المهديّ المُنتظر والعقل

16/2/2012
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

آية الله العلاّمة الشيخ مُحمّد جوّاد مغنيّة(قده).

قال رحمه الله تعالى تحت عنوان:

«الدين والعقل»:

 أشاد الإسلام بالعقل وأحكامه، ودعا إلى تحرره من التقاليد والأوهام، ونعى على العرب وغير العرب الّذين لا يفقهون ولا يعقلون، ويؤمنون بالسخافات والخرافات، وقد أنزل الله في ذلك عشرات الآيات، وتواترت به عن الرسول الأعظم الأحاديث والروايات، وأفرد له علماء المسلمين أبواباً خاصة في كتب الحديث والكلام والأصول.

سؤال: وتسأل؟ هل معنى إشادة الإسلام بالعقل أنّه يدرك صحة كل أصل من أصول الإسلام، وكل حكم من أحكام الشريعة، بحيث إذا حققنا ومحّصنا أية قضيّة دينيّة في ضوء العقل لصدقها وآمن بها إيمانه بأنّ الإثنين أكثر من الواحد؟.

الجواب: كلا، ولو أراد الإسلام هذا من تأييده للعقل لقضى على نفسه بنفسه، ولكان وجوده كعدمه، لوجب أن يؤخذ الدين من العلماء والفلاسفة لا من الأنبياء وكتب الوحي، إنّ للعقل دائرة، وللدين أُخرى، وكل منهما يترك للآخر الحكم في دائرته واختصاصه، على أن يُقِّر كلٌ منهما الآخر، ولا يعارضه في شيء، والإنسان بحاجة إلى الإثنين، حيث لا تَتمُّ له السعادة والنجاح إلاّ بهما معاً.

إنّ الغرض الأوّل الذي يهدف إليه الإسلام من الإشادة بالعقل هو أن يؤمن الإنسان بما يستقل به من أحكام، ولا يُصدِّق شيئاً يُكذِّبه العقل ويأباه. إنّ العقل لا يدرك كل شيء. وإنما يدرك شيئاً. ولا يدرك شيئاً آخر. والذي يعلم كل شيء هو الله وحده. فوجود الله وعلمه وحكمته. وإعجاز القرآن الدال على صدق مُحمّد في دعوته، وما إلى ذاك يدركه العقل مُستقلاً. ويُقدِّم عليه البرهان القاطع، أمّا وجود الملائكة والجن. والسير غداً على صراط أَدقُّ من الشعرة. وأحدُّ من السيف. وشهادة الأيدي والأرجل على أَصحابها. وتطاير الكتب. وسؤال مُنكر ونكير. ونحو ذلك مما لا يبلغه الإحصاء. ثبت بضرورة الدين. أمّا تلك فلا تُفّسر بالعلم، وليس فيه للعقل حكم بالنفي أو الإثبات. إنّ الدين غير محصور ولا مقصور فيما يدركه العقل، بل يتعداه إلى أمور غيبيّة يؤمن بوجودها كل من آمن بالله والرسول واليوم الآخر.

ولكن الدين في جميع أحكامه وتعاليمه لا يعلِّم النّاس ما يراه العقل محالاً، أو مُضراً. كيف؟ ولولا العقل لاستحال الإيمان بشيء من الأشياء.

وبالتالي، فليس كل ما هو حقٌّ يجب أن يثبت بطريق العقل، ولا كل ما يثبت بالعقل يكون باطلاً ـ مثلاً ـ إن مسألة المهديّ المُنتظر لا يمكن إثباتها بالآلة العقليّة، مُباشرة وبلا واسطة، لا لأنّها غير صحيحة وباطلة من الأساس، بل لأنّها ليست من شؤون العقل واختصاصه. إنّ عجز العقل عن إدراك قضيّة من القضايا مباشرةً شيء. وكونها حقاً أو باطلاً شيءٌ آخر، أجل، إنّ مسألة المهديّ يدركها العقل بالواسطة، بحيث تنتهي السلسلة إلى حُكمه، ذلك أنَّ العقل يحكم بوجود الله، ويتفرع عن وجوده وجود النبوة، وعن وجود النبوة تتفرع الإمامة والمهديّ المُنتظر الذي أَخبر عنه الصادق الأمين(ص)، بحكم العقل.

ومعنى كلام الشيخ مغنية(قده)، أنّ إيماننا بالمهديِّ المُنتظر، هو: متفرع من إيماننا بوجود الله تعالى ووحدانيته عزّ وجل وبالتالي هو: متفرع عن إيماننا برسالة الصادق الأمين رسول الله وشخصيتهP الذي آمن به العقل. ولولا إيماننا بصدق رسول اللهP، لما آمن المسلمون بالإمامة والخلافة التي يتفرع عنها الإيمان بالمهديِّ المُنتظر والذي هو ثمرة عقليّة للإيمان بتلك الشجرة وهي رسول اللهP.(رئيس التحرير).

 الإسلام والعقل، للعلاّمة الشيخ مُحمّد جوّاد مغنية. ط. دار العلم للملايين ـ بيروت، الطبعة الأولى 1967م. ص:235ـ236ـ237.