المهديُّ المُنتظر وأحمد أمين

24/5/2012
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

آية الله العلاّمة

 الشيخ محمد جواد مغنيّة (قده)(1).

 

قال رحمه الله تحت عنوان:«المهدويّة وأحمد أمين»:

... في سنة 1951 ألفَّ أحمد أمين كتاب «المهديّ والمهدويّة» ونشرته دار المعارف بمصر في سلسلة «اقرأ» رقم 103. وقد هدف من وراء تأليفه إلى إنكار المهديّ والرد على الشيعة. ولكنه في الواقع أيدهم وناصرهم من حيث لا يريد، أو من حيث يريد الرد عليهم. وإن دلَّ هذا التناقض على شيءٍ، فإنّما يدلُّ على صدق  ما قلناه من أنه كاتب طائفيّ لا واقعيّ، وإليك الدليل:

 

قال في ص 41: «أمّا أهل السُنّة فقد آمنوا بها أيضاً». أي بفكرة المهديِّ.. وفي ص 110:«وأمّا السنيّون فعقيدتهم بالمهديّ أقل خطراً».. وفي هذه الصفحة:«قد كتب الإمام الشوكاني كتاباً في صحة ذلك، سماه التوضيح في تواتر ما جاء في المُنتظر والدجال والمسيح».. وفي ص 106: «قرأت رسالة للأستاذ أحمد بن محمد بن الصديق في الرد على ابن خلدون، سماها «ابراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون». وقد فند كلام ابن خلدون في طعنه على الأحاديث الواردة في المهديّ، وأثبت صحة الأحاديث، وقال:«أنّها بلغت حد التواتر».. وقال ـ أي أحمد أمين ـ في ص 109:«قرأت رسالة أخرى في هذا الموضوع عنوانها:«الإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة»، لأبي الطيب ابن أبي أحمد بن أبي الحسينيّ».. وفي ص 41: «وقد أحصى ابن حجر الأحاديث المروية في المهديّ، فوجدها نحو الخمسين».

إذن، ليس القول بالمهديّ من خصائص الشيعة، بل آمن به السُنَّة، ورووا فيه خمسين حديثاً، وألفوا في وجوده واثباته الكتب، وما دام الأمر كذلك باعتراف أحمد أمين نفسه فلماذا نسب القول به إلى وضع الشيعة، كما جاء في ص 13و14, حيث قال ما نصه بالحرف: «وأذاع الشيعة فيهم ـ أي في أهل المغرب ـ فكرة المهديّ، ووضعت الكلمة على لسان رجل ماهر، إسمه عبد الله الشيعي، يدعو للمهديّ المُنتظر».

وبعد أن اعترف أحمد أمين ـ مرغماً ـ بأن السُنّة أيضاً يؤمنون بالمهديّ المُنتظر أحس أنّه في مأزق، وأنّه لا بد أن يقال: أنّ الشيعة محقون في عقيدتهم، مع أنّه يريد ادانتهم على كل حال، فاستدرك وقال: ولكن عقيدة السُنّة بالمهديّ أقل خطراً..

وليت شعري كيف يجتمع قوله هذا، مع قوله في ص 41:«أنَّ فكرة المهديّ والتشيع كانت سبباً لثورة شبت ودامت سنين..» وقوله في ص 33:«ومن فضل الشيعة أنّهم كانوا في بعض مواقفهم، وفي اعتقادهم بالأئمة المهتدين يؤيدون الدين».. ومع قوله في ص 34:«ومن فضل الشيعة أنهم كانوا مؤمنين، يدافعون عن الإسلام في الخارج ضد الصليبيين الّذين يهجمون على بلادهم، وفي الداخل ضد من أنكر الدين، وجحد النبوة».. وفي ص 37:«ولكن الحقَّ يقال أن التشيع دائماً ينصر الفلسفة أكثر مما ينصرها السنّْيون».

وإذا كان الشيعة يدافعون عن الإسلام والمسلمين، وإذا كانوا يناصرون الفلسفة أكثر من السُنَّة، وإذا كانت عقيدتهم بالمهديّ والأئمة المهتدين تدفعهم إلى الثورة على الظلم والظالمين.. فكيف إذن تكون عقيدة السُنَّة بالمهديّ أقلُّ خطراً؟! ألا يدل هذا التناقض على طائفيته وتعصبه، وانقسامه على نفسه؟!

ولسنا نستكثر على أحمد أن ينكر وجود المهديَّ المُنتظر، ويخالف المسلمين جميعاً السُنَّة منهم والشيعة بعد أن أنكر عصمة الرسول الأعظمP صراحة. قال في ص 95:«وقد ثارت خلافات في عصمة الأنبياء بالطبيعة، ورووا أن رسول اللهP قال: توبوا إلى ربّكم، فإني أتوب إليه في اليوم مئة مرة، وقال: أنه ليغان على قلبي. فهذه الأحاديث ونحوها لا تؤيد معنى العصمة التامّة».

وبديهة أن الإسلام بعقيدته وأخلاقه وشريعته، وجميع تعاليمه وأحكامه يرتكز على عصمة محمدP، فمن أنكرها أو شك فيها فقد أنكر أو شك في الإسلام، وبنبوة سيّد الأنام من الأساس.. لأنّ الغاية من نبوته ورسالته رفع الخطأ من الهداية وحمل الخلق على الحقِّ، فإنْ لم يكن معصوماً فلا يتحقق المقصود منها، وبالتالي لا يكون نبياً.. استغفر الله وأعوذ به من الشك والغفلة.

وبهذا يتبيّن معنا أن كتاب «المهديّ والمهدويّة» ليس رداً على الشيعة فحسب، وإنما هو في واقعه رد على الإسلام والمسلمين، وإذا  تحامل على الشيعة أكثر من تحامله على غيرهم، فإنّه مدحهم وذمَّ السُنّة بمنطق التاريخ، ومن حيث لا يحسُّ ولا يريد، قال: إنّ أدباء السُنّة كانوا يمدحون الطغاة، وحكام الجور، أمّا أدباء الشيعة فكانوا يمدحون أئمة الهدى والحقّ، فقد جاء في ص 86 من كتاب «المهديّ والمهدويّة»:» ولئن كان كثير من الأدب السنيّ كان يقال في مدح الخلفاء والملوك والأمراء السنيين، فإنّ الأدب الشيعيّ كان يقال في مدح الأئمة والرثاء الحار في قتلاهم».

 

الإسلام والعقل، للعلاّمة الشيخ مُحمّد جواد مغنية. ط. دار العلم للملايين ـ بيروت، الطبعة الأولى 1967م، ص: 216و217و218.