الذاكرة الشعبيّة في سن الفيل - المتن الشمالي

25/02/2014
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

أجرى الحوار: رئيس التحرير

ضاحية بيروت الشرقيّة الواقعة في قضاء المتن الشمالي نموذج طيب وجميل للمجتمع اللبنانيّ وللوحدة اللبنانيّة في القرن العشرين. وما اعتراها من إشكالات أيام الحرب اللبنانيّة كان شيئاً مريباً وغريباً عن تاريخها، سرعان ما تعاون العقلاء في هذه المنطقة لاصلاح ذات البين حيث عاد بعض المهجرين إلى تلك المنطقة بعيد إنتهاء الأحداث.

ومدينة سن الفيل الواقعة على ضفاف نهر بيروت من الجهة الشمالية الشرقيّة نموذج طيب لهذه المنطقة. والعلاّمة القاضي الشيخ خليل ياسين{، وأولاده الكرام كانوا صمام الأمان لهذه الوحدة الوطنيّة مع أصدقائهم من الطوائف اللبنانيّة الكريمة في المتن الشمالي. وكذلك كان المرحوم الحاج موسى دعموش وأولاده الكرام وأرحامهم أعلاماً لهذه الوحدة في سن الفيل وبيروت وجنوب لبنان. لذلك أجريت هاتين المقابلتين لمعرفة صفحة من تاريخ وواقع هذه المنطقة.

إمام سن الفيل

الشيخ ابراهيم الشيخ خليل ياسين

أ ـ الأستاذ الفاضل الشيخ إبراهيم الشيخ خليل ياسين.

الوالدة: الحاجة زهراء عيّاد(رحمها الله تعالى).

الولادة: العباسيّة ـ قضاء صور عام 1959م.

دراسته الإبتدائيّة والمتوسطة في سن الفيل.

 

دراسته الثانويّة في المهنيّة العامليّة في حارة حريك قرب طريق المطار، حيث حاز على دبلوم رسمي في إختصاص الالكترونيك.

أثناء ذلك درس القرآن الكريم وبعض مقدمات اللغة العربيّة على والده المقدّس الشيخ خليل ياسين. هاجر إلى الولايات المتحدة في عام 1984م، لإكمال دراسته في الهندسة الالكترونيّة في جامعة «كنساس» حيث حاز على الليسانس.

كما حاز على دبلوم في الإنتاج السينمائي ـ في شيكاغو.

كما كان يتردد دائماً على شقيقه فضيلة الخطيب الشيخ يوسف ياسين في المركز الإسلاميّ في ديترويت. ولحضور محاضرات ودروس الإمام الشيخ محمد جواد الشرِّي{، وقد وفقه الله تعالى، أثناء ذلك للإقتران بابن شقيقة الإمام الشرّي الحاجة الفاضلة إيمان بزي وللتوجه معها في عام 1994 لطلب العلم في حوزة قُم المُقدّسة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة وللدراسة هناك على كبار علمائها الكرام كان منهم آية الله السيّد كمال الحيدري. وآية الله الشيخ حسن الجواهريّ.

عاد في عام 2004م. إلى لبنان ليتفقد أيام صباه وشبابه في سن الفيل حيث وجد أن الأهالي لا زالوا يحتفظون بالمحبة والمودة للمرحوم والده ويتذكرون أيامه بينهم.

ذكرياتكم عن التعايش الوطني في سن الفيل، وعن موقع المرحوم الوالد كإمام في سن الفيل؟ وكعضو في المجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى وكمستشار في المحكمة الشرعيّة العليا. وموقف رجال الدين المسيحيين والأرمن منه في سن الفيل وفي برج حمود؟

مناطق برج حمود وسن الفيل والنبعة وغيرها كانت مثالاً للتعايش والتسامح والعمل المشترك في كل الحقول. حيث كان المسلمون في تلك المناطق يعملون بشكل طبيعي ويومي في مؤسسات وشركات غير المسلمين ولم نكن نسمع بتجاوزات تدلُّ على الطائفيّة أو المذهبيّة خصوصاً في المدارس حيث كان الطلاب المسلمون والمسيحيون في مدرسة واحدة. أذكر في مراحل الإبتدائي كانت المعلمة «ماري» المسيحيّة التي تعلمنا وتقسو علينا وكأننا أبناؤها ولم تكن تتوانى عن الإهتمام بنا دون تمييز بين تلميذ مسلم وآخر.

بالنسبة إلى والدي كان كثير العمل في المحكمة الشرعيّة الجعفريّة وكان يسعى دائماً لصلاح ذات البين وللوحدة الإسلاميّة والوطنيّة مع الإمام المغيب السيّد موسى الصدر (أعاده الله سالماً ورفيقيه)، كما كان له صداقات متينة مع المطران زيادة مطران بيروت للطائفة المارونيّة، ومع المطران بولس الخوري مطران مرجعيون للروم الأرثوذكس ولقاءات متعددة لبث الوعي بين اللبنانيين.

إعطاء نظرة عن عملكم الكريم في إعادة اللحمة الوطنيّة للأهالي وعن قيامكم بإعادة ترميم المسجد والمركز والتجاوب معكم؟.

عندما بدأنا بترميم المسجد كانت فرحة النّاس كبيرة وكان التأييد والدعم يظهران بأقوالهم وأعمالهم في دعم البناء وكنت أتواصل مع فعّاليات المنطقة ورجال الأعمال بها أطلب الدعم والتأييد منهم. وكذلك من خارج المنطقة ايضاً ورجال الأعمال حتى أنّ بعض المسيحيين من جيران المسجد كانوا يسألوننا: متى ينتهي البناء وكنّا رغم غيابنا عن المنطقة لفترة طويلة نشعر كأننا لم نغب عنها فجيراننا المسيحيون أهل محبة وود وعلاقتنا مع الجميع جيدة جداً خصوصاً مع بلدية سن الفيل والنادي الثقافي فيها حيث نقيم هناك بعض المناسبات الإجتماعيّة. فالبلدية ساعدتنا بزراعة الأشجار حول المسجد وإزالة الردم والحجارة من قربه وغير ذلك. وحتى عند الفجر لا نرفع الأذان احتراماً للجيران المسيحيين وهذا ما يلاحظونه، والحقيقة أن حياتنا في سن الفيل مع المسيحيين والأرمن مثالٌ جميل للتعايش والمحبة والوئام فالإمام عليّQ، يقول: الناس صنفان إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.

ب ـ الحاج حسن محمد جابر

الوالدة: الحاجة أمينة أمين موسى دعموش

الولادة: انصارية ـ قضاء صيدا في 17 أيار 1968م.

كان المرحوم والده الحاج محمد حسين جابر موظفاً في بلدية سن الفيل. ويسكن في ملكه الخاص في بناء ملاصق لمسجد سن الفيل.

وعند سؤاله عن ذكرياته في سن الفيل؟

أجاب: إمتازت مدينة سن الفيل بالتعايش الإسلاميّ ـ المسيحيّ وذلك في إحياء المناسبات والأعياد حيث كان جيراننا في هذه المدينة من المسيحيين والأرمن والسُنّة والدروز والعلويين ومن مختلف المناطق اللبنانيّة يهنئون بعضهم بعضاً في الأعياد ويواسون بعضهم البعض في الوفيات كعائلة واحدة. وكان العلاّمة القاضي الشيخ خليل ياسين مرجعاً لجميع الأهالي مصداقاً لقولهM:

ما يسوع سوى الحنان تجلى

في سماء الوجود منه الضياء

ما حبيب الإله أحمد إلا

رحمة عطرت بها الأرجاء

فهما واحد بغرّ المعاني

عمّت الكون منهما الأضواء

وإذا بان في الجدال افتراق

فهو في نظرة الصّواب افتراء

ما دعاء الدين للتفرق لكن

فرقت بيننا به الأهواء

إنما الدين في الكنيسة حب

وهو في جامع الصلاة إخاء»].(1)

ومن أهم النشاطات التي كان يقوم بهاM، إقامة صلاة الجماعة وإحياء مجالس عاشوراء. ومن العائلات اللبنانيّة الشيعيّة التي استوطنت سن الفيل: آل بيضون، آل بزي، آل الأسعد، آل دعبول، آل قانصوه، آل دقماق، آل حمود، آل العسيلي، آل منيني، آل الساحلي، آل أمهز، آل زعيتر، آل جعفر، آل شمص ، آل عمرو وغيرهم.

كما كان خالي المرحوم الحاج موسى دعموش كان يقيم في منزله في سن الفيل غروب كل يوم خميس من كل أسبوع مجلس عزاء حسينيّاً مع دعاء كميل بن زياد يحضره لفيف من العلماء والمؤمنين.

كما أتذّكر أيضاً زيارات الإمام السيّد موسى الصدر لمدينة سن الفيل لإمام المدينة القاضي الشيخ خليل ياسين. كما أتذكر أيضاً تلبيته ذات مرة لدعوة الحاج إبراهيم منيني حيث لاقت زيارته هذه الترحيب الكبير والحفاوة الخاصة من مضيفه ومن جميع الأهالي على مختلف طوائفهم.

وفي بداية الأحداث والحرب اللبنانيّة في شهر نيسان 1975م، تعرّض الأهالي للتهجير عن المنطقة كما تعرض المسجد للقصف والتدمير طيلة فترة الأحداث اللبنانيّة.

وبعد إنتهاء الأحداث اللبنانيّة عاد قسم من الأهالي إلى أملاكهم وأُعيد بناء المسجد وترميمه بتوجيه من المجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى وبسعي فضيلة إمام سن الفيل الشيخ إبراهيم ياسين.