وجهة التعاوُن - العلاّمة السيّد جعفر السيّد محمد حسين فضل الله

3/11/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

يقول الله تبارك وتعالى في كتابِهِ العزيز: (وتعاوَنوا على البرِّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).

في هذه الآية يحدّدُ الله لنا القاعدة العامّة في أيّ نشاطٍ مجتمعيّ، سواء أكان اجتماعيّاً بحتاً، أو سياسيّاً، أو اقتصاديّاً، أو أمنيّاً، أو ما إلى ذلك من شؤونٍ تهمّ المجتمعات.

البِرُّ في اللغةِ: الصلة، وقد برَّ الإنسانُ رحِمَه، إذا وصله. وقيلَ إنّ البرّ هو الصلاحُ، وقيل: هو الخيرُ؛ وهذا المعنى جامعٌ لكلٍ من المعنيين السابقين؛ لأنّ الصلةَ من الخير الذي يجري بين الإنسان ورحمه، والصلاح هو خيرُ المجتمع.

أمّا التقوى، فقد يُمكن تفسيرُها بالاستقامة حسبَ إرادةِ الله عزّ وجلّ، والمستندة إلى الإحساس بعظمة الله تعالى، وبالثقة بأنّ ما يأمرُ به هو الخير للإنسان والمجتمع، وما ينهى عنه هو الشرّ لهما.

وفي مقابل ذلك، هناك الإثم، وهو كلّ ما يبطّئُ عن الخير، وبالتالي فهو يلتقي مع خطّ الشرّ في الحياة، وأمّا العدوان فهو واضح، وهو يرتكز إلى أن ينخرط الإنسان في أيّ فعلٍ ضدّ الآخر لا حقّ له فيه.

وبالتالي، فإنّ الإنسان لا ينبغي أن ينخرط في أيّ نشاطٍ يتحرّكُ في مجتمعه إذا لم يكن يتحرّك من أجل تأكيد الخير في حياة الناس، ويرتكز إلى ما يريد الله من الإنسان أن يفعله أو يتركه، سواء كان هذا النشاطُ حزباً أو حركةً أو منظّمة أو جمعيّة أو أيّ إطارٍ من الأطر التي تنظّم جهود الناس وتتحكّم في وجهتهم.

وهذا ما يفرض على الإنسان أن لا ينتمي إلى أيّ جهة إلا بعد أن يدرسَ أهدافها وخطوطها، ليحدّد؛ هل تنسجم مع ما يرضى الله عنه أم مع ما يُسخِط الله؟ هل تحقّق الخير للإنسان في الدنيا والآخرة أم تحطّ من مستواه ومن قيمة إنسانيّته؟ هل تعزّز القيم الرساليّة في حياة الناس أم تؤكّد الجانب الغريزي في أوضاعهم؛ ليكون هو الهدف وهو الغاية التي يسعى الإنسان إليها بمعزل عن القضايا الكُبرى؟

ولا يقتصر الأمر على أن ينخرط الإنسان في ذلك، بل حتّى لا يصحّ من الإنسان أن يعذر المنحرفين والظالمين، أو أن يعتاد على كلّ مظهر من مظاهر التعاون على الإثم والعدوان على الناس، بذريعة أنّ المعتدي ينتمي إلى العائلة في مقابل العائلات الأخرى، أو هو من أبناء القرية في مقابل القرى الأخرى، أو أنّه من الطائفة أو المذهب نفسه في مقابل أبناء الطائفة الأخرى أو المذهب الآخر؛ لأنّ العدوان ظُلمٌ للآخرين، وقد ورد في الحديث: «من عذرَ ظالماً بظُلمه سلّط الله عليه من يظلمه، فإن دعا لم يُستجب له».

كذلك، فقد يكون الإثم والعدوان في الإعلام، في كلّ ما يمارسه من عمليّة تزييف للحقائق، أو تضخيم للوقائع، أو نشرٍ للرذيلة، أو تشويه للقيم، أو إشاعةٍ للمنكرات التي تخدش الحياء الإنساني إلى أيّ دينٍ انتمى؛ وهو ما نحتاج جميعاً أن نأخذ تجاهه زمام المبادرة؛ لأنّ في ذلك فساد أولادنا ومجتمعنا، حيثُ بتنا نجد الكثيرين باتوا يستسهلون الزنى ـ حتّى زنى المحارِم ـ لكثرة ما اعتادوا عليه في الأفلام والمسلسلات المتنوّعة، وباتت نفوسهم معتادة على مشهد السكر والعربدة وما إلى ذلك..

إنّ المجتمع يبدأ انحداره عندما يكفُّ عن مراقبة نفسه، ومحاسبة كلّ الذين يريدون أن يحرفوه عن ثوابته وقيمه، وإذا لم نأخذ زمام المبادرة، فنعيد الاعتبار إلى ثوابتنا وقيمنا، فسنجد أنفسنا صورةً عن مجتمعات أخرى، ابتعدت عن الله وعن فطرتها، وهي تجني اليوم كثيراً من المشكلات، وتعاني العديد من الأمراض، وإن بدت لنا ـ في الشكل ـ معافاةً سليمة؛ والله من وراء القصد.