أم كامل و "البابور"

22/1/2018
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

 

بقلم الحاجة سلوى أحمد عمرو

 

الحاجة أم كامل من عجائز قريتي الجميلة، وقد امتازت عن سائر العجائز بمحافظتها على الصلاة والنوافل اليوميّة بشكل عام وصلاة الليل بشكل خاص، وبحفظها للأدعيّة الواردة في  الصحيفة السجاديّة  المروية عن الإمام زين العابدين عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب i.

 

وكان أهل قريتي والقرى المجاورة من المسلمين والمسيحيين يقصدونها بأطفالهم للدعاءِ لهم وقراءة بعض السور القرآنيّة للشفاء من  إصابة  العين أو الفزع أو للشفاء من بعض الأمراض الجلديّة حيث كانت تكتب لهم على رقبة الطفل بعض الآيات القرآنيّة. وكذلك كانوا يستشيرونها في بعض شؤونهم الخاصة. وكانت توجيهاتها للنساء في قريتي الإيمان بالله تعالى، والثقةُ به والتوكل عليه وطلب العفو والرحمة والستر منه وحده لا شريك له، والمحافظة على العادات والتقاليد الجميلة. وكانت تُذكّر النّاس دائماً بالقناعة والتواضع والمحافظة على الأثاث القديم الذي ورثناه عن الآباء والأجداد. حيث كانت تحتفظ في مطبخها القديم بثلاثة من بوابير الكاز وببعض مصابيح أخرى من الكاز. وببعض قدور النحاس الكبيرة والصغيرة وبقدور وصحون أخرى من الفخار. وذات ليلة كنت مع بعض نساء قريتي نتسامر معها الحديث على ضوء القمر. فسألتها عن السرِّ بإحتفاظها بثلاثة من بوابير الكاز التي مضى عليها أكثر من ستين عاماً؟

 

فأجابت وهي تبتسم قائلةً: يا بُنية كانت والدتي (رحمها الله تعالى)، تملكها، وقد أهدتني إياها في ليلة زفافي وإنتقالي إلى بيت المرحوم زوجي  أبو كامل ، اثنان من الحجم الكبير وآخر بشرائط، وهو أحدث نوع في ذاك الزمن، وكان القلق ينتابني خوفاً من عودة  أبي كامل  ولم يُعدُّ الطعام بعد.

 

وتكمل أم كامل وصفها عن البابور:   و  البابور  من أهم القطع في جهاز العروس، وكان الزوج ينتقي الزوجة الماهرة في إعداده وإشعاله، وذلك لأنّ إشعاله كان يمرُّ بمراحل ليست سهلة: أولاها تعميره بالكاز، أي أن تملأ خزانه بالوقود، بعدها تضع بعض قطرات من  السبيرتو  على رأسه، ثُمّ تشعل عود ثقاب وتتركه فترة حتى يسخن، قبل أن تُعطي له   نفساً بالكباس   أي بعضاً من ضغط الهواء كي نضخُ الكاز فيه ويبدأ الإشتعال.

 

وبعد يا إبنتي فمن مكونات  البابور   هي الخزنة أو البدن، وهي من النحاس وتعمَّر وتملأ بالكاز، وتحملها ثلاث أرجل حديدية، تلك التي توضع عليها الطاسة، التي تحمل أوانيّ الطهيّ و  البابور   فيه ثلاث فتحات: الأولى: لتعبئة الوقود، والثانية: المحبس وهو لتفريغ ضغط الهواء، ويستخدم لإطفائه. والثالثة: مكبس الهواء، ويستخدم لضغط الهواء داخل  البابور  بالإضافة إلى  الفونية  وهي التي تقوم بتوزيع الكاز وتجعله مستمراً في الإشتعال، و  الطربوش   وهو الذي يسيطر على شكل النيران، والإبرة   التي تحرص سيّدة المنزل على توافرها بعدد كبير، وتضعها في مكان آمن وبحرص شديد، سواء في درج المطبخ أو خزانة الأدوات.

 

ولم أستطع الإستماع إلى بقية حكايتها عن  بابور الكاز حيث سيطر النعاس عليَّ. رحم الله تعالى الحاجة أم كامل. وما أحوجنا في أيامنا هذه إلى وجودها بيننا وإلى حكاياتها الجميلة التي تأمرنا بالقناعة وإحترام التراث.