الجنان، وباب حمص، وباب كذا. قال: ويُذكر أن قبر شيث بن آدم (ع)، عند الباب المنسوب إليه فيها.

إذن ونحن نقف على كلام القلقشندي وهو مصري مشهور ونسّابة معروف ونحوي كبير ومؤرخ بارع يجهل مواضع المشاهد والأضرحة في بلاد الشام، فهو هُنا كأني به قد تسمّر في كلامه الرحالة الشيخ الصوفي المفسّر والمتأوّل عبد الغني النابلسي وأثبته في بعض كتبه كما مرّ معنا ولم يؤيده، بل ذهب إلى تأكيد أرجحيّة من في البقاع عليه، وعندي لا يخرج كلامه عن هذا المعنى.

نذهب إلى مؤرخ جديد معدود في القائمة الأولى من أعلام التاريخ هو الشيخ محمد أديب آل تقي الدين الحصني في كتابه «منتخبات التواريخ لدمشق» يقول في ج2، ص 379 / 380: نبيّ الله شيث عليه الصلاة والسلام هو ابن آدم لصلبه ووصيه قال في العرائس ذكر أهل التواريخ وحملة الأخبار أنّ آدم عليه الصلاة والسلام مرض قبل موته أحد عشر يوماً وأوصى إلى إبنه شيث وكتب وصيته ثُمّ دفع كتاب وصيته إلى شيث وأمره أن يخفيه من قابيل وولده لأنّ قابيل كان قد قتل هابيل حسداً منه فأخصَّ شيث ولده ما عندهم من العلم ولم يكن عند قابيل وولده علم ينتفعوا به فاتخذوا اللهو من الطبول والمزامير والعيدان والطنابير وانهمكوا في اللهو والمعاصي وشرب الخمور وعبادة النار والزنا والفواحش حتى أغرقهم الله تعالى بالطوفان أيام نوح وبقي نسل شيث، انتهى.

يعني نسل شيث هم الّذين آمنوا به فجعلهم معه في السفينة فنجوا من الغرق وشيث لفظ سرياني معناه هبة الله قال في الأنس الجليل. عاش تسعماية سنة واثنتي عشرة سنة ومات لمضي ألف ومائة واثنين وأربعين سنة من هبوط آدم (ع)، وإلى شيث تنتهي أنساب بني آدم كلهم واختلف في مكان قبره، قيل دفن في قبر أبيه وقيل دفن بقرية سرعين من أعمال بعلبك قلت وهو هذا المشهور بين أهل الشام وقد غلب إسمه على القرية الآن فصارت لا تعرف إلاّ بالنبيّ شيث وقبره مشهور بها يقصد بالزيارة من الأماكن البعيدة. ثُمّ قال الشهاب المنيني وقد زرته وقست مساحة ما يحاذي قبره الشريف سبعاً وثلاثين خطوة. (وأمّا) صاحب كتاب الأنس الجليل المشار إليه فهو الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل لمجير الدين الحنبلي. (وأمّا) الشهاب المنيني فهو شهاب الدين أبو النجاح أحمد بن عليّ بن عمر الدمشقي الحنفي ت 1172هـ. له: 1ـ إجازة المنيني مطبوعة عن جامعة الكويت، 2ـ الفرائد السنيّة من الفوائد النحويّة مطبوعة، 3ـ الأعلام بفضائل الشام، 4ـ العرف الناسم على رسالة قاسم، 5ـ الفرائد السنية من الفوائد النحويّة جزءان، القول السديد في اتصال الأسانيد 3 أجزاء، 7ـ فتح القريب بشرح مواهب المجيب.

ولمقام النبيّ شيث (ع)، وقفية عامّة شاملة حقوق المقام من تولية وخدمة الزوار وأراض واسعة يمنة ويسرة وشرقاً وغرباً وضعها الشيخ محمد الغصن سنة 517 هجري. وقد جاء ذكرها في طيّات وصف وثيقة الوقفيّة الكركيّة التي سبق لنا شرف الكتابة عليها في عدد سابق من مجلة «إطلالة جُبيليّة».

يقول المؤرخ والأديب اللبنانيّ أنيس فريحة في كتابه «معجم أسماء المدن والقرى اللبنانيّة»، ص 181، ط. مكتبة لبنان.

النبي شيث In-Nabishi(ع) إسم عبري [رمزه] (Sheth)  ع وهو الإبن الثالث لآدم وحوّاء وفي التوراة يُفسَر على أنّه مشتق من فعل وَضَع (Sheth)ع

 

 

 

الهوامش:

(1) أنظر كتاب «تاريخ دمشق» لإبن عساكر. و «مختصر تاريخ دمشق» لإبن عساكر، فالإمام محمد بن مكرم المعروف بإبن منظور 630 ـ 711هـ. الجزء السابع والعشرون ص 102، رقم 82، طبع دار الفكر ـ تحقيق: روجيه النحاس ـ محمد مطيع الحافظ.

(2) أنظر كتاب «دمشق الشام في نصوص الرحالين والجغرافيين والبلدانيين العرب والمسلمين» إعداد أحمد الإيبش و د. قتيبة الشهابي، ج1، ص 273/274.

(3) أنظر كتاب «روضات الجنات» للسيّد محمد باقر الموسويّ الخونساريّ، ج2، ص ، طبع الدار الإسلاميّة.

(4) من أسرة الحاج حسن الهمداني. وأفخاذهم بيت الحاج محمد وبيت الحاج حسين وبيت الحاج علي وبيت شحادي. ومعظمهم يسكنون اليوم بلدة ناشئة تابعة للنبيّ شيث (ع)، إسمها حوش النبيّ.

(5) هو كتاب «الإشارات إلى معرفة الزيارات للهروي» مطبوع.

(6) كتاب «المشاهد والآثار في بلاد الشام» د. دار الشام ومؤسسة رسلان للطباعة والنشر والتوزيع، سنة 2008م. دمشق.