الإسلام والشائعة

18/1/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم سماحة الشيخ محمد حسين عمرو

شَعَّ لغة تدلُّ على التفرق والانتشار، ومنه شعاع الشمس سمي بذلك لانبثاثه وانتشاره.

وفي المصطلح الشائعة هي الخبر الذي يصدر عن قائل ويحتمل فيه وجهين الكذب والصدق. والنسبة دائماً في الخبر إحدى الوجوه الخمسة التاليّة: النفي والاحتمال والشك والظن واليقين.

فالكذب والصدق عِلمان ثابتان متقابلان (النفي والإثبات) ومعلوم الحكم بهما (الأول يُردّ والثاني يؤخذ به).

أما الاحتمال والشك فليسا من العلم في شيء، ويحتاجان إلى قرينة أو دليل يؤيدهما ليصبحا أحد طرفي العلم (النفي والإثبات).

وأما الظنُّ وهو خبر الواحد فقد اختلف الفقهاء في الحكم به. واجمعوا على أنَّه لا بُدَّ من التثبت من الخبر إن كان قائله فاسقاً، أما إن كان قائله عادلاً فقد أخذوا به وانزلوه منزلة العلم.

والآية الكريمة في سورة الحجرات، آية:6 }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ{دلّت على أنّ العلّة في ردِّ الخبر وعدم الأخذ به هي الفسق لأن الخبر أمانة والفسق يبطلها، فإذا انتفت العلة وهي الفسق انتفى رَدُّ الخبر وثبت أن خبر الواحد الثقة ليس مردوداً ويؤخذ به بشرط الوثاقة.

ومن هنا نشأت علوم الحديث والدراية والرجال والجرح والتعديل التي تهتمُّ بطبقات الرواة وكانت مدارس الفقه والأصول والحديث، وهذه هي ساحة الاجتهاد في الشريعة الإسلاميّة، حيث أن الطريق للسُنَّة النبوية الشريفة هو خبر الواحد.

هذا في الأحكام أما في الحياة الاجتماعية. فإنَّ الإنسان يحتاج في حياته إلى التعامل مع الآخر، والمعاملة كسب واكتساب، وأكثرها مبنية على الإخبار.

فالسياسة والاقتصاد والاجتماع والعلاقات العامّة والفكر والإيمان وكل ما يحيط بالإنسان مبني على التواصل بين الناس والتواصل مبني على الخبر.

حيث أولى الإسلام التربيّة الأخلاقيّة، المكانة الرفيعة لحديث النبيّ(ص) المشهور «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».

فالثقة هي أساس المعاملة بين النّاس وإذا سقطت الثقة بطلت المعاملة مهما وثَّقها الإنسان وقيدّها بقيود، وقوانين ودساتير.

فالثقة بين الناس هي سبيل الرحمة والحياة الكريمة والسعيدة وبدونها تفقد الحياة جمالها ويفقد الإنسان كرامته. وأخطر ما يواجه الإنسان في حياته هو الكذب لأن الكذب آفة المجتمع، وبها يسقط وتفقد الثقة بين الناس.

يقول الله سبحانه وتعالى:}إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ{ (النحل:105)

ولما ورد عن رسول الله (ص): «ألا أخبركم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقول الزور».

ولما ورد عن الإمام الحسن بن عليّ العسكري (عليهما السّلام):«جُعِلَتْ الخبائث كلّها في بيت واحد وَجُعِلَ مفتاحها الكَذِب».

فالنميمة والغِيبة والبهتان والفتنة وإشاعة الفاحشة هي من كبائر الذنوب والموبقات التي تفتك بالأُسَرِ والمجتمعات والأوطان والأمم إنطلاقاً من الكذب.

فالأسرة تنهار والمجتمع يتفكك والأوطان تُستباح والأمم تزول بسبب هذه الموبقات.

سئل رسول الله (ص) عن الفرق بين الحقِّ والباطل، فَضَمّ أصابعه الأربعة ووضعها إزاء خدّه وقال: الباطل أن تقول سمعت والحقُّ أن تقول رأيت.

يقول الله سبحانه وتعالى بكتابه المجيد في سورة النور (الآية 19):}إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ{.

من هنا جعل الإسلام الفتنة كالقتل لأن الفتنة وهي ـ قول الزور في الأغلب الأعم ـ قد تُفكّك أُسرة كاملة أو تُسقط مجتمعاً في وحول الفساد وسفك الدماء والتحلل الأخلاقي.

لأن أخطر ما يواجه الإنسانية فرداً كان أم مجموعة هي فقدان الثقة وشيوع سوء الظن وإشاعة الفحشاء والمنكرات وهي الطامة الكبرى.

فالحاكم الذي لا يحوز على ثقة شعبه ساقط لا محالة، والأب الذي فقد ثقة أولاده أو الأم التي فقدت ثقة زوجها أو أولادها، أُسرة مفككة وهالكة وأعضاؤها سيصبحون وبالاً على المجتمع لأن الانحراف في شخصياتهم واقع لا محالة. وإشاعة الفحشاء والمنكر والفساد والبغي بأية صورة كان سواء عبر الأفراد أو الجماعات أو الوسائل (كالصحف والتلفزيون والانترنت...). يؤدي إلى تحلل المجتمع وجفاف أخلاقه وذهاب حضارته ومن هنا كان لا بُدَّ للإسلام من اجتثاث الفساد والقضاء عليه بنشر الصدق والآداب والأخلاق بين النّاس من خلال تقوى الله تعالى. وبممارسة الشعائر الإسلاميّة. وإلا انتشر وشاع الكذب وشهادة الزور حتى تصبح وباءً قاتلاً قد يسقط حضارة كاملة، والتاريخ خير شاهد على كثير من الأمم التي سقطت نتيجة للبغي والعدوان والفساد والإفساد في الأرض. قال الله تعالى:}ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{(الروم، آية:41).

والحمد لله رب العالمين