إدِّه بلدة العيش المشترك والوحدة الوطنيّة

01/09/2010
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

ترتفع إدِّه عن البحر 150 متراً، ثم ترتفع تدريجياً إلى علو 400 متر تقريباً وهي تقع مباشرة شمال مدينة جبيل دون فاصل، قائمة على راس رابية فسيحة.

في الجهة الشماليّة الشرقيّة من مدينة جبيل التأريخيّة.

تحدّها شرقاً كفرمسحون وبنتاعل وكفرحتى، وشمالاً نهر عين الجديدة والفاصل ما بينها وبين مدينة عمشيت، وقرية غرفين، يحدها جنوباً بلدة حبوب ومدينة جبيل.

في هذه القرية الوادعة المطلة على البحر والقرى الآنفة الذكر المجاورة لها حيث إتجهت تلتقي بأشجار النخيل، وأشجار الغار الطيبة الرائحة وغيرها من أشجار مثمرة كاللوز والزيتون، وأمَّا الآبار الإرتوازيّة في إدِّه فإنها بعمق250 متر ماءً عزباً فراتاً وبعض تلك الآبار تنضح بالمياه المعدنيّة الجيدة.

أصل الإسم:

يقول عفيف مرهج في كتابه: إعرف لبنان: [جذر أد سامي مشترك يفيد القوة والمنعة والصلابة والشدّة، وقد ورد في التوراة  إسم علم(سفر عزرا 8:17) بمعنى القوي الشديد فقد يكون معنى الإسم القوية الشديدة المنيعة. وفي العبريّة: الضباب وهناك إحتمال أن يكون الإسم تحريف: أيد، ومجازاً قوة وسلطان، ومن معانيها أيضاً الجانب والجهة)].

وخلاصة ما أفادنا مختار إدّه الأستاذ بطرس إدّه في حديثه الخاص للمجلة: [أمّا عن الأصول التأريخيّة التي ترتكز عليها قرية إدّه فهي الأصول نفسها التي ينتمي إليها أبناء إدّه أينما حلّوا. فالعلاقة بين الإثنين هي علاقة المكان بسكانه.

ثمة بعض العائلات مثل مرعي وفيَّاض ليست في الأصل فرعاً من عائلة إدّه، لكن أفراد تلك العائلات إستوطنوا في القرية منذ القرن الثامن عشر أو التاسع عشر وانسجموا في هذه البيئة وتمَّ الإندماج التام بالإختلاط والزواج فأصبح الأبناء والأحفاد من آل إدّه ولا فرق بينهم وبين الّذين تفرعوا رأساً من الحاج يونان. الدليل على ذلك أنَّ أوّل رئيس لنادِ ثقافي في إدّه هو المرحوم حنا مرعي.

كما ذكر بعض المؤرخين أنَّ آل إدّه ينتسبون إلى مالك ابي الغيث ولكن أكثر المؤرخين والباحثين القدامى يقولون أن آل إدّه ينتسبون إلى عائلة آل حبيش العائلة المعروفة في تأريخ غزير وكسروان وبلاد جبيل وآل حبيش أسرة مسيحيّة قديمة متحدرة من قبيلة هوازن اليمنيّة.

ذكر بعض المؤرخين أن أخوة ثلاثة من آل حبيش نزحوا مع عيالهم من يانوح في جرود جبيل على أثر بعض المعارك مع خصومهم وسكنوا في مزرعة كفرسالي شمال جبيل، وهم حبيش والحاج يونان وخليل، وقد إنتقل حبيش من كفرسالي وسكن مع عائلته في مدينة غزير وخدم أمراء آل عسّاف ونال ثقتهم مع أبنائه وأنعموا عليه بلقب شيخ، وأمّا الحاج يونان فقد قصد قرية إدِّه مع عياله واستوطنها. وأمَّا خليل فسكن مع عياله في مزرعة قرب قرية حبالين وهي لا تزال تعرف بإسمه حتى الان. وقد هاجر من ذريّة الحاج يونان ومن ذريّة خليل في القرن التاسع عشر عدد كبير إلى البرازيل وبعض بلدان أمريكا الأخرى.

وقد عثر على أسماء أكثر أولئك المهاجرين في دفتر الوفيات في كنيسة مار جرجس القديمة في قرية إدِّه ].

والمسلمون الشيعة والذين بدأوا إستيطان بلدة إدّه منذ سنة 1958، يمثلون 10٪ من سكانها إدِّه الذين يبلغ عددهم قرابة الألف نسمة، وهم من آل قبلان جاءوا إليها من حجولا الجبيليّة، وآل برق جاءوا إليها من قرية فدار الفوقا الجبيليّة، وآل كنعان جاءوا إليها من قرية بشتليده الجبيليّة، وآل عوّاد جاءوا إليها من بلدة علمات الجبيليّة. وجميعهم من أصحاب الشقق والبنايات. كما يوجد عمال شيعة يسكنون مع أسرهم الصغيرة في مساكن بسيطة في بلدة كفر مسحون، وهم يعملون في مزارع الدجاج، في كفرمسحون وهي من ضواحي إدّه الشرقيّة، أتوا من قرى بعلبك وهم من آل زعيتر وآل جنبلاط. وفي مقابلة خاصة مع أحد وجهاء الشيعة السيّد أبو خليل حسين خليل طعّان قبلان قال: [إنتقلت إلى قرية إدّه مع والديّ من قريتنا حجولا الجبيليّة وأنا طفل صغير سنة 1958م، ولا زلت فيها ونادراً ما أزور بلدتي حجولا لضيق الوقت وأعباء الحياة اليوميّة. ثُمّ أضاف أنّ جيراننا في بلدة إدّه يمتازون بثقافتهم العاليّة، وهم من الطبقة البرجوازيّة ويعيشون الحياة الارستقراطيّة وهم يتعاملون مع جميع النّاس بالإحترام الشديد والطريقة الحسنة. وفي بلدة إدّه لا يوجد أي طائفيّة أو نعرات مذهبيّة بل أنّ بلدة إدّه هي قرية العيش المشترك والوحدة الوطنيّة. كما أن إفتتاح المعهد المهني في إدّه التابع لوزارة التربية والتعليم العالي ساعد على تطور وإزدهار هذه البلدة وخفف عن الأهالي الأعباء الماديّة وتكاليف المواصلات إلى المعاهد البعيدة الأخرى. وأنّها تعطي فرصة لجميع أهالي المنطقة والبلدات المجاورة لإكمال تعليم أبنائهم الدراسة المهنيّة الثانويّة بمختلف شعبها وفروعها، والإنتقال بالتالي للدراسة الجامعيّة].

آثار بلدة إدّه:

في قرية إدّه وضمن نطاق خراجها كثير من الآثار القديمة التي ترجع إلى العهد  الفنيقي، والروماني، والبيزنطي.

توجد بها آثار ترجع إلى ايام الصليبيين. معابد وثنيّة تحوّلت إلى كنائس، وأعمدة ضخمة أحنت الأيام ظهرها وأوهنت قواها فأستلقت على الأرض، وتيجان منقوشة على بعض الصخور، وبقايا خرائب قديمة، حجارتها ضخمة ومبعثرة في كل ناحيّة.

ومن الآثار: كنيسة مار جرجس ـ كنيسة مار يوحنا ـ ومار تادروس ـ كنيسة مار أليشع وبعض بقايا معابد وثنيّة في ضواحي البلدة.

وتحتاج هذه الآثار إلى رعاية وزارتي السياحة والثقافة لها، والعناية بها لأنّها تكملة لآثار مملكة بيبلوس الفينيقيّة القديمة. وينبغي على بلدية إدّه، والنادي الثقافيّ في إدّه، وجميع الفعاليات في إدّه لفت نظر من يهمه الأمر إلى هذه المسؤوليّة الثقافيّة.

ميراي حسن برق