ليلة مصرية.. في عشق أهل البيت (ع)

20/04/2015
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

ليس بالضرورة أن تكون مسلماً سنّياً أو شيعيّاً ملتزماً ومواظباً على الصلاة وفرائض الإسلام، لكي تكون من عشاق الحسين، فكونه واحداً من أهم رواد الحرية والثورة على الظلم والطغيان، جعل الكثيرين من أحرار العالم من مختلف الأديان يجتمعون على عشقه، حتى وان كنت منتمياً الى ديانة اخرى أو حتى ملحداً.

ولعلّ ما قاله الزعيم الهندوسي المهاتما غاندي يعكس هذه الحقيقة، فقد كتب محرر الهند يوماً «تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر»، ثم خاطب شعبه قائلاً: «ينبغي على الهند إذا أرادت أن تنتصر أن تقتدي بالإمام الحسين».

كل ذلك يمكن أن تستخلصه من المشهد في الحرم الحسيني في القاهرة طوال الاسبوع، فوسط أجواء روحانية، تكسوها الأناشيد والذكر والابتهالات والمدائح النبوية، أحيا المصريون ذكرى قدوم الرأس الشريف للإمام الشهيد الحسين بن علي إلى مصر. وبالرغم من أن الشيعة يحتفلون بالإمام الحسين في ذكرى مولده في شهر شعبان، ووفاته في محرم، إلا أن للمصريين احتفالاً خاصاً به، مرة يوم مولده، والأخرى يوم قدوم رأسه الشريف إلى مصر، والذي نقل من عسقلان إلى مصر في العام 549 هجرية، بحسب رواية المقريزي (التي أيدها الكثير من علماء الدين والتاريخ)، علماً أن الراوي عاصر واقعة النقل، وشارك أهل مصر الذين خرجوا عن بكرة أبيهم لاستقبال الرأس الشريف.

ويقول المقريزي في كتابه «الخطط المقريزية»:« نقل رأس الحسين من عسقلان إلى القاهرة يوم الأحد الثامن من جمادى الآخرة سنة 548 للهجرة (الموافق 31 آب العام 1153 ميلادية)، وكان الذي وصل بالرأس من عسقلان الأمير سيف المملكة تميم واليها، وحضر في القصر يوم الثلاثاء العاشر من جمادى الآخرة المذكور الموافق 2 ايلول العام 1153 ميلادية».

أجواء الاحتفالات في مصر تبدأ قبل اليوم المحدد بحوالى عشرة أيام يبدأ خلالها أصحاب الطرق الصوفية ومحبو الحسين بإقامة الخيام والولائم (الخدمات)، لاستقبال وإطعام ضيوف الإمام، حيث لا يقتصر تقديم الطعام على أبناء القاهرة، بل يشارك فيه مواطنون جاؤوا من أقاليم المحروسة، لتقديم ما يستطيعون، حسب قدرة كل منهم، ابتغاءً لرضى الله، ومحبة لآل بيت رسوله الكريم.

ثم تأتي «الليلة الكبيرة»، التي يكتظ فيها حي الحسين في القاهرة الفاطمية بمريدي الإمام الذين يأتون من كل ربوع مصر، بمختلف طبقاتهم الاجتماعية والعمرية، ويجمعهم عشق الحسين وآل بيت الرسول في وسطية لا تعرف التشدد ولا الغلو.

وقد أحيى «الليلة الكبيرة» هذا العام المنشد الصوفي الشيخ محمود التهامي، وهو نقيب المنشدين المصريين، وابن الشيخ ياسين التهـامي، الـذي كان من المقرر أن يحيي «الليلة اليتيمة»ـ الأخيرة في الاحتفالات ـ والتي تلي «الليلة الكبيرة»، ولكن الحفل أُلغي لظروف أمنية.

واستمر حفل «الليلة الكبيرة» حتى الساعات الأولى من صباح يوم أمس الأوّل(1)، أنشدت خلالها على المنصة الرئيسية التي أقيمت أمام المسجد أعذب القصائد، وسط الآلاف من المريدين ورواد المُولد، وكان من بينهم عدد كبير من الأجانب والسياح الذين حرصوا على حضور الحفل حتى نهايته، وسط إجراءات أمنية مشددة، قامت بها وزارة الداخلية.

وشهد المُولد كذلك العديد من حفلات الذكر في محيط المسجد، وقد أحياها العديد من المنشدين، حيث حرصت معظم الطرق على إقامتها هذا العام بعد توقف استمر ثلاث سنوات للظروف التي كانت وما زالت تشهدها مصر.

ويعد مولِد الإمام الحسين الأكبر في مصر من حيث عدد المشاركين، ويليه مولِد شقيقته السيدة زينب، المدفونة في منطقة مجاورة له، والتي يتمُّ الاحتفال بمولدها في الثلاثاء الأخير من شهر رجب من كل عام.

ويرجع تاريخ الاحتفال بالموالد في مصر إلى العصر الفاطمي، حيث كان للخلفاء الفاطميين أعياد ومواسم على مدار العام، وهي مواسم رأس السنة، وأول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي محمد، ويتم إحياؤها بالاجتماع وأكل الطعام وتعليق الزينة وإظهار الفرح والسرور.

وأقيمت الموالد للمرة الاولى في العام 922 هجرية، وذلك في عهد السلطان المملوكي قانصوه الغوري، ولكن أُلغيت في العام التالي عندما دخل العثمانيون مصر، قبل أن تعود مرة اخرى(2).

الهوامش:

(1) أي الثامن من شهر جمادى الآخرة.

 

(2) عن صحيفة «السفير» الصادرة في بيروت في 20/2/2015م. مراسل «السفير» في القاهرة، أحمد علاّم.