عمق مشكلة الطائفية في لبنان

09/04/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

تعتبر الطائفيّة أحد أوجه العصبيّة. والعصبيّة هي أن يعتبر الإنسان الإطار الذي يجمعه بالآخرين هو الأساس في القيمة، سواء أكان هذا الإطار هو الطائفة أو المذهب أو الحزب أو المنظّمة أو العشيرة أو العائلة، أو ما إلى ذلك.

واعتبار الإطار الجامع هو القيمة كلّها، وليس القيم الإنسانيّة والأخلاقيّة والعمليّة، كالصدق والإخلاص والأمانة والإيمان والالتزام وما إلى ذلك، يعني أنّ بالإمكان أن يصبح الكاذب والخائن والأنانيّ والمتحرّر من أي التزام إيماني أو أخلاقي أقربَ إليّ من الصادق والأمين والمؤمن والملتزم؛ لمجرّد أنّه ينتمي إلى طائفتي أو مذهبي أو حزبي أو عائلتي أو ما إلى ذلك.

وقد أوضح الإمام عليّ بن الحسين (ع) الفارق بين الانتماء والعصبيّة، فقال: إنّ العصبيّة التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قومٍ آخرين، وليس من العصبيّة أن يحبّ الرجل قومه، ولكن أن يعين قومه على الظلم.

وفعلاً، فإنّ العصبيّة إثمٌ؛ بل هي الإثم كلّه في نظامنا السياسي الذي لا نزال نعاني منه في لبنان منذ عقود طويلة؛ لأنّ العصبيّة الطائفيّة تؤدّي إلى أن يتربّع على كرسي السلطات في هذا البلد غير الكفوء؛ فقط لأنّه ينتمي إلى هذه الطائفة، في حين قد يكون هناك إنسان أكفأ منه ينتمي إلى طائفة أخرى.

والمشكلة الكبرى أنّ الذهنيّة الطائفيّة شرّعت الأبواب أمام إفقاد المحاسبة أيّ دورٍ لها في لبنان؛ لأنّ أيّ محاسبةٍ لأي إنسان يصطدم بكونها محاسبة للطائفة كلّها؛ مع أنّ القيم التي تنادي بها كلّ الطوائف، وحتى القيم الدينية، هي قيم مشتركة، والمخالف لها مخالف للطائفة في معناها القيمي، ولا ينبغي أن يُحسب عليها..

فهل يرضى المسيحيّون أو المسلمون في لبنان، أو غيره، أن يحموا المجرمين والفاسدين والمنحرفين والمرتشين والمُفسدين والعملاء وما إلى ذلك، لمجرّد أنّهم ولدوا ونسبوا إلى هذه طوائف هؤلاء أو أولئك؟!

وهل يرضى المسلمون أو المسيحيّون أن يتربّع على عرش زعاماتهم السياسيّة من لا يملك الكفاءة المطلوبة؟! فإنّ رضى أيّ فئة بغير الكفوء عليها قائداً أو زعيماً هو إضعافٌ لها ـ حتّى بالمنطق الطائفي للأسف ـ؛ لأنّ الطائفة إنّما تكبر بكفاءاتها، ولا تكبر بأسماء عوائلها أو عناوين أحزابها المجرّدة عن تجسيد القيم والمبادئ في حياة أفرادها.

وأعتقد أنّ من الخطأ هنا رفض الدين باسم رفض الطائفيّة؛ لأنّ مشكلة الطائفيّة ليست نابعة من الدين، وإنّما الطائفيّة هي ذهنيّة عصبيّة مشكلتها تبدأ من التربية التي تفرّغ الأطر الدينية والاجتماعية والسياسية من محتواها القيمي العميق. ألسنا نجد بعض القيادات أو الأفراد عنوانها الطائفي أو المذهبي واضح بمعنى الانتماء، ولكنّها من أكثر الناس نبذاً للطائفية والمذهبية بمعناها العصبي؟!

أعتقد أنّ علينا أن نحاسب أمراء الطوائف على مقدار تجسيدهم لقيم الطائفة في الحياة العمليّة، الخاصة والعامّة؛ وهي ليست إلا القيم المشتركة التي يعاني لبنان من فقدانها، تاريخاً وحاضراً، لأنّ المشكلة في امتهان الكذب في السياسة، وفي احتراف الخيانة، وتغليب المصالح الشخصيّة على المصلحة العامّة، والتعاون في سبيل الشرّ لا في سبيل الخير، وما إلى ذلك ممّا هو ضدّ الدين..