العادات والتقاليد والأمثال...

09/04/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

إنّ التراث الشعبي يُشكِلُّ جانباً مهماً  من البناء الثقافيّ، وبالتالي فهو يحمل تطلعات أجيال ويختصر تاريخ أمة، وهو كل ما تركه الأجداد عبر الزمن، ومن التعبيرات الروحيّة(كفنون الأدب الشعبيّ، والموسيقى، والرقص، والغناء، والحكايات والأساطير، والأمثال، والألغاز، والمعتقدات الشعبيّة، وتشمل كذلك التعبيرات الماديّة كفنون الرسم، والنقش والعمارة والأثاث والأزياء والصناعات الحرفيّة والمأكولات والطب  الشعبيّ...).

هذه الفنون تتصف بالعراقة والقدم، وتتصف بالعفويّة والحيويّة، وهي تعبّرُ عن روح وذوق الجماعة وتمثل تطلعاتها، والوطن العربيّ حافل بالمظاهر التراثيّة والإبداعات الشعبيّة المتشابهة نظراً لطبيعة الحياة الإجتماعيّة والنظم والعلاقات السائدة فيها.

إنّها نمط سلوكي يرتضيه الفرد والجماعة لأنفسهم، تميل إلى الثبات بمرور الوقت، بل إلى الإنتقال الوراثي وهي السلوك الذي تفرضه الجماعة وتتوقع من الأفراد أن يسلكوه وإلا تعرضوا لإنتقاد الآخرين، وهي كثيرة ومتنوعة، إنّها تمس الحياة الإجتماعيّة بكل مظاهرها، وهي تختلف بعض الشيء بين بلد وآخر وبين منطقة وأخرى وبين طائفة وأخرى...

وعادات أهل القرى في لبنان كثيرة. فمثلاً عند النوائب كانوا إذا أصيب أحدهم بنكبة أو خسارة إجتمعوا في بيته ينفقون عنه، ويسعون للتعويض عليه. وكانوا يقولون للمصاب بخسارة مالية، بالمال ولا بالرجال. وكان من مزايا الأُسر القرويّة المشاركة في الأحزان والأفراح، وكانوا يتبادلون الدعوات في المناسبات والزيارات، وَتُعرف عندهم الدعوة بإسم العزيمة.

والدعوة إلى الطعام مُنتشِرةٌ في كل المناطق. ويقال أن الأهالي كانوا يُعدّون في القرى الكبيرة، مضيفاً ومنزولاً خاصاً للضيوف بنفقات أهل القرية، فالموائد القديمة كانت بسيطة وميّسرة وهي: عبارة عن بساط واسعة تفرش وتوضع على الأرض وتسمى السفرة  وعلى هذه السفرة تُمّدُ الأطعمة المعروفة، كاللبن والبيض البلدي والخضار والمنتوجات الزراعيّة واللحم والأرز المفلفل والزيتون، وكان القرويون لا يقبلون عُذراً لمن لا يشاركهم الطعام، وقد يظنون ذلك إنتقاصاً من قدرهم، فيقولون مثلاً مالحنا  أو  جابرنا  أي أجبر قلوبنا بقبول دعوتنا إلى المائدة. والمدعو من الضيوف يرد: جود من الموجود و لا تعذب حالك... من حواضر البيت.

ومن العادات المتعلقة بالولادة والأطفال، كانوا إذا طال الزمن ولم تحمل المرأة، يقدّْمون النذور للمزارات الدينيّة، وإذا حملت فرحوا بها كثيراً. وفي الأشهر الأولى من الحمل وخاصة عندما تشعر المرأة بإضطراب جسماني ـ يعتبر ذلك عندهم (أشهر الوحام) ـ تتدلل المرأة وتتغنج على زوجها وعلى والديه فيحرصون على إشباع رغباتها ومتطلباتها. أمّا السرور والفرح الأكبر عندهم عندما تلد الحامل ذكراً، فيحضرون المغلي ويقدمونه للزوار.

وفي هذا المجال نذكر أيضاً أن من عادات الطوائف المسلمة الختان وهو سُنّة سيّدنا إبراهيم، الذي يحتفل به فيوزعون الحلوى، أمّا عندما تظهر أسنان الطفل، يوزع الأهل السنينية وهي عبارة عن قمح مسلوق مضاف إليه السكر وماء الزهر واللوز.

ومن العادات اللبنانيّة في نعي الميت قرع جرس الكنيسة دقة دقة في القرى المسيحيّة، حيث يسمونها دقة الحزن وفي القرى الإسلاميّة يتم النعيِّ عن طريق المناداة في الجوامع، تليها تلاوة آيات من القرآن الكريم.

المآتم هو يوم حزن كبير فيه الندب والنوح، والبعض يُنّظم مسيرات وحمل التابوت وإقامة ذكرى أسبوع عن روح الميت، وكذلك أربعين الميت، والأخذ بالخاطر أي زيارة عائلة المتوفى ومواساتها بالفقيد والترحم عليه.

أمّا في حمل المسبحة، فنشاهدها في أيادي رجال الدين والأشخاص المؤمنين. والمسبحة في أيادي هؤلاء تشير إلى مقامهم الرفيع وبأنهم رجال صالحون، وقد بدأ حمل المسبحة عند العرب كعلامة للتقوى والإيمان، والتسبيح هو: (سبحان اللهِ، والحمد للهِ، ولا إله إلا اللهُ، والله أكبر).عند المسلمين أو قول: سبوحٌ سبوحٌ قدوسٌ قدوسٌ ربُّنا ورّبُّ الملائكة والروح عند بعض الطوائف  المسيحيّة العربيّة.

 وهناك معتقدات وأفكار وطقوس شعبيّة محاطة بهالة من القدسيّة لا تحظى جميعها بقبول من رجال الدين وتعتبر بالنسبة إليهم خرافات لا تتفق مع التعاليم الدينيّة، ولا زالت المعتقدات الشعبيّة موجودة حتى يومنا هذا، فمن خلالها يتوسل الإنسان عن طريق الصلاة والنذور ليحصل على بركة الأولياء الصالحين.

وهذه المعتقدات تعني أيضاً الممارسات التي يقوم بها الإنسان لمنع الحسد، وجلب الخير ورد إصابة العين وهي تظهر كرموز معروفة في الوسط الشعبي، فالكفُّ والعين والسمكة تعلّقُ على الأبواب وفي البيوت والسيارات وعربات الباعة، لها نفس الشكل والمفعول والهدف واحد عند كثير من النّاس البسطاء من جميع الطوائف اللبنانيّة، وقد ورث النّاس الكثير من المعتقدات الشعبيّة السائدة في بلادنا.

وإذا أردنا إختصار أهم المعتقدات المعروفة، فإننا نوجز بعضاً منها كصيبة العين، الرقية، الكتابة، والإستخارة.

ولذلك، نسمع النّاس يقولون يخزي العين أو دق على الخشب عندما يرون شيئاً جميلاً، ويكتبون على المنازل والحوانيت الحسود لا يسود و عين الحاسد تبلى بالعمى ويستخدمون كفاً وخرزة زرقاء لدرء الحسد وإصابة العين.

أمّا الرقية فهي قراءة بعض الكلمات من: (الأحاديث الشريفة الدينيّة، والآيات القرآنيّة) على إنسان مرعوب أو محسود أو مريض طالبين الشفاء من الله تعالى.

وهناك ما يزعمه بعض النّاس، بأنّهم يستطيعون بواسطة الكتابة جعل إثنين من البشر يتحابان أو يتخاصمان وكثيراً ما يردد البعض عبارة مكتبلو، والكتيبة توضع في بيت المكتوب له من دون معرفته. وهناك أيضاً كتابة الحجاب الذي يقي من المرض أو الحسد أو خطر ما.

والإستخارة، هي نوع من التنبؤ بما يخفيه القدر. فإذا عزم أحدهم على أمر ما، فإنّه يفتح كتاب القرآن الكريم ويستعين به أو يستعين بالمسبحة، لتحقيق مأربه أو تركه.

د. وفيق جميل علاّم.

رئيس جمعيّة التنميّة السياحيّة المستدامة ولإحياء التراث في لبنان.ِ