المرحوم الحاج ضامن شمص في ذمة الله

24/5/2012
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

مزاياه، عنفوان وأَصالة...

بقلم الدكتور عبد الحافظ شمص

 

إنَّ أصعب المواقف، تلك التي نَقفُها في حضرة الموت.. إذ أنّ للموت رهبة لا تفضلها سوى رهبة التأَمُل فيه، وإنّ لكلّ إنسان مزية.. ومزايا  الصالحين هي مرآة حياتهم، وهي التي تعكس سُبُل مسالكهم وتثير فيهم الحميّة والغيرة على قضايا النّاس الدينيّة والإجتماعيّة والسّياسيّة والإقتصاديّة.

لا رَيْبَ أنَّ العالم بأجمعه تحت سلطان الله وقدرته.. وإنّ وجود شيء من الممكنات، منوط بمشيئة الله تعالى.. فإنّ شاء أوْجَدَهُ، وإن لم يَشَأ لم يُوجده.. ولا رَيْبَ أيضاً في أنّ علم الله تعالى قد تعلّق بالأشياء كلّها منذ الأزل.. وهذا التَعيُّن يُعبرَّ عنه بتقدير الله تارة، وبقضائه تارةً أخرى..

ولكن تقدير الله وعلمه بالأشياء لا يُزاحم ولا يُنافي القدرة عليها بوجوده في قلوبنا وعقولنا، وقد يُعبرَّ عنها بالإرادة...

كُلَّنا أمام الموت واحد.. لا فرق بين كبير وصغير، غنيّ وفقير.. ولا شيء يردّ القضاء إذا قَدِمَ القضاء.. فالله خَلقَ الخلق وكتب عليهم الموت وعليهم أن يتحمّلوا هذه المشيئة من دون إحتجاج أو غضب، على الرّغم من فداحة الموت إذا وقع، والمفاجأة إذا حلّت، وخصوصاً إذا ما سكّت قلب إنسان عزيز كالمرحوم الحاج الفاضل ضامن شمص، على غير علم من صاحبه، أو إنذار... الحياة حلمٌ قصير يضيع مع كلّ ظاهرة من ظواهر.. والعمر أيّام معدودات.. واكتناه ظاهرة الموت أمرٌ لا قدرة لأيّ إنسانٍ على بلوغه مهما أُوتي من علم ومعرفة.. فالكون أعظم من أن يحدّه عقل.. واللهُ أَدْخلَ في صميم الحياة، عن حكمة وعبرة، مسألة التّناقض حيث كانت الثنائيات المتناقضة سرّاً  من أسرار الوجود، الليل والنّهار، الشرّ والخير، الشروق والغروب.. الموت والحياة.. وهذه الثنائيّة بإعتبارها الأكثر التصاقاً بمصير الإنسان، ووجوده.. فما علينا إلاّ أن نعتبر ونتعظ... والإنسان، باعتباره حاسّاً بالعقل وعاقلاً بالحسّ، لا يتمكّن من مقاومة تَسلُّل فكرة الموت إلى وعيه إلاّ بكثيرٍ من الإيمان المطلق والإرادة الصّلبة.

وكبيرُنا وعميدُنا المرحوم الحاج ضامن شمص الذي يشبه نفسه ولا صنو له إلاّ في ذاته.. يكفينا فخراً وشرفاً أنّنا عاصرناه وعرفناه، وتكرّس تَعلّقنا بشخصه الكريم وافتخارنا بخصاله الحميدة وسموّ أفكاره وعلوّ شأنه وإيمانه الذي لا يتزعزع، وجزيل فضله « كان رحمه الله حالة استثنائيّة في التّعامُل مع أبناء عائلته كما مع الجميع، وغيرته الكبرى على المصلحة العامّة المتصلة بشؤون العائلة، ليبقى عنوانها فاضلاً، ولكي يتمكّن أبناؤها من إجتياز صعوبات الحياة بتقلّباتها أَينما وُجدنا كأفراد عائلة واحدة وتتفاعل مع جميع العائلات اللبنانيّة، بتخطيط ورسم وتنفيذ كلّ ما من شأنه رفع المستوى المعيشي، وكلّ ما يمكن أن يُحسّن الأوضاع في مسيرة الحياة الطويلة وتُبلور حركة تطوّرها الإيجابي..

في ذكراه نذرف الدّمع السَّخي، وهو الذي عَلَّمنا السّخاء، سخاء الكفّ وسخاء العين عند هبوب عنفوان العاطفة.. له منّا أصدق الدُّعاء من رُقاده الأَبديّ... لن ننساه بعد أن خطّ الزّمنُ جُرْحَهُ.. ولن تقف الآهات.. الأنين السّاكن في قلوبنا، يصرخ.. أين مَنْ كان الرّمز والمثال؟ أين صاحب القلب الحنون؟.. لن نستطيع معايشة الأَيّام، طالما أنّ غيابه سيطول، والصّمتُ الرّهيب في منزله يُؤرّق أحداق أبنائه البررة،

لقد ضمّه التراب وغمرته الأيّام، ونحن في غروب شمسٍ وعتمة ليل.. ألوان الشمس تنكسر في أمواج بحورنا التّائهة.. منارتُنا لوّحها ملح الفراق، سُطّرت عليها حكايات وفاء ومحبّة.. ظلّ أسوأ مرحلة في تاريخ الوطن المعذّب...

المقاوم في زمن التَردُّد، يردّ العدوان، يرصد المفاجآت، يُخلّص ويُطهّر الأرض من الحرمان، يحمي الحدود، ينير الكون، يُبارك صَرْحَهُ النّوراني فيزهر الزّمان وتستقرّ الأنفس...

سلاماً ابا وليم، لصمت الأمكنة ولعزلة الأعماق ودهشة الوداع وضراوة الفراق وحيرة الألم وخوف النهايات.. رحلتَ إلى الملأ الأعلى، قاطعاً المسافة بين الحياة والحياة، وبين الحياة والخلود...  لن ننساك وقد أيقظَنا رحيلُك على عميق الحياة في معنى الموت، وعلى عميق الموت في معنى الحياة... لن تغيب الصورة ولن تغيب مزاياك عن أحاسيسنا ومشاعرنا التي وضعها اللهُ فينا.. الكلمة تستنفد عاطفتها في وداعك ومثلها القول والفعل والوجدان... فكلّ شيء أيّها الرّاحل  العزيز، يأتي ويذهب، ومع ذلك فإنّنا، وَمَنْ تركتَ من أبناء وأحفاد، نُحاول انتزاعكَ من اللحظة الصّعبة التي أَنتَ فيها.. ولكن هيهات.. فلا أحد يستطيع تغيير المعادلة والقوانين أو يختصر المسافة بين الحياة والموت بإعتبار أنّ اللحظة فوق نظام الوقت وخارج نطاق المعقول.. ومن الطبيعي أن يكون دمُه قد جفّ والدُّموع في أعين من فارقهم... وأن نعود إلى لغتنا لنستعيد القدرة على الكلام عنه، كما نتحدّث عن الآلام التي إخترقت صدور الجميع...

وأخيراً، فالكبار هم الّذين يصنعون الأمور العظيمة، كما أنّ المُسلَّم به من الوجهة الدينيّة والإجتماعيّة أنّ الطريقة السّهلة للحياة هي التضحيّة والتعاون والمسالمة في كلّ آونة وعلى أكثر من صعيد...

رحم الله فقيدنا الغالي، ورحم الله مَنْ سبقه إلى دار الخلود، نجله الشهيد مالك، ونجله المرحوم العالم الشّيخ عصام شمص صاحب المؤلّفات العديدة والمواقف الوطنيّة الخالدة، وأسكنهم فسيح جنّاته.. وحفظ الله نجله الشيخ حافظ، وأَبقاه ذُخْراً لنا وللجميع ونَفَعَنا بعلمه وبفقهه وبسموّ رسالته الدّينيّة العظيمة، وحفظ الله جميع أبنائه وأحفاده وإنّا لله وإنّا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم...

الكلمة التي آثر بها الدكتور شمص مجلة «إطلالة جُبيليّة» بمناسبة رحيل ابن عمه المرحوم الحاج ضامن ياسين شمص. حيث كان يوم وداعه(رحمه الله تعالى، الواقع يوم الأحد في 11 آذار 2012م، من قبل العائلات الجُبيليّة والكسروانيّة وآل شمص وأنسبائهم وأصدقائهم في الضاحية يوماً مؤثراً وحزيناً.. حيث نقل إلى مثواه الأخير في جبانة حي السلم ودفن بجوار ولده فضيلة الشيخ عصام شمص(قده)، بناءً على وصيته.