جولة في ماضي وحاضر بلدة مجدل ترشيش

26/09/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

الشيخ محمد علي الحاج العاملي

«آخر قرى المتن، تبعد عن بيروت نحو أربعين كيلو متراً، قوامها أربعون منزلاً متواضعاً يحيط أكثرها بجامع تعلو قبته على سائر أبنيّة القريّة، ويتناثر عدد منها حول طريق المروج ـ زحلة. مناخها صخري جاف، تروي أراضيها التي يتراوح ارتفاعها بين 1400 و1500 متر قناة تجر المياه من الينابيع المتفجرة في جرود المتن...

لقد كان في هذه القرية التي اعتبرها المؤرخون «عنوة عن المتن» كون جميع أهاليها من الشيعة ـ مدرسة رسميّة توقفت عن نشاطها مع ازياد الهجرة إلى الساحل...

... كان الشيعة في هذه الحقبة متحالفين مع الكسروانيين والجرديين ضد المماليك، وقد تشتت شملهم مع شمل هؤلاء في سنة 1305 بعد أن أبدوا مقاومة عنيفة دامت ثلاث عشرة سنة، ومع مرور السنين، أخذ الموارنة النازحون من الشمال يستوطنون هذه المناطق، وبدأ الشيعة تحت الضغط والإضطهاد، يختفون من مدن الساحل، حتى لم يبقَ لهم أغلبيّة إلاّ في مدينة صور، أما جبل الشوف فلم يبقَ فيه سوى قريتين في منطقة الغرب (جنوب شرقي بيروت)، وبضع جاليات شيعيّة في بعض قرى ساحل بيروت والشوف البياضي.

وعبرت جماعة من شيعة منطقة بعلبك المرتفعات اللبنانيّة في أوائل القرن السادس عشر، واستوطنت مناطق جبيل وبشري وكسروان وبعض جرود المتن. وقد وفد إلى هذه القرية عيال: علي، يونس، وضامن، ومقبل. ويبدو أنّهم عاشوا بوفاق مع جيرانهم الموارنة ممّا جعلهم مستقرين في عيشهم حتى اليوم، في بقعة، اعتبرها المؤرخون عنوة عن المتن» الموسوعة اللبنانية المصورة، طوني بشارة مفرج، ج1، ص 349.

مجدل ترشيش من قرى المتن الشمالي، وهي آخر قرية في جرود المتن، كما أنّها بوابة المتن من جهة زحلة. وهي قرية وادعة، بيوتها قليلة، رغم كبر مساحة أراضيها، السكن فيها محدود، ففي الشتاء لا يصل سكانها لخمسة عشر بيتاً، وفي الصيف يضاف لذلك خمسون بيتاً.

أغلبيّة أهاليها الساحقة من المسلمين الشيعة، وفيها عدّة منازل للمسيحيين، كما أن محيطها متنوع، فقرية ترشيش يقطنها المسلمون السُنّة، في حين أن قرية المتين يسكنها الموحدون الدروز، وباقي القرى أكثر من طائفة مسيحيّة... ومع ذلك يعيش المسلمون الشيعة في مجدل ترشيش بصورة طبيعيّة، وبشكل لافت، حيث لا توجد أي حساسيات طائفيّة قط، بل المحبة والإنسجام والمودة أساس العلاقة بين جميع المواطنين في هذه البقعة من لبنان.

وأمّا عائلات مجدل ترشيش فهي: ضامن، يونس، مقبل، والقرية تتألف من هذه العائلات فقط، وأمّا العائلة الأكثر عدداً فهي عائلة ضامن، ثُمّ تليها عائلة يونس، في حين أن عائلة مقبل هي أصغر عائلة.

وقد مرَّ أن القرية يكتمل سكانها في الصيف، وأمّا في الشتاء، فالعدد الأكبر يسكن في النقاش، وينتشر بعض الأهالي في جلالا، تمنين، المطيلب، بيت الشّعار.

ولمزيد من التعريف بالقريّة، فقد جاء في كتاب «لبنان في موسوعة» عند الحديث عن قرية مجدل ترشيش، «الإرتفاع 1440 متراً، المساحة 425 هكتاراً، البعد عن مركز القضاء 35 كلم، عدد المساكن 55، عدد المؤسسات غير السكنيّة:1، السكان المسجلّون: 574، عدد الناخبين عام 2000: 368».

في حين أنّه ورد في موسوعة «مدن وقرى لبنان»: تقع على متوسط ارتفاع بين 1400 و1500 متر عن سطح البحر، وعلى مسافة 42 كلم عن بيروت، عبر غابة بولونيا ـ المروج ـ عينطورة المتن... عدد أهاليها المسجلين 700 نسمة، من أصلهم حوالى 350 ناخباً.. ينزح أكثر أبنائها شتاءً إلى النقاش في ساحل المتن طلباً للعلم والعمل.

عائلاتها: شيعة: صليبي، ضامن، مقبل، يونس.

المؤسسات الروحيّة: مسجد وحسينيّة».

ويردد كبار السن في القرية أنّ آل مقبل أصلهم من آل شريف، أتوا من اليمونة، وسكنوا المجدل. كما قيل بأنّ آل ضامن هم فرع من آل زعيتر.

واللافت في هذه القرية محافظتهم على الآداب والأخلاق وَحُسن الجوار فلا يوجد منهم أي سجين، كما أنّهم لا يتعاطون المخدرات، ولا تجد بينهم أي مطلوب للعدالة أو اي سجين سابق... ما ينم عن ذهنيّة عامّة لدى أهالي هذه القرية وهي احترامهم لأنفسهم ومحيطهم بشكل كبير.

البلدية والمخترة

تأسست بلدية «مجدل ترشيش» في العام 1999م. بدعم مباشر من النائب ميشال المر، وقد جرت انتخابات استثنائيّة في العام نفسه، جاء فيها: مجلس بلدي مؤلف من تسعة أعضاء منهم: زهير ضامن رئيساً، وبسّام يونس نائباً للرئيس، وأمّا موقع المختار فكان من نصيب عبد الله يونس.

وعليه فزهير ضامن هو أوّل رئيس بلدية تعرفه البلدة، ثُمّ في دورة العام 2004 انتخب علي محسن مقبل رئيساً للمجلس البلدي. وتكرر الأمر في دورة 2010 حيث تمّ معاودة إنتخاب مقبل لرئاسة البلدية.

في حين أنّ المختار عبد الله يونس رفض معاودة الترشح، فاسحاً المجال أمام شقيقه نعيم دبلان يونس الذي هو المختار الحالي للقرية.

أماكن دينيّة، ومؤسسات عامّة:

1ـ مسجد:

تابع للأوقاف الإسلاميّة الشيعيّة، وقد كان تمَّ إعمار هذا المسجد من قبل جمعيّة المقاصد الخيريّة الإسلاميّة في بيروت، حيث بدأوا به فعلياً في العام 1945، واستمروا بذلك لغاية العام 1949م، حيث أنجز بناؤه.

وساهم أهل القرية ببعض الأمور، ولكن الدعم الأساسي كان لجمعية المقاصد، حتى أنّ الجمعيّة كانت ترسل بعض المعلمين لتدريس العلوم الدينيّة في القرية، وما زال كبار السن في مجدل ترشيش يذكرون من الأساتذة: الحاج سعد الدين فروخ(من بيروت)، والحاج مصباح...(من المنصورة ـ البقاع الغربي)، والأستاذ عبد الرحيم، وشقيقه عمر(من الزعروريّة ـ الشوف)..

2ـ حسينيّة:

تمَّ البدء فيها منذ عشر سنوات تقريباً، وهي مؤلفة من طابقين، الأوّل للنساء، والثاني للرجال. وقد تمَّ بناء الحسينيّة فوق المقبرة القديمة.

3ـ المقر البلدي:

منذ عدّة سنوات جرى تشييد لمقر للمجلس البلدي، وهو مؤلف من طابقين.

كما يوجد في القرية مقبرة واحدة. مساحتها قرابة الألف متر.

إمامة القرية:

مرَّ أن جمعية المقاصد كانت ترسل من يقوم بواجب الإرشاد في مسجد البلدة، لفترة زمنيّة طويلة، ولكن مرَّ على البلدة عدّة علماء دين مرور الكرام، ولا ينسى أهالي البلدة أنَّ السيّد موسى الصدر قد صلّى أكثر من مرّة جماعة في مسجدهم.

كما أنّه قبل الحرب الداخليّة اللبنانيّة، كان يتردد على القرية الشيخ خليل شقير، يومي السبت والأحد، وينزل في ضيافة الحاج محسن مقبل.

وحالياً يتردد على البلدة السيّد دياب شكر، من قرية النبيّ شيث، ذلك عند الحاجة والطلب، وفي الأعياد وعند صلاة الجنائز فقط.

لجنة الوقف:

يوجد في البلدة لجنة لمتابعة شؤون الوقف، وهي مؤلفة من شخص ممثل لكل عائلة، وأعضاء اللجنة هم السادة: محسن مقبل، بسّام يونس، سبع ضامن.

متفرقات:

لا يوجد مدرسة في مجدل ترشيش حالياً، كما أنّه قبل الحرب اللبنانيّة كان هناك مدرسة رسميّة في القرية، مقرها صيفاً في المجدل، وشتاءً تنتقل إلى النقاش، حيث يستأجرون منزلاً للمعلم في النقاش خلال فترة التعليم. وأمّا المدارس التي يتعلمون فيها اليوم فهي في حزرتا أو ترشيش أو عينطورة.

هذا مع العلم بأنَّ نسبة الأُميّة في البلدة قليلة جداً، وممّا يروى عن بعض الأهالي أنّه كان يحصل توزيع أدوار بين الدرس والعمل، فيعمل شاب في الفلاحة بالبقر لمدة أسبوع، وشقيقه يدرس هذا الأسبوع، ثُمّ يحصل تبادل للأدوار، فالذي عمل ينصرف للدراسة، والذي كان يدرس ينصرف للعمل!!!

قبل الحرب كان يوجد في القرية نادٍ رياضي، اسسه رئيس البلدية الحالي الحاج علي محسن مقبل، ولكنه انحلَّ، ولم يعاود تشكيله بعد الحرب.

العمل في القرية حالياً ينصبُّ على الزراعة، وأكثر مزروعات مجدل ترشيش هي: التفاح، الكرز، الإجاص، الجوز مضافاً لها الخضروات.

كما أنَّ من أبناء القرية تجد الأطباء والمهندسين والمحامين، رغم صغرها، وقلة إمكانياتها.

أخيراً، إنَّ قرية مجدل ترشيش شكلّت نموذجاً للقرية اللبنانيّة الواقعة ضمن محيط مختلط، في انفتاحها وتعايشها، رغم إهمال الدولة لها بشكل كبير، إلاّ أنّ تصميم أهاليها على العيش بكرامة وعزّة، جعلهم يتشبثون بوطنهم وأرضهم، وجعلهم يعملون على تطوير واقعهم.

والأهم من كل ذلك أنّ أهالي مجدل ترشيش، يبقون الأمناء على حفظ الوجود التاريخيّ للشيعة، في بلدتهم ومحيطهم، حيث أنّهم البقيّة الباقيّة لذلك الوجود، وهم إمتداد لمن كان يقطن هذه المنطقة منذ عدّة قرون، وهم الشاهد الفعليّ على ذلك.