المهديّ المُنتظر|وطموح البشريّة

26/09/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

للإمام الشهيد السيّد مُحمّد باقر الصدر{(1)

الحلقة الثانيّة

بعد أن أجاب الشهيد الصدر{، عن الإشكالات والشبهات الخمس حول المهديِّ المُنتظر|، في مقدمته لموسوعة الإمام المهديِّ|، أجاب عن الإشكال السادس، خاتماً كلامه بما يلي:

«6ـ وهل للفرد كل هذا الدور؟!

ونأتي إلى سؤال آخر في تسلسل الأسئلة المتقدمة وهو السؤال الذي يقول: هل للفرد مهما كان عظيماً القدرة على إنجاز هذا الدور العظيم؟ وهل الفرد العظيم إلا ذلك الإنسان الذي ترشحه الظروف، ليكون واجهته له في تحقيق حركتها؟

والفكرة في هذا السؤال ترتبط بوجهة نظر مُعيّْنة للتاريخ تفسره على أساس أنّ الإنسان عامل ثانوي فيه والقوى الموضوعيّة المحيطة به هي العامل الأساسيّ، وفي إطار ذلك لن يكون الفرد في أفضل الأحوال إلاّ التعبير الذكي عن إتجاه هذا العامل الأساسي.

ونحن قد أوضحنا في مواضع أخرى من كتبنا المطبوعة أنّ التاريخ يحتوي على قطبين. أحدهما الإنسان، والآخر القوى الماديّة المحيطة به. وكما تؤثر القوى الماديّة وظروف الإنتاج والطبيعة في الإنسان يؤثر الإنسان أيضاً فيما حوله من قوى وظروف، ولا يوجد مبرر لافتراض أن الحركة تبتدئ من المادة وتنتهي بالإنسان إلا بقدر ما يوجد مبرر لافتراض العكس، فالإنسان والمادة يتفاعلان على مرِّ الزمن وفي هذا الإطار بإمكان الفرد أن يكون أكبر من ببغاء في تيار التاريخ، وبخاصة حين ندخل في الحساب عامل الصلة بين هذا الفرد والسماء. فإنّ هذه الصلة تدخل حينئذٍ كقوة موجهة لحركة التاريخ. وهذا ما تحقق في تاريخ النبوات وفي تاريخ النبوة الخاتمة بوجه خاص، فإنّ النبيّ مُحمّدP، بحكم صلته الرساليّة بالسماء تسلّم بنفسه زمام الحركة التاريخيّة وأنشأ مداً حضارياً لم يكن بإمكان الظروف الموضوعيّة التي كانت تحيط به أن تتمخض عنه بحال من الأحوال، كما أوضحنا ذلك في المقدمة الثانيّة للفتاوى الواضحة.

 

وما أمكن أن يقع على يد الرسول الأعظمP، يمكن أن يقع على يد القائد المُنتظر من أهل بيته الذي بشرّ به ونوَّه عن دوره العظيم.

7 ـ ما هي طريقة التغيير في اليوم الموعود؟!.

ونصل في النهاية إلى السؤال الأخير من الأسئلة التي عرضناها، وهو السؤال عن الطريقة التي يمكن أن نتصور من خلالها ما سيتم على يد ذلك الفرد من إنتصار حاسم للعدل وقضاء على كيانات الظلم المواجهة له؟

والجواب المحدد على هذا السؤال يرتبط بمعرفة الوقت والمرحلة التي يقدر للإمام المهديِّ|، أن يظهر فيها على المسرح وإمكان افتراض ما تتميز به تلك المرحلة من خصائص وملابسات لكي ترسم في ضوء ذلك الصورة التي تتخذها عملية التغيير والمسار الذي قد تتحرك ضمنه، وما دمنا نجهل المرحلة ولا نعرف شيئاً عن ملابساتها وظروفها فلا يمكن التنبؤ العلمي بما سيقع في اليوم الموعود وإن أمكنت الإفتراضات والتصورات التي تقوم في الغالب على أساس ذهني لا على أسس واقعيّة عينيّة.

وهناك افتراض أساسي واحد بالإمكان قبوله على ضوء الأحاديث التي تحدثت عنه والتجارب التي لوحظت لعمليات التغيير الكبرى في التاريخ، وهو افتراض ظهور المهدي|، في أعقاب فراغ كبير يحدث نتيجة نكسة وأزمة حضاريّة خانقة. وذلك الفراغ يتيح المجال للرسالة الجديدة أن تمتدَّ وهذه النكسة تهيئ الجو النفسي لقبولها، وليست هذه النكسة مجرد حادثة تقع صدفة في تاريخ الحضارة الإنسانيّة وإنّما هي نتيجة طبيعيّة لتناقضات التاريخ المنقطع عن الله ـ التي لا تجد لها في نهاية المطاف حلاً حاسماً فتشتعل النّار التي لا تبقي ولا تذر ويبرز النور في تلك اللحظة ليطفئ النّار ويقيم على الأرض عدل السماء.

الهوامش:

موسوعة الإمام المهديّ|، الكتاب ألأوّل، تاريخ الغيبة الصغرى للشهيد السيّد مُحمّد الصدر{، من ص 47 ولغاية ص 50، الناشر: هيئة تراث السيّد الشهيد الصدر ـ النّجف الأشرف، ط. الأولى 2011م. 1432هـ. ودار مكتبة البصائر ـ بيروت.