الشّيخ حسن همدر - شيخ الطائفة الشّيعيّة في جبل لبنان

09/04/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

 ( من عام 1845م ولغاية عام 1881م)

بعد الفراغ السّياسي الكبير الّذي حصل عام 1762م بإقصاء الأمير يوسف الشّهابي لآل حمادة عن زعامة ومشيخة شمال لبنان وبلاد جبيل وجبة المنيطرة، ومصادرة أملاكهم وإعطائها إلى الرهبانيات والأوقاف المارونية، برزت شخصية وطنية كبيرة في أواسط القرن التّاسع عشر الميلادي لتقود المسلمين الشّيعة إلى شاطئ السّلام والوحدة الوطنيَّة مع إخوانهم من الطّوائف اللّبنانية الأخرى في أقسى مراحل تاريخنا اللّبناني وأشدها عبوساً، ألا وهي شخصية العلاّمة الشّيخ حسن همدر.

لقد كان رحمه اللّه تعالى الأب الروحي والسّياسي للشيعة في جبل لبنان وشماله دون منازع منذ عام 1845م ولغاية عام 1881م. حيث كانت العائلات الّتي تنتمي إلى آل حمادة تعتبره المدافع الأول عن مجدها التّليد والغابر، كما أن آل الحسيني في بشتليده ومزرعة السّيَّاد يعتبرونه ابنهم وصهرهم إذ أن والدته شقيقة النّائب السّيد محمد يونس الحسيني، كما أن زوجه الأولى من آل الحسيني. كما أن العائلات الوائلية وهم آل عمرو وآل أبي حيدر وآل قيس وآل مرعب في المعيصرة والحصون يعتبرونه شيخهم حيث تزوج أحد أعيانهم الحاج مسلم عقيل الحاج علي عمرو كريمة شيخنا الثّانية. كما أن آل بلوط وآل المولى في مدينة جبيل يعتبرونه شيخهم حيث تزوج أحد أعيانهم وهو حسن يونس بلوط من كريمة شيخنا الثّالثة. كما أن عائلات وادي علمات يعتبرونه صهرهم وشيخهم حيث تزوج من آل عوَّاد وكان يعقد بعض الاجتماعات واللّقاءات المصيرية بين ظهرانيهم.

كما أن عائلات برج البراجنة والشّياح يعتبرونه شيخهم وصهرهم حيث كانت زوجته الثّالثة منهم من آل منصور، وقد قضى آخر حياته الشّريفة بينهم حيث سكن في حي العرب في برج البراجنة.  وأما سائر العائلات الشّيعيّة فكانت تنظر إليه نظرة الأب والمحامي والمدافع عن وجودها وحقوقها.

أ. بطاقة شخصية

1. الشّيخ حسن بن الشّيخ صالح بن إبراهيم آل همدر الهمداني3 الجبيلي الكسرواني ولادة مزرعة مراح الصّغير التّابعة إلى قرية بشتليدة في سنة 1802م تقريباً.

2. درس في مدارس جبل عامل الدّينية. وكان عنده ثلاثة بيوت، وثلاث زوجات تسكن كل واحدة منهن في منزل.. المنزل الأول وهو منزل والديه في مراح صغير حمار صغير، ومنزل آخر قرب الجبانة العامة والمسجد الجديد في بشتليده، ومنزل في برج البراجنة حي العرب.

3. الزوجة الأولى: كانت من آل الحسيني أنجب منها: الشّيخ صالح، والشّيخ حسين.

4. الزوجة الثّانية: كانت من أهالي علمات من آل عوَّاد أو من أرحامهم من آل حيدر حسن أنجب منها: الشّيخ علي، والشّيخ محمد.

5. الزوجة الثّالثة: كانت من آل منصور في برج البراجنة. أنجب منها: الشّيخ أحمد وعلي الصّغير.

6. بناته: زينب: زوج الحاج مسلم عقيل الحاج علي عمرو من المعيصرة.

فاطمة: زوج فضيلة القاضي السّيِّد حسين السّيِّد محمد يونس الحسيني من بشتليده.

خديجة: زوج حسن يونس بلوط من أهالي ساحل مدينة جبيل.

7. المتوفى في برج البراجنة سنة 1881م والمدفون في جبانة الرادوف التّابعة إلى الوقف الشّيعي في برج البراجنة .

8. عُينَّ مستشاراً في قائمقامية جبل لبنان عن الشّيعة في الحصين وكسروان سنة 1845م في نظام القائمقامية، كما عُينَّ أيضاً الشّيخ عثمان الحسامي عن السّنَّة في جبيل في العام ذاته بأمر من والي صيدا العثماني، وبقيَّ الأمر على ذلك ولغاية وقوع فتنة 1860م والّتي كان من أسبابها نظام القائمقاميتين.

9. كما شغل منصب العضوية في مجلس متصرفية جبل لبنان لمدة عامين أيام داود باشا من سنة 1866م ولغاية 1868م .

10. عُينَّ بعدها عضواً في محكمة الجزاء في بعبدا، وكُلف بكتابة تقرير عن الخسائر الجسيمة الّتي مُني بها الشّيعة في كسروان في فتنة عام 1860م. وقد كتب هذا التّقرير وطبعه في مطبعة بعبدا العثمانية.

ب. فتنة 1860م

كان للدول الأوروبية المتصارعة على تقسيم الإمبراطورية العثمانية ـ الرجل المريض ـ اليد الطّولى في هذه الفتنة العمياء ما بين الدّروز والموارنة والّتي لم يكن للشيعة ولسائر الطّوائف اللّبنانية أي دور أو يدٍ فيها، غير أن طانيوس شاهين أراد تغطية فشله في حربه مع الدّروز بالهجوم بعصاباته على القرى الشّيعيّة في الفتوح وجبة المنيطرة ووادي علمات وبلاد جبيل ونهبها والاعتداء على سكانها وسرقة ممتلكاتهم وما أدخروه لأيام بؤسهم، وقد سقط للشيعة بعض الشّهداء في الدّفاع عن أنفسهم.

إزاء ما حدث لم يجد الشّيخ حسن همدر إلا التّشاور مع أعيان الشّيعة في المنطقة وكان من أبرزهم: خاله السّيِّد محمد يونس الحسيني والشّيخ حمود سعد الدّين عمرو والحاج كاظم الحاج علي عمرو والحاج أسعد حسن علي بو حيدر والشّيخ عباس ملحم حمادة وحيدر عوَّاد، وغيرهم من أعيان تنادوا للاجتماع في علمات وقد اتفقوا على الهجرة عن هذه البلاد ريثما يعود اللّبنانيون إلى رشدهم ووعيهم وَيُحكمّون العقل والضّمير الوطني في حياتهم وكان ذلك في شهر حزيران 1860 حيث تركوا حقول القمح والشّعير والعدس وسائر الحبوب والخضار ومواسم التّين والعنب والتّفاح وتوت الحرير تحت رحمة طانيوس شاهين وجماعاته المسلحة.

قال الدّكتور أحمد محمود سويدان:  ونذكر من عائلة آل همدر، شيخ العائلة حسن همدر، كان ممثلاً للطائفة الشّيعيّة في مجلس يتألف من ستة أعضاء يمثلون جميع الطّوائف في عهد المتصرفية. وأصبحت قرية بشتليده مركز استقطاب الشّيعة، بسبب هجمات الموارنة عليهم في الحرب الأهلية سنة 1860م.

ويتصف الشّيخ حسن همدر بالشّجاعة والذكاء، يروى عنه أنه ذهب إلى الباب العالي في الأستانة، وهو الرجل الوحيد الّذي عاد سالماً بعد أن كان مهدداً بالموت مع رفاقه، عقد اجتماعاً مع أعيان آل عوَّاد، وشقير، وحيدر أحمد والمقداد، والعيتاوي، وأهالي حجولا، وقال لهم حرفياً: إذا سمح لي الباب العالي بالكلام، أعود سالماً، وإذا لم يسمح، فتكون الولاية من بعدي لابني محمد. وقد أذن له بالكلام فعاد سالماً.

أما نزوح الشّيعة عن المنطقة، فكان سنة 1860، أثناء الحرب الطّائفية، تداعى مشايخ العائلات في القرى إلى اجتماع بزعامة حسن همدر، في أحد بيوت آل عوَّاد في بلدة علمات، الّتي كانت تشكل همزة الوصل، بين ساحل جبيل وبين مناطق الجرد، وقامت ضجة في الاجتماع، بينما كان الشّيخ حسن يؤدي صلاة العشاء، فصفقَّ على ركبتيه مُعلناً الحذر من فساد الخطة. وقال: إن الجدران لها آذان.

وقام عدد من الشّبان بالتّفتيش حول مكان الاجتماع، فوجدوا رجلاً من إحدى القرى المجاورة للبلدة، مختبئاً في أحد الأقبية، يتجسس لمعرفة الطّريق الّذي  سيسلكها الشّيعة إلى بعلبك، فنال جزاءه منهم.

وفي اليوم التّالي، غادر الشّيعة المنطقة بعد أن نظموا صفوفهم بكل حذر، سالكين طريق مشَّان، قرقريا، لاسا، أفقا، صعوداً إلى جرود جبيل حيث الممر الطّبيعي إلى سهل البقاع.

ولدى وصولهم إلى مكان يدعى، حجر الأوقية، في أعلى الجرود، تعرَّض لهم قطاع الطّرق لمنعهم من متابعة سيرهم، والاعتداء عليهم وتشليحهم فدارت معركة بين الفريقين، انتصر فيها الشّيعة وتابعوا سيرهم عبر الطّريق الضّـيّق إلى بلاد بعلبك.

أما الّذين لم يهجروا قراهم، فقد ظلوا فيها برغم الظّلم والاضطهاد الّذي كانوا يعانون منه، وبقيت ملكية الأرض بأسمائهم إلى أن سيطر عليها الموارنة بمرور الزمن.

ج. تعقيب واستدراك على كلام الدكتور سويدان

لا بُدَّ لنا من إيراد بعض الملاحظات العاجلة على ما أفاده وقرره الدّكتور أحمد محمود سويدان. إذ أورد أن أعضاء مجلس المتصرفية كان يتألف من ستة أعضاء والصّواب هو اثنا عشر عضواً كما جاء في المادة الحادية عشرة من البروتوكول في سنة 1861م.

إذ تقول هذه المادة: يتألف كل من المجلسين العالميين من اثني عشر عضواً، اثنان من كل الطّوائف الآتية وهي: الإسلام والموارنة والروم الأرثوذكس والدّروز والروم الكاثوليك والمتاولة ويضمُّ إليهم لدى الحاجة عضوان واحد من البروتستانت والآخر من اليهود متى كان لأحد أبناء هاتين الطّائفتين دخل في الدّعاوى.

وبموجب هذه المادة عينّ داود باشا عضوين من الشّيعة وهما عبد اللّه برو عن الشّيعة في الريحان وجزين وفي سنة 1862م عُينَّ العضو الشّيعي الثّاني محمد يونس الحسيني من بشتليده عن كسروان.

وفي سنة 1863م استقال الحسيني فَعينَّ في مركزه عباس ملحم حمادة من الحصين عن كسروان الّذي ظل يشتغل المنصب حتّى العام 1864م تاريخ تعديل نظام المتصرفيَّة.

وبموجب نظام المتصرفية الجديد سنة 1864م أصبح للشيعة عضو واحد عن قضاء كسروان. وقد شغل هذا المنصب الشّيخ حسن همدر لمدة عامين من 1866م إلى 1868م حيث خلفه الحاج كاظم الحاج علي عمرو.

وألغيّ تمثيلهم عن منطقة الريحان وجزين منذ ذلك التّاريخ ولغاية أيامنا هذه

والصّواب هو: أن الشّيخ حسن همدر كان عضوًا في مجلس المستشارين مع الشّيخ عثمان الحسامي والّذي كان يضم سبعة أعضاء في قائمقامية النّصارى في جبل لبنان منذ سنة 1845م ولغاية فتنة 1860م.

والملاحظة الثّانية: هو أن ذهاب الشّيخ حسن همدر إلى الأستانة ومقابلته للباب العالي كانت بعيد تهجير الشّيعة وتركهم لقراهم، وفي مقابلته للباب العالي أكدَّ له على إخلاص الشّيعة ووطنيتهم وعن الخسائر الّتي تعرضوا لها في تلك الفتنة المشؤومة وعن حبهم للسلام والأمن والاستقرار.

والملاحظة الثّالثة: إن الهجوم الّذي تعرضت له قرى الشّيعة لم يكن من الموارنة بل كان من طانيوس شاهين وعصاباته حيث لم يُراع في ذلك جانب أحد، ولم يحترم أحداً، لأن غرضه بذلك كان تغطية فشله في حربه مع الدّروز. وقد وقف الشّيخ همدر بعد ذلك مع أنصاره في البقاع وأهالي الكرك وآل الدّيراني سداً منيعاً في الدّفاع عن أهالي زحله لما أراد الدّروز بالاتفاق مع العثمانيين الفتك بهم والقضاء عليهم غير أن الحزازات الّتي كانت بين الحرافشة وأهالي زحله كانت أقوى من أطروحة الشّيخ الوطنية.

كما أن المسيحيين في الفتوح بقيادة الخوري جرجس زوين منعوا طانيوس شاهين وجماعاته من إحراق منزل جدنا الكبير الحاج علي يحيى عمرو والد النّائب الحاج كاظم عمرو في المعيصرة وحافظوا على حياة من بقي في المعيصرة.

د. محبة اللّه تعالى والوطن

والّذي يطالعنا في سيرة شيخنا المؤرخ له أن محبته لله تعالى ولوطنه لبنان وللجماعة كانت الأساس في انطلاقته وفي حياته. وقد أحبَّه النّاس وأخلصوا له في حياته وبعد وفاته، وما تقديمه للمشايخ عبد اللّه برّو من الريحان وجزين، وخاله السّيد محمد يونس الحسيني من بشتليده، والشّيخ عباس ملحم حمادة من الحصين 19. عن كسروان كما عرفت مما تقدم إلا تواضع منه ونكران للذات، ودليلنا على ذلك أن المشايخ الآنفي الذكر قد فازوا بالإجماع والتّزكية ودون أي منافس.. كما أن شغله لمنصب العضوية من سنة 1866 ولغاية سنة 1868 كان بالإجماع والتّزكية!. ثم تخلى عن منصب العضوية لرفيقيه الشّيخ حمود سعد الدّين عمرو، والحاج كاظم الحاج علي عمرو لينصرف إلى عبادة اللّه تعالى وتعليم طلابه ومريديه، ولمنصبه الجديد في عضوية محكمة الجزاء في بعبدا. كما أن خليفتيه الشّيخ حمود والحاج كاظم قد فازا بالتّزكية والإجماع وبقيَّ الأمر على ذلك لغاية سنة 1891م حيث تنافس على منصب العضوية الحاج كاظم الحاج عمرو مع السّيد علي الحسيني حيث فاز الحسيني وخسر عمرو عن قضاء كسروان. وذلك بعد وفاة الشّيخ همدر بعشر من السّنين. وهذا إن دلّ فإنما يدلّ على أن كلمة الشّيخ همدر كانت المرجع عند كل نزاع وخلاف وشقاق بين أعيان الشّيعة في متصرفية جبل لبنان.

وقد أراد ولده الشّيخ محمد همدر السّير على طريقة والده في الإصلاح بين ذات البين وفي تفقيه النّاس وخدمتهم فكان جزاؤه الاغتيال والقتل من قبل بعض المراجعين المجرمين من آل (...) في منزله في بشتليده في قضية مؤسفة وحزينة.

هـ. مدرسة الشّيخ حسن همدر

ومدرسة الشّيخ حسن همدر هي ما اصطلح عليه في تاريخ الأدب في لبنان بمدرسة السّنديانة. إذ كان يجتمع طلاب القرية والقرى المجاورة للدراسة عند الشّيخ تحت ظلال السّنديانة القريبة من منزله حيث لم يكن هناك مدرسة أو مسجد جامع في بشتليده، كما لم يكن منزل الشّيخ يتسع لهم، فكانت السّنديانة هي البديل في أيام الربيع والصّيف وفي الأيام الّتي لم يكن فيها زرع أو حصاد أو تربية لدودة الحرير.

ودراسة المبادئ الشّرعية عند الشّيعة الإمامية الاثني عشرية تكون بدراسة الرسالة العلميَّة للمرجع الجامع لشرائط التّقليد وهي: تتضمن أحكام العبادات من طهارة وصلاة وصيام وزكاة وخمس ونحو ذلك، وأحكام المعاملات من بيع ومزارعة ونحو ذلك، والأحوال الشّخصية من زواج وطلاق وإرث ونحو ذلك. كما لا بُدَّ أن يسبق هذه الدّراسة دراسة بعض المقدمات العربية، ويرافقها في جميع المراحل دراسة القرآن الكريم قراءة وتجويدًا وتفسيرًا..

من طلابه في هذه المدرسة: أولاده المشايخ الأربعة: محمد وعلي وصالح وحسين والشّيخ موسى حمود همدر، والشّيخ إسماعيل حمود همدر، والشّيخ جواد همدر، والشّيخ عبد اللّه همدر، والشّيخ أسد اللّه همدر، والشّيخ علي همدر. وأصهرته الحاج مسلم عقيل الحاج علي عمرو، والقاضي السّيِّد حسين محمد يونس الحسينيّ من بشتليده وحسن يونس بلوط.. كما درس عليه أيضاً القاضي السّيِّد علي الحسينيّ من مزرعة السّيِّاد والّذي استوطن شمسطار في ما بعد..

وقد نبغ من طلابه نجل شيخنا المترجم له الشّيخ محمد همدر والّذي أوصى له والده بالزعامة الروحية والسّياسية كما عرفت، والقاضي السّيد علي الحسيني الّذي شغل منصب عضو في مجلس الإدارة في سنة 1891م، والشّيخ علي همدر حيث كان ممثلاً مالياً في جونيه، والشّيخ علي بن حسن بن حسين بن محمد بن قاسم بن مرعي همدر، وأولاده المشايخ الخمسة: عبد اللّه ومحمد وأسد اللّه وأحمد وحسين. والأخير قد هاجر إلى النّجف الأشرف وقضى حياته هناك وتزوج بكريمة الإمام السّيد محسن الأمين وأنجب منها الشّيخين نعمة اللّه ومحمد جعفر وبابنتين زوَّج إحداهن إلى السّيد حسين الحسيني مفتي جبل لبنان وبيروت الجعفري الممتاز، والأخرى إلى العلامة القاضي السّيد علي فحص إمام جبشيت وحاروف في قضاء النّبطية وممن نبغ من هذه المدرسة أيضاً صهره القاضي السّيد حسين محمد يونس الحسينيّ الآنف الذكر.

وقد استمرت مدرسة الشّيخ همدر بالعطاء لغاية سنة 1950م على يد أولاده وأحفاده وأبناء عمومته وكان آخرهم الشّيخ أحمد همدر المتوفى سنة 1950م. وهو الشّيخ أحمد بن علي بن حسن بن حسين بن محمد بن قاسم همدر. والّذي أعطى لمدرسة السّنديانة بعد ذلك صفة رسمية هو أحد أساتذتها الشّيخ علي رشيد خضر آل الحاج يوسف في حجولا بافتتاحه مدرسة قرآنية دينية بموجب المرسوم رقم 4055 الصّادر في 29 آذار 1939م. وقد قدَّم له المكان المناسب لهذه المدرسة المرحوم موسى دياب إبراهيم.

و. إنجازات الشّيخ حسن همدر

تكلمت عن إنجازات الشّيخ حسن همدر وحياته باختصار في كلمة صغيرة كتبتها في العدد صفر لنشرة الكلمة الصّادرة عن المؤسسة الخيرية الإسلاميَّة لأبناء جبيل وكسروان في كانون الثّاني 1995م ونستطيع أن نتكلم عن إنجازاته رحمه اللّه تعالى بلحاظ ما تقدم على الشّكل التّالي:

أولاً: السّماح للشيعة بالرجوع إلى قراهم الّتي تركوها أو طردوا منها في فتنة 1860م وبالتّفاهم والتّنسيق مع البطركية المارونية، وقد صرَّح لي سيادة المطران شكر اللّه حرب مطران جونيه بذلك ثم قال: إن البطريرك بولس مسعد عندما قابل السّلطان العثماني في إسلامبول طلب منه إنصاف الموارنة والشّيعة في حكومة المتصرفية، فتعجب السّلطان من ذلك ومن محبة البطريرك للبنان وللإنسان.

ثانياً: تصنيف كتاب ورفعه إلى السّلطات العثمانية بصفته عضواً في التّمييز والجزاء العليا بالاشتراك مع زملائه في المحكمة وذلك سنة 1868م تحت عنوان: إستنطاقات جنائية. دعوة اختلاس ورشوة يكشف فيها عن الجرائم الّتي ارتكبها طانيوس شاهين وجماعاته .

ثالثاً: إعطاء الشّيعة حقوقهم في برتوكول سنة 1861م، وبرتوكول سنة 1864م إسوة بباقي الطّوائف اللّبنانية الأخرى غير أن البرتوكول الأخير قد حرمهم من حقهم في العضوية عن جزين والريحان وأعطاها للدروز. مع العلم أنه لا يوجد درزي واحد في تلك المنطقة. كما أن البروتوكولين قد حرما الشّيعة من حقهم في تولي رئاسة القضاء في محاكم المتصرفية، ورخص لهم في العضوية، كما حرمهم من منصب القائمقام وغيره من مناصب ذات المسؤولية. وقد أذن للشيعة سنة 1907م أن يكون لهم محكمة شرعية مذهبية برئاسة قاضي المذهب والعضو الإداري الأسبق السّيِّد علي الحسيني وهو من تلاميذ الشّيخ حسن همدر والمختصين به بشكل رسمي وأمَّا القضاة الّذين سبقوا السّيِّد علي فكانت أحكامهم تتمُّ بالتّراضي والمصالحة، واللّه تعالى أعلم.

رابعاً: الإصلاح بين ذات البين وتوحيد الكلمة وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة وقد تكلمنا سابقاً حول ذلك تحت عنوان: محبة اللّه والوطن.

خامساً: مدرسة السّنديانة والّتي تكلمنا عنها تحت عنوان: مدرسة الشّيخ حسن همدر.

سادساً: إحياء الشّعائر الدّينية من صلاة جماعة، وأداءِ لصلاة العيدين وإحياء المجالس الحسينية في شهري محرم وصفر من كل عام، وإقامة مجالس الفاتحة عن أرواح الموتى، وقراءة القرآن الكريم على المقابر، وفي المنازل عند حدوث الوفيات.

وتشجيع المؤمنين القادرين مالياً على تأدية فريضة العمرة والحج والذهاب إلى زيارة العتبات المقدسة في العراق وإيران بقيادة شيوخ أجلاء أتقياء عرفنا منهم في القرن العشرين، الشّيخ خليل هاشم من بلدة طورزيا، والشّيخ أحمد برق من بلدة فدار الفوقا، والحاج بديع شمص من بلدة فرحت، والحاج راغب أمين حيدر أحمد من بلدة راس أسطا وغيرهم.

كما كانت قرية بشتليده، وقرى المعيصره والحصون ومزرعة السّيِّاد وغيرها من قرى تستضيف في أشهر محرم وصفر ورمضان من كل عام علماء ومشايخ من جبل عامل للتدريس وللوعظ والإرشاد ولقراءة السّيرة النّبوية الشّريفة، والمجالس الحسينية المنيفة وذلك تأكيداً على وحدة الثّقافة والتّربية والتّوجه العاملي عند الشّيعة الإمامية في بلاد الشّام.