التحية الأخيرة

08/01/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

هكذا يرحل الكبار، وهكذا أحبّ أن يرحل، بعدما أثقل المرض جسده فعجز عن متابعة حمل الأمانة، أمانة الإجتهاد النيّر والعلم الفياض.

كانت حياته في مواكب، كما كان تشييعه في مواكب، وكيف لا؟ والراحل الكبير عَلَم من أعلام الإجتهاد والكلمة، لم يقيّده النفق المذهبيّ فجاد عطاؤه في ساحات الإسلام والعروبة وكان نهجاً مُختزناً لعمق العروبة وأبعادها، ولواءاً متقدماً لقضايا العرب والمسلمين بعيداً عن شعارات بكماء على يافطات إستعراضيّة.

فليس بغريب أن ينهل المثقفون والمسلمون من بحره الواسع، الذي فاض من زبدة وعصارة وجدانه، يقيناً منهم أنَّ فرادة جعلته رائداً في الإجتهاد ومكنته من إحتلال صدارة قلوب المؤمنين.

سيّد الفقه والحكمة، يسمو فكره فوق ماديات النصوص ومسلمات السلف محققاً بآرائه معادلة فقهيّة مفهومها الإلتزام المنفتح على الله.

علمتنا أحكامه أن الحكم الشرعيّ هو نتيجة إنسجام بين النّص القرآنيّ والمنطق، مستمداً من روحية الشريعة، ودعتنا رسالته إلى ممارسة الشعائر الدينيّة بقلوبنا ليتحول الشعور بالواجب الديني إلى شغف للقيام به، فكانت دعوته الدائمة للإنفتاح على الله.

رحل العلاّمة الكبير تاركاً ثروة من الفكر والأدب، وعطاءاً خيرياً ضخماً صنعه قلقه الدائم للحفاظ على أمانة الرسول(ص)، في رعاية الأيتام والإهتمام بحاجاتهم وشؤونهم عبر الجهد المضني الذي بذله وترجمه إلى مؤسسات ومعاهد تعليميّة وتربويّة وصحيّة وحتى ترفيهيّة في سبيل رفع مستواهم على كافة الصعد فكان أبا الأيتام حقاً، وكانت يداه حبل الخلاص الذي يربط اليتيم بعائلته وأبنية الخير والصدقة التي شيّدها بفضل الله دون منة من أحد.

خسرناك سيّدنا الجليل، أباً ومُرشداً وفقيهاً وعالماً كبيراً، لم تهجر أناملك القلم ولم يبرح صوتك المنابر رغم قساوة المرض حتى وقت قريب من وفاتك.

ونحن بعد مسيرتك المشرفة، وبعد أن ضمَّ التراب جسدك الطاهر نتساءل: أحقاً نحن من ودّعك أم أن سماحتك من ودّعنا؟ فيوم ووريت الثرى كان يومك يا سيّدنا الذي إنتظرته للقائك المنتظر بالمولى الذي أحببته فأحبَّك، وكانت تحيتك الأخيرة لنا كما رفعها المنظمون: أستودعكم الله.

الغبيري في:3/11/2010

عضو هيئة التحرير: المحامي الحاج حسن مرعي برّو.