أهالي لاسا وحراجل أمثولة في التسامح والوطنية

20/4/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم الشيخ محمد حسين عمرو(1)

بتاريخ 24 كانون الثاني الماضي وبيوم ماطرٍ وباردٍ قامت مجموعة من سائقي شاحنات الرمل في منطقة جرود جبيل بالإعتداء على سيارة ڤان تحمل الحليب ومشتقاته من بلدة لاسا إلى بلدتي ميروبا وحراجل.

وبسبب هذه الحادثة الأليمة قضى الأب غسان مصطفى سيف الدين وولده هادي المجنَّد في الجيش اللبناني.

وقد فَّر القاتل ومساعدهُ إلى أماكن متعددة.

وبما أن الأوضاع السياسية والأمنية في لبنان متوترة والظروف المحيطة بالبلد بشكل عام سيئة للغاية فإن هذه الحادثة قد أخذت بُعداً طائفياً وكادت تنذر بشرٍ مستطير يأخذ لبنان إلى المجهول.

لكن مسارعة أصحاب النيات الطيبة والأيادي البيضاء في المقاومة الإسلامية وبتوجيه من سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله، وتكتل التغيير والإصلاح بقيادة العماد ميشال عون، إلى وضع الأمور في نصابها القانوني، حيث سارع وزير الداخلية العميد مروان شربل إلى إلقاء القبض على القاتل وتحويله إلى القضاء اللبناني ليأخذ القانون مجراه.

هذا التحرك السريع أوجد راحة واطمئناناً لدى الجبيليين الذين توجسوا خيفة من الأيادي السوداء التي تريد بلبنان شراً، وهذا الأمر له دلالات عديدة أهمها:

أولاً: إن أهل جبيل وكسروان مواطنون محبون لبلدهم ويجمعهم عيش مشترك يمتد لمئات السنين وتضحيات جليلة وكبيرة في سبيل الحفاظ على صيغة هذا العيش المشترك.

ثانياً: إن التفاهم الموقّع بين التيار الوطني الحر وحزب الله سنة 2006 هو تجربة مهمة جداً قد ساهمت كثيراً في جمع اللبنانيين معاً وجعلتهم بوتقة واحدة مقابل المؤامرات والدسائس الخارجية التي تريد شرذمة المنطقة كلها، وهذا التفاهم المبارك هو مثال وقدوة لكل القوى السياسية اللبنانية بأن نقاط اللقاء والاشتراك بين الطوائف والمذاهب اللبنانية كثيرة جداً جداً.

وإن نقاط الخلاف ليست إلا أموراً شكلية لا قيمة لها ويمكن التّرفع عنها إذا صلُحت النيات وسلمت الأعمال.

ثالثاً: إن أهل جبيل الذين هم أهل الكلمة وطيلة العقود الماضية كانوا دائماً يُقدِّمون منطق العقل والحوار على أي منطق آخر، وقد تجلى ذلك بوثيقة تفاهم عّنايا في السبعينيات وصولاً إلى اللقاءات الروحية الوطنية في 2012 في دير الأنطش ـ جبيل(2) ـ وهذه رسالة محبة واحترام ولقاء لكل اللبنانيين في أي منطقة كانوا بأننا نستطيع ترك الغضب جانباً واللقاء على محبة الله ورحمته والاتفاق على صون الوطن من عبث العابثين والغوغائيين.

وأخيراً فإننا نتوجه إلى أهالي لاسا الكرام وخصوصاً أهلنا آل سيف الدين بالعزاء، وأننا نفتخر بهم أمام العالم أجمع بروحيتهم السلسة ومحبتهم واحترامهم لقيادتهم الحكيمة وتلبيتهم الطيبة المباركة وعن طيب خاطر، وتنازلهم عن حقهم الشخصي في قتل القاتل وترك الأمر للقضاء اللبناني الذي نحترم ونُجّل.

ونطلب وبإصرار أن يأخذ القضاء مجراه بشكل كامل وأن ينال القاتل عقابه العادل، ليكون عبرة لكل من تُسِّول له نفسه الإعتداء على أبناء وطنه برعونة وببرودة أعصاب. }وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ{ البقرة، آية: 179.

والحمد لله رب العالمين

الهوامش:

رئيس اللقاء العلمائي في جبل لبنان وشماله. والمدير العام لمجلة «الوحدة الإسلاميّة» الصادرة في بيروت عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان.

البيان التاريخي الصادر عن ذلك الإجتماع كان في 28 آذار 2012م. وقد تكلّمت عنه «إطلالة جُبيليّة» بالتفصيل في عددها السابع الصادر في 15 أيار(مايو) 2012م.