كن حراً ... وكن مسؤولاً ...

15/4/2016
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم الأستاذ محمد علي رضى عمرو(1)

كن حراً وكن مسؤولاً... فالحرية هي القدرة على ضبط النفس، فالمعنى الحقيقي للحرية مرتبط الى حد بعيد بالأخلاق، والحرية هي الحق بأن تعمل كل ما تسمح به القوانين، فلا وجود لحرية من دون قوانين، ولا وجود لمكان يكون فيه المرء فوق القوانين، فعلى كل مطالب بالحرية أن يعترف بحدود حريته وبحدود حرية الآخرين.

معاني الحرية

ليس لكلمة حرية معنى واحد وإنما لها عدة معانٍ، أهمها:

ا- الحرية: هي وعي مباشر بأنّ ‏لدينا قدرة على الاختيار.

2- الفعل الحر لا علة له.

3- ‏الفعل الحر فعل يستحيل التنبؤ به قبل حدوثه.

4- ‏الحرية غياب الاضطرار.

5- ‏الفعل الحر تحقيق هدف عن وعي وشعور

6- ‏الحرية هي قدرة على ضبط النفس.

أهمية الحرية

‏تتمتع الحرية بأهمية أساسية في الوجود الإنساني، إنها تغذي عند الإنسان عاطفة الشعور بالاستقلال والإرادة الذاتية، وتنمي عنده تذوق المبادرة، وتكوين المشاريع، وتوقظ فيه الشعور بالمسؤولية تجاه الأفعال التي يختارها وينفذها.

‏كما أن الحرية هي الأساس في العلاقات السليمة بين البشر سواء كانت شخصية أم مدنية.

كيفية اكتشاف الحرية:

يتم اكتشاف الحرية:

أولاً: بمراقبة الأفعال البشرية انطلاقًا من الأفعال البدائية، حيث الإنسان غير خاضع لأي ضغط.

‏ثانياً: فى شهادة الإدراك الذاتي الداخلي التي كان ديكارت رائدها فى الفلسفة الحديثة مع ( الأنا أفكر )، حيث تظهر الحرية الجذرية سواء في مضمونها، أو في شكلها.

تطور معنى الحرية

الحرية الطبيعية والسياسية

لم تتمتع الحرية دائماً بالمعنى عينه، ففي المدينة اليونانية اتخذت لفظة حرّ معنىً اجتماعياً قانونياً خاصاً. فالإنسان الحر في المدينة اليونانية ينتمي إلى المدينة كعضو كامل ‏متميز عن العبيد وعن الغرباء بشكل جلي؛ وعليه فالإنسان الحر كان يتمتع بحرية طبيعية وسياسية. وكان التعريف البدائي لهذه الحرية هو: التصرّف الحر بالذات الشخصية وامتلاك الحقوق. يؤكد أرسطو في كتابه (السياسات) أن المواطن اليوناني حرّ بامتياز، لأنّه يتمتع بحق ممارسة قسم من السلطة الشرعية والقضائية في مؤسسات الدولة.

الحرية الداخلية والشاملة

يعطي الرواقيون حركة الانطلاق لمفهوم الحرية الداخلية للفرد، من خلال وجود قدرة داخلية في الإنسان تجعله سيدًا على أهوائه وعواطفه وآرائه.

وقد عززت الديانات التوحيدية بشكل خاص المفاهيم الشاملة للحرية، ونمت الشعور بالمسؤولية الشخصية. ‏أما بين الفلاسفة المحدثين، فإن ديكارت ولايبنتز يعتبران أنّ الفرد في عمقه الداخلي يبحث عن الحرية.

الحرية والاستقلال الذاتي

تنتمي الحرية في جوهرها إلى قطاع الإنسان الداخلي، وتعني مبادرةً شخصيةً واستقلالاً ذاتيًا. إنها تتحقق بشكلٍ خاص في كل اختيار. ولكنه يبقى باطلاً إن لم يتحقق في الخارج. هكذا لا تكون الحرية محصورة في قطاع الشخص الداخلي، بل يجب أن تُمارس في العالم، حيث الإنسان يفعل ويعيش، ليس وحيدًا، بل مع الجماعة. وحيث أنّ الحرية في نظر كثرة من الفلاسفة (إحساس ذاتي عميق بأننا أحرار) لذلك فإنّ الإنسان في أساسه إرادة واختيار.

بحسب برغسون: الحرية معطى مباشر من معطيات الشعور، بل هي أوضح معطياتنا المباشرة، ونحن ندرك ذلك بحدث مباشر لا شكّ فيه. ‏عند سارتر: حريتي مطلقة، ولا أستطيع إلا أن أختار، وفي ذلك مسؤوليتي.

الحرية والقانون

‏لتدارك الصدامات والنزاعات العفوية التي يمكن أن تنتج من الممارسة غير المراقبة للحرية، كانت القوانين التي تنظم علاقات البشر على جميع المستويات: ‏علاقات الأفراد في ما بينهم، والعلاقات المتباد‏لة بين الأفراد والدولة، والعلاقات المتبادلة بين الدول.

‏الحرية تحرر من الشهوات

‏لبعض أنصار الحرية موقف يدافعون فيه عن حرية الإنسان بمعنى مختلف عن المعاني السابقة وهو محاولة ضبط النفس. ويتطلب ذلك في نظرهم إخضاع سلوكنا لأحكام العقل، ‏كما يتطلب ممارسة. وهذا المعنى للحرية مرتبط إلى حد بعيد بالأخلاق .

‏يقول ليبنتز: إنّ كل فعل إرادي أؤديه بمقتضى العقل فعل حر، وإنّ الناس أحرار بقدر ما يستطيعون التحرر من عبودية شهواتهم.

‏القانون ينظم الحرية

‏إهتم رواد الفكر الديمقراطي الحديث بإعلان الحق في الحرية الفردية، والمطالبة بضرورة تنظيم هذه الحرية.

‏يكتب مونتسكيو فيقول:«صحيح أنه في الديمقراطيات يبدو أنّ الشعب يصنع ما يريد، ‏ولكنّ الحرية السياسية لا تقوم البتة بأن يفعل الإنسان ما يشاء، إذ يجب أن يدرك الإنسان ‏معنى الاستقلال ومعنى الحرية».

‏ويضيف قائلاً: «الحرية: هي الحق بأن تعمل كل ما تسمح به القوانين، وإذا استطاع المرء أن يفعل ما تحرّمه القوانين، فلن يكون أكثر حرية، لأنّ الآخرين ايضاً يستطيعون فعل ذلك».

‏كذلك يؤكد روسو فيقول:« في الحرية المشتركة لا أحد له الحق بأن يفعل ما تمنعه حرية الآخر»، ويضيف روسو:« لا وجود لحرية من دون قوانين، ولا وجود لمكان يكون فيه المرء فوق القوانين ». كما يميّز روسو بين نوعين من الحرية: الأولى: حرية المتوحش التي هي حرية الحيوان البليد المحدود.

‏الثانية: هي الحرية بالقانون، حيث الإنسان يعترف بحدود حريته وبحدود حرية الآخرين. ‏

‏نظرية الضرورة

هذه النظرية تنكر القرار الحر المجرّد وتعتبره بمثابة جهل بطبيعة الوجود ونظامه حيث يعتبر سبينوزا أنّ كل ما يحدث ينتج ضرورة من طبيعة الله. فالضرورة يمكن تبريرها عقليًّا، بينما القدرية لا تبرّر عقليًا.

‏وعليه، فليست الحرية سوى وهم ناتج من جهلنا للأسباب التي تحدد فعلنا. ويضيف سبينوزا:« يُخدع البشر عندما يفكرون أنّهم أحرار ». ومن الممكن القول: إنّ عقلنا يسلم أحياناً بأن العالم خاضع لضرورة منطقية، وبأنّ كل شيء يمكن استنتاجه من مبادئ واضحة.

نظرية الحتمية:

هذه النظرية العلمية تثبت أن كل ما يحدث محدد بأسباب سابقة؛ وبالتالي، الحتمية لا تتفق مع الاعتقاد بالحرية إذا كانت الأفعال كلها خاضعة للحتمية الدقيقة. نجد ذلك جلياً عند الفيلسوف الألماني كانط الذي يؤكد أنّ الحتمية العلمية لا يمكن أن تحملنا على إنكار الحرية المسلم بها في الأخلاق.

‏الحرية والحتمية

يعتبر ديكارت أنّ الحرية التي تمارس وفقًا للعقل هي اسمى درجات الحرية؛ وذلك لأنّ الحرية التي تحدد ذاتها من دون عقل هي سلطة عبثية.

‏وكان أفلاطون في كتابه «‏الجمهورية» قد اعتبر أنّ أغلبية النفوس تختار، حتى في العالم الآخر قبل تجسيدها من جديد، حياة تتوافق مع حياتها السابقة، وذلك وفقًا لنظريته القائلة بالتناسخ.

‏الحرية والتطوّر

‏تعلّمنا التجربة أن نعترف بالحتميات المرافقة للحرية، وبهذا يمكننا تبرير الأفعال والاختيارات التي تظهر من فعل الإنسان وأثره في مسار الطبيعة.

‏فالحرية تستخدم الأمور الطبيعية التي لا تتعارض مع الممكن بل تتعارض فقط مع اللاحتمية، ‏فتصبح الحرية بهذا المعنى: القدرة على العمل بالوعي والإرادة المزروعة في ذواتنا لتحقيق أهداف وجودنا، والسعي إليها بحرية، ‏متحررين من الضغوطات الخارجية كافة، ومحققين التصور الذي نصوغه لمشروع وجودنا.

‏من هنا تفرض الحرية تربية متواصلة تولي الفرد اتساعاً أكبر في العمل، وتزداد حرية الشخص بقدر ما يتسع أفق ألإمكانيات لإدراكه واختياره، كما أنه يزداد حرية بقدر ما توليه قوة مزاجه من قدرة على السيطرة على عواطفه.

‏ومن ثم لا يمكن إطلاقاً أن نعتبر أنّ القرار الحر مجانية مطلقة، بل يجب أن نأخذه في واقع إعطائه لذاته شرائعه الخاصة، وإعطائه الخلقية لشريعته، ثم أن يعمل إنطلاقاً من ذاته على إيجاد وضع جديد للأشياء لا ينتج من انطلاقة عفوية للشعور، بل من إرادة حرة هي التي تقرر بعد مشورة.

المسؤولية

‏المسؤولية هي ميزة من هو مسؤول، أي من يُسأل عن فعله. إنها تقوم على أنّ الإنسان هو شخص واعٍ يتمتع بإرادة حرة، وهو سبب أفعاله الوحيد، وبالتالي يستطيع أن يجيب عنها وعن نتائجها، ويستطيع أن يعد وأن يلتزم. أما شرطا المسؤولية فهما: المعرفة (الوعي) والحرية.

‏تضم المسؤولية علاقة بين أطراف ثلاثة:

أولا:الشخص المسؤول.

‏ثانيا: حقل المسؤولية،

‏ثالثا: السلطة التي أمامها يجب الإجابة عن السؤال. وهذه السلطة هي إما القضاء، أو الضمير، أو الله. ‏

وقد تمتد المسؤولية لتشمل تحمّل المسؤولية عن شخص آخر، أو عن سلوك إنسان يعيش في عهدته، يُعتبر فعله الصادر عنه، من خير أو شر بمثابة فعله الشخصي. وذلك مثل تحمل الأهل المسؤولية الخلقية عن تربية أولادهم، أو سائق السيارة المسؤول عن الأشخاص الذين ينقلهم.

‏المسؤولية القانونية:

‏إنها المسؤولية التي يجب عليه بقوة القانون أن يجيب أمام القضاء عن شيء ما، أو عن شخص ما.

‏المسؤولية المدنية:

هي ميزة من يجب عليه بقوة الشريعة، أن يعوّض عن الضرر الذي يسببه لشخص آخر. وذلك، كمسؤولية صاحب الملكية مدنيًا عن الأعطال المسبّبة بأشياء يملكها: كالحيوانات والسيارات وخلاف ذلك.

‏المسؤولية الجنائية:

هي ميزة مَن بقوة القانون يجب أن يُعاقب على جرائمه. مبدئيًا المسؤولية الجنائية تفترض المسؤولية الخلقية؛ فقضائياً لا يمكن المعاقبة إلا على الأفعال التي تصدر عن الإنسان بحريته، وعملياً لا يصدر الحكم بالعقاب إلا ضد الذين هم مسؤولون خلقياً.

المسؤولية المستقبلية:

تُعنى بالمستقبل حول مهمة يجب تحملها، بنتيجة يجب التوصل إليها. بينما المسؤولية الماضية تعنى بالأفعال الماضية، وهي تتحمل مسؤولية الأخطاء والسقطات السالفة.

يمكن اكتساب المسؤولية وإنماؤها بشكل متواصل وفقا للآتي:

‏أولأ: باكتساب السيطرة على الذات.

‏ثانيًا: تتميز المسؤولية المستقبلية بصلابة المزاج الذي يظهر في الأمانة لأسلوب سلوك ‏يرسمه المرء لذاته.

‏ثالثا: تُكتسب المسؤولية بالاعتراف بالكرامة الخلقية الخاصة بفضل العقل والإرادة الحرة.

 

 

الهوامش:

(1) صاحب ومدير شركة «الناشرون » وعضو مؤسس في هيئة تحرير «إطلالة جُبيليّة ».