الذاكرة الشعبيّة في مدينة جبيل

14/7/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

حرصاً من إدارة مجلة «إطلالة جبيليّة» على لقاء معظم الشخصيات الجبيليّة التي كان لها دورها في مدينة جبيل مدينة المحبة والوحدة الوطنيّة والعيش المشترك إذ أنّها تمثل قلب جبل لبنان عبر تاريخها الطويل النابض بالحياة والجمال. وللذاكرة الشعبيّة عند رجالاتها الكبار دور جميل في هذا التاريخ وفي صناعة العطر والورود للمستقبل، إذ كان لهؤلاء الرجال دور في إقتلاع الأشواك واصلاح ذات البين، وبلسمة الجراح في كثير من المواقف التاريخيّة.

وفي العدد الأوّل من هذه المجلة الصادر في الأوّل من شهر أيلول 2010م، كان لنا لقاء مع عميد آل اللقيس السيد بهيج سليم عبد الحميد اللقيس وذكرياته الجميلة. في هذا العدد لنا لقاء آخر مع المحامي الكبير الأستاذ جان نسيب حوّاط والوجيه الكبير الحاج حسين داود بلوط وذكرياتهما الجميلة عن هذه المدينة.

أ ـ مع المحامي جان نسيب حوّاط

الإسم: جان

إسم الأب: نسيب

إسم الجد: يوسف

العائلة: الحوّاط

إسم الأم: ذكية صفير

مكان وتاريخ الولادة: جبيل في سنة 1939م.

العلوم: أحمل شهادة الحقوق من جامعة القديس يوسف للآباء اليسوعيين في بيروت سنة 1964م، وشهادة في العلوم السياسيّة من الجامعة نفسها.

المهنة: محام بالإستئناف.

الوضع  العائليّ: متزوج من جانيت سلامه ولي ولدان باتريسيا تحمل شهادة الحقوق ونسيب يحمل شهادات الدراسات العليا في الإقتصاد والمال والتجارة من جامعات باريس وليون(H.E.C.).

الشقيقان: المهندس جوزف ورجل الأعمال حليم.

الشقيقات: ماري ولودي وليلي وأمل وسلام.

ـ آل حوّاط نزحوا من «قيطو» في جبة بشري إثر الأحداث التي استهدفتهم مع آل الضاهر في منتصف القرن الثامن عشر وتوزعوا في أماكن عديدة وبعضهم جاء إلى عدة بلدات في بلاد جبيل إحداها شامات ومنها نزل والدي نسيب الحوّاط إلى مدينة جبيل في مطلع القرن العشرين واستقرَّ فيها مع إخوانه الخمسة.

ـ تلقيت علومي الإبتدائيّة والتكميليّة في معهد الإخوة المريميين في جبيل وبعدها الثانويّة في معهد  الإخوة المريميين في جونيه وفي معهد القلب الأقدس في الجميزة بيروت.

ـ درست الحقوق والعلوم السياسيّة في جامعة القديس يوسف للأباء اليسوعيين في بيروت من حيث تخرجت في سنة 1964م.

ـ حياتي الطلابيّة والشبابيّة كانت متحركة ونشيطة، فكنت أحد مؤسسي النادي الرياضي الأوّل في مدينة جبيل، ورئيسه سنة 1956/1957 عدا الإهتمامات الإجتماعيّة العديدة التي كان والدي يوليني أمرها منذ حداثتي للمساعدة والخدمة. وفي دراستي الجامعيّة كنت ناشطاً في سياسة حزب الكتلة الوطنيّة اللبنانيّة ومسؤولاً في إدارة شؤون الطلاب الجامعيين في لبنان وانتخبت رئيساً لطلاب الحقوق في جامعة القديس يوسف سنة 1962/1963م، حيث إلتقيت وتصادقت مع الأستاذ نبيه برّي الذي كان في السنة نفسها رئيساً لطلاب الحقوق في الجامعة اللبنانيّة.

ـ تسألينني ما أعرفه أو ما أذكره عن الدكتور أنطوان الشامي، فهو صهري زوج شقيقتي الكبرى ماري وكنت يافعاً دون الثامنة من عمري لما كان يهتمُّ بمتابعتي في دروسي وتحصيلي وإرشادي كالأخ الأكبر وتربيت على عهد من المحبة والتعاون والتضامن معه وقد استمر نحواً من أربعين سنة متواصلة رئيساً لبلدية جبيل عاكفاً على الخدمة العامّة في المدينة وفي المنطقة فضلاً عن الخدمات الطبيّة والمساعدات التي كان يقدّمها وهو الطبيب المشهود له بقدراته العلميّة وبإنسانيته المتفوقة.

ـ وعن الحاج محمود جعفر المولى فهو أحد وجهاء مدينة جبيل وهو الصديق الذي لا يخلُّ بعهد ولا ينسى وعد ولا تفتر عنده العلاقة. كان محترماً مقداماً وموثوقاً، إنتخبه الجبيليون سنة 1952 عضواً في مجلس بلديّة جبيل إلى جانب الدكتور أنطوان الشامي واستمرَّ معه حتى وفاته وقد شاركت مع العائلة ولفيف الأهل بإقامة المأتم المهيب له في المدينة ومن ثم دعوت بالتنسيق معهم، بوصفي أميناً عاماً لحزب الكتلة الوطنيّة الذي كان الحاج محمود أحد أعضاء مجلسه، الجمهور الكبير من جبيل والمنطقة إلى إحياء ذكراه في الأربعين بإحتفال خطابي في جبيل يذكره الجميع حتى اليوم.

أمّا النائب السابق أحمد إسبر الذي انتخب عن منطقة جبيل بعد السيد أحمد الحسينيّ سنة 1960م، فقد نال الإعجاب لدى ناخبيه ولدى مواطنيه لما كان يتمتع به من خصال فهو خطيب مفوه وبرلماني جريء ووطني حازم. إنتقل إبان الأحداث اللبنانيّة مع العميد ريمون إده إلى فرنسا، ثمّ بدأ يعود حيناً بعد حين من فرنسا إلى لبنان في مطلع التسعينيات وعدنا نلتقي بصورة طبيعيّة مع الرجل الذي لم يتغير في صداقته وفي طيبته وفي شخصيته البارزة، وجاءني خلال سنة 2009م، يطلب مني مؤازرته في إيجاد منزل يشتريه في مدينة جبيل التي أحبّها وأحبّ أهلها كثيراً لينتقل إليها وليعيش باقي حياته فيها، لكن المنية وافته قبل تحقيق رغبته مع الأسف.

ـ إنّه من المعروف أنّ بلاد جبيل كانت دائماً أرض الإعتدال والعيش الوطني الصادق وأنّها أمست قيمة وطنيّة ثابتة. فلما أرخت الأحداث في منتصف عام 1975م، ثقلها على أنحاء بلاد جبيل، وبدأت من حين إلى آخر تحركات مشبوهة تود رمي الفتنة الطائفيّة في المنطقة وتدخلات مسلحة تدعم هذا التوجه، فقد إستدعى مني الأمر ممارسة مسؤولياتي الحزبيّة والشخصيّة ووجوب التدخل للحفاظ على السلم الأهليّ وعلى المناخ العائليّ الذي يعيشه الجبيليون، ورأيت من أجل ذلك إستنهاض بلاد جبيل كلها للوقوف بوجه الممارسات التي من شأنّها أن تودي إلى الفتنة الطائفيّة، وقمت بالإتفاق مع رئيس بلدية جبيل الدكتور أنطوان الشامي والرفاق في حزب الكتلة الوطنيّة اللبنانيّة وعديد من الأصدقاء بدعوة رؤساء البلديات والمخاتير والأعيان في بلاد جبيل إلى مؤتمر وطني عقدناه حاشداً في بلدة عنايا بتاريخ الواحد والعشرين من شهر أيلول سنة 1975م، حيث كرسنا العيش الوطني بميثاق الشرف الذي وقعه رؤساء البلديات والمخاتير الحاضرين آنذاك «للمحافظة على وحدة جميع أبناء لبنان وبلاد جبيل وعلى تضامنهم التاريخي بعيداً عن كل تفرقة طائفيّة بغيضة وعن كل إنقسام حزبي ذميم مهما كانت الأسباب والدواعيّ، وأن نعمل متكاتفين من أجل إستقرار لبنان وأمنه وازدهاره»، وتمكنت بلاد جبيل هكذا بفضل وعي أبنائها ووحدتهم، من تحقيق الإنتصار على الفتنة ودحرها ومن توظيف هذا الإنتصار في إعادة اللحمة على مساحة كل الوطن، وهي تتباهى اليوم، وبكل ثقة، بأنّها قد عطلت مؤامرة التقسيم وباتت أنموذج العيش الوطنيّ.

إنّ جديد بلاد جبيل بتضامن أهلها ووحدتهم المعبر عنه على التوالي في أحداث 1958م، وفي ميثاق 1975م، بتمسكهم بعيشهم الوطني وبرفضهم لكل تفرقة طائفيّة، هو إستمرار لقديم بلاد جبيل الذي توحد فيه المسيحيون والمسلمون أقله منذ عامية لحفد في سنة 1821م، أي قبل مائة وتسعين سنة تقريباً في حركة وطنيّة متضامنة، لما تمردوا معاً على الإقطاع والظلم، وعلَّموا الأجيال الوطنيّة قواعد الوفاق والإحترام والحق، المستمرة بينهم حتى اليوم.   

 

ب ـ الحاج حسين داود حسين بلوط

الإسم: الحاج حسين داود حسين بلوط 

الوالدة: الحاجة زهية بلوط

وبحديث خاص لمجلة «إطلالة جبيلية» أفاد الحاج حسين بلوط أنّه من مواليد العاصمة اللبنانية بيروت -  رمل الظريف، عام 1927 إلا أن عائلته إنتقلت إلى مدينة الأجداد ـ جبيل ـ وعاشت فيها.

وأضاف الحاج قائلاً: «تتألف عائلتي من ثلاثة أشقاء وثلاث شقيقات، أنا اكبرهم سناً، ثم شقيقاتي الثلاث، الكبرى تدعى الحاجة خيرية، والوسطى الحاجة زينب تزوجتا من آل مشرف، والصغرى الحاجة رمزية زوجها من آل عمرو، ثم شقيقي المرحوم الحاج محمد خير، وصغير العائلة هو الحاج حسن.

أما عن عائلته الصغيرة أجاب الحاج: زوجتي من آل الحاج من بلدة المغيري وتدعى الحاجة هيام حيدر الحاج «لدينا خمسة أولاد، ثلاث فتيات وشابان».

الفتيات: ألفة متأهلة من السيد جمال المولى، ميرفت متأهلة من الأستاذ عمر اللقيس، أما زهية فهي متأهلة من المهندس حسين زراقط من الجنوب.

الشابان: علي درس الهندسة المعمارية إلا أنَّه يعمل الآن في شركة كازينو لبنان، وأحمد هو مدير عام  شركة الموفيبيك.

في البداية، كنت أقطن في مدينة الزلقا، ثم إنتقلت إلى مدينة الأجداد جبيل. كنت الأكبر سناً بين أشقائي ومن الطبيعي أن أتحمل المسؤوليّة حيث قمت بتعليم شقيقي المرحوم الحاج محمد خير كيفية تصليح مولدات الكهرباء، عند صديقي فؤاد الحريري، أما أنا فكنت أعمل في تصليح السيارات في كاراج آل الحوري في محلة الناصرة ـ بيروت، وأصحاب الكاراج تربطهم علاقة صداقة مع رجل الأعمال السعودي حسين شبوكشي، والسيد حسين كان يحبُّ شرب النرجيلة، ورُبَّ صدفة غيّرت مجرى حياتنا، ذات يوم أهديناه «رأس نرجيلة» يعمل على الكهرباء بدلاً من الفحم، أُعجب الرجل بعمل أخي  فدعاه للعمل معه في السعودية وسافرا عام 1956، حيث عمل عامين في السعودية وعاد عام 1958، حيث لم يستطع التأقلم مع العادات السعودية، ولكن قمت بإقناعه حتى يعود للعمل إذ أن الوضع الأمني في لبنان كان مُخيفاً عام 1958م، وكانت الأحداث قد إندلعت وبجهد كبير عاد الحاج محمد خير إلى السعودية، وخلال هذه المدة كان حسن يتعلم صيانة الكهرباء، وبعد فترة وجيزة لحق أخاه إلى السعودية ومن ثُمَّ لحقت بهما وعملنا جميعاً على تحسين وضعنا الإقتصادي والإجتماعي «وهذا من فضل رّبي»، فكان أكبر محل للصيانة الكهربائية وتصليح المولدات الكهربائية في المملكة في مدينة جدّة السعوديّة إذ أنّ العمل الجماعي كان سبباً أساسياً لنجاحنا بعد التوكل على الله تعالى.

أما عن علاقة الحاج حسين بلوط بالملك فيصل، فأجاب: إستلمنا صيانة المراكز العسكرية، حيث تعرفنا إلى العديد من الأمراء، الذّين ساهموا بإعطاء أخي المرحوم الحاج محمد خير الجنسية السعودية، وهذا مما مهد له للقاء والتعرف على جلالة الملك. وما زال أبناء أخي يقطنون في السعودية إلى يومنا هذا.

أما عن أيام شبابه قال الحاج: «كنت أُحبُّ الرياضة على أنواعها، إلا ان كُرة القدم كانت الأقرب إلى قلبي، خضت مباريات كثيرة وفزت بعدد كبير منها وطلبوا مني السفر إلى إيطاليا للمشاركة بمباريات هناك ولكن وضع عائلتي ألزمني بالبقاء، ولكنني لم استسلم للأمر الواقع فعملت على إنشاء نادٍ رياضي مع صديقي طانيوس الأمير في الزلقا، ودربنا عدداً كبيراً من أبناء الزلقا، وأصبح النادي ملتقى لمحبي الرياضة، وقد طلب مني مسؤول الحزب القومي السوري في بلدة الزلقا الإنتساب للحزب إلا انني رفضت لأنني كنت قد أقسمت لوالدتي على القرآن الكريم أن لا أتدخل في السياسة أبداً، وإشتدت المشاكل في الزلقا فتركتها لأتخذ من مدينة جبيل مقرَّاً لي وهذا كان في عام 1958. كما عملت على أن يكون أبنائي ايضاً من مُحبي الرياضة وهذا لأنني على قناعة أن الرياضة هي ليست فقط للسلامة الجسدية إنما هي ايضاً تساهم بالسلامة العقلية وتعمل على جعل الفرد أكثر هدوءاً ونشاطاً.

أما عن ذكرياته عن شقيقه المرحوم الحاج محمد خير قال: كنا قلباً واحداً ويداً واحدة، ولكن بصفتي الأكبر سناً كنت بمثابة الأب له، فكان يشاطرني أحزانه وأفراحه والتعامل بيننا كان قائماً على الإحترام،  فلقد خسرنا والدي وله من العمر 42 عاماً، وعندما إشتدَّ عليه المرض، أوصاني أن لا أترك أشقائي وشقيقاتي ووالدتي لوحدهم، تركت المدرسة وأنا في سن المراهقة (12 عاماً)، وبدأت العمل مع شركة انكليزيّة لإصلاح سكة الحديد في لبنان أيام الإنتداب الفرنسي، فكان علي ان أؤمن الليرة لحاجة العائلة. وتابع: لم أعرف معنى المراهقة فالمسؤولية لازمتني منذ نعومة أظافري.  ولكن كلما ضاقت عليّ  الأمور كنت أتذكر وصية المرحوم والدي لتكون هي مصدر النشاط للعمل والمتابعة. فتلك الوصية كانت هي  سبب نجاح هذه العائلة بتوفيق ورحمة من الله تعالى. وأضاف الحاج حسين قائلاً: ولا أنسى المرحومة الوالدة الحاجة زكية رامح بلوط فضلها في جمع هذه العائلة ووحدة كلمتنا وكان رضاها علينا ودعاؤها هو من أسباب النجاح.

أما عن ذكرياته عن صهره المرحوم الحاج عصام تامر عمرو زوج شقيقته المرحومة الحاجة رمزية، فقال : «عصام كان جارنا في الشياح في ضاحية بيروت الجنوبيّة، وهو رجل محترم وخلوق، كان يعمل محاسباً ومسؤولاً ويملك أسهماً في شركة «شل» للبترول في محلة الدورة ـ برج حمود ولكن عندما تطور عملنا في السعودية، دعيناه للعمل في شركتنا كمسؤول عن البضائع في الشركة وبعد سنوات من العمل توفاه الله تعالى، هناك وعدنا به ليدفن في أرض الوطن في روضة الشهيدين الغبيري في عام 1984م، تقريباً.

أما عن التعايش المسيحي – الإسلامي في جبيل! فقال الحاج: «تربطني صداقة كبيرة بآل الحوَّاط فالأستاذ حليم نسيب حواط سافر إلى السعودية بمساعدتنا وتاجر بالأخشاب تحت إسم مؤسستنا، هذا لأنه ليس لديه الجنسية السعوديّة». كما تربطني صداقة بالأستاذ ريمون إده الذي كانت له اليد البيضاء في إنقاذ أسرتي الصغيرة والمحافظة عليهم وجمعي بهم في السعوديّة. كما لعائلتي آل بلوط وفروعهم في مدينة جبيل روابط كثيرة من الصداقة والمحبة والتعاون مع جميع العائلات الكريمة في بلاد جبيل من مسلمين ومسيحيين.

 

(ميراي برق نصر الدين)